من يرصد الواقع الإسلامي، يلاحظ الشعور بالإحباط الذي يعيشه الكثير من دعاة الوحدة الإسلامية وهم يشاهدون أمام أعينهم تصاعد التّوتّر المذهبيّ، الّذي لم يعد يقف عند حدّ الخلاف العقائديّ، أو الفقهيّ، أو الفكريّ، بل تعدّاه إلى حدّ استباحة الدّمّ، من خلال القتل والذبح والتفجير وفتاوى التكفير.
وقد وصل الإحباط ببعض الوحدويين إلى حدّ القول إنَّ الوحدة الإسلاميّة، والتَّقريب بين المذاهب الإسلاميّة، لم تحقّق أهدافها، إن لم نقل انتهت.. وإن ما بقي منها، هو الشعار الّذي يفتقر إلى المضمون، ككلّ شعارات الوحدة الّتي تربَّينا عليها وحملناها، مثل الوحدة الوطنيّة والعربيّة والإسلامية، والتي لم تنعكس على واقعنا إلا تجزئة وتفتيتاً.
واذا اردنا اعادة الاعتبار الى جوهر الوحدة كان لزاما علينا ان نفكك اسباب هذا الاحباط، وهي ثلاثة:
١ ــ عوامل خارجية تتمثل بأهداف جماعات ودول أقدر على الهدم والتفتيت لدرجة أن سلوك فرد واحد بإمكانه أن ينسف بصاعق تفجير في مسجد او حسينية او سوق ما عُمل عليه لسنوات من المصلحين والداعين.
٢ ــ خطاب الوحدة وأدواته (عدم الثقة، استهلاك الشعارات، الموسمية والخضوع للمصلحة على أنواعها، الاحتكام الى الأدوات نفسها). فاليوم لم يعد مقبولا ان تكون الطروحات جامدة لا تتبدل وسائلها بحيث نبقى نعيش على إرث وفتاوى من قدموا للوحدة فيما لا وجود للكثير منها في واقعنا المعاصر برغم اشتداد التوتر ودمويته.. وليس مقبولا ان يقف خطاب الوحدة في عصر الفضائيات ومواقع التواصل، قاصرا امام خطابات التفرقة.. فلننظر إلى عدد الفضائيات التي تبث التفرقة فيما الوحدة ليس لها منصة متخصصة.
٣ ــ طبيعة المشروع الوحدوي والمدى الزمني الذي يتحرك فيه، يحتم على العاملين أن يكيِّفوا أنفسهم على أن العمل للوحدة هو مشروع أخروي، وفي الدنيا هو مشروع طويل المدى.. هو بذرة يزرعونها ويرعونها لعل الاجيال القادمة تراكم عليها وتحول واقعها الى ما هو افضل مما نحن عليه.
من هذه النقطة بالتحديد نرى أن العمل للخطاب الوحدوي ينبغي أن يضع أهدافا مرحلية آنية وأخرى طويلة المدى:
* الاهداف الطويلة المدى تحتم على العاملين إثارة إشكاليات متعددة أرى أن أبرزها يتعلق في تفسير الوحدة والوقوف على المقصود من وراء هذه الدعوة لدى أصحابها.. لأن الكل يدعو للوحدة كشعار ولكن مفهوم كل جهة للوحدة قد يكون مختلفاً عن مفهوم الآخر.. فما هو الحد الاقصى أو الادنى الذي تتلاقى عليه جميع الاطراف؟
وعلى اي مستوى مسموح للوحدة أن تتحرك فيه: فقهي، اصولي، نفسي، سياسي، اجتماعي ام الكل معا.. هذا هو السؤال الذي ينبغي أن تتوضح إجابته لأن عليه يترتب رسم خطط وبناء استراتيجيات تحتاج لنفس طويل وجهد حثيث.
* اما الاهداف المرحلية الآنية، فيجب أن تنصب على هدف ملح ولا أولوية عليه وهو: مواجهة حركة استباحة الدم.. بأي ثمن كان.
لهذا، لا بد من الشجاعة والجرأة في أن يبادر كلٌ في ساحته وفي إطاره الديني والمعرفي لتنقيح الموروث الديني الذي تستند إليه الجماعات التكفيرية لتبرير إجرامها. أن يتم الأخذ بالمقدس كالقرآن الكريم والاستناد إلى المتواتر من السيرة وأما ما دون ذلك، فتجب إعادة قراءته إما بتوضيح مقاصده بما لا يقبل الشك، وإما برفضه وضربه بعرض الحائط إن خالف القرآن الكريم وثوابت الدين.
ولا بد من اعادة الاعتبار إلى مفهوم الأنسنة في التعامل مع المختلف والآخر انطلاقا من حديث الإمام علي عليه السلام: الناس صنفان: «إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» ومساواتك نفسك مع الآخر إن أُقِر كمبدأ فستكون له مصاديق كثيرة تربوية واجتماعية ودينية تنقل الحوار والتعايش إلى القاعدة وإلى الناس عوضا أن تبقى هذه المسألة أسيرة فتوى من هنا أو خلاف فقهي من هناك. حتى أن هذه المؤاخاة في الدين بأدنى صورها، تتمثل في الا يبخل أحد من المسلمين على الاقل باستنكار وشعور بالأسى والغضب على ضحايا هذا التكفير من اي بلد أو جهة انتموا.
اننا نتطلع إلى ضرورة تعزيز لغة الحوار والتلاقي على كل المستويات لاسيما المواقع الدينية الفاعلة ونحن نستبشر خيراً بكل المساعي التي تريد جمع المرجعيات في النجف وقم ومصر وغيرها، ليكون المشهد الأساس؛ مشهد التلاقي، الذي نريده أن يكون القاعدة في علاقتنا، فاللقاء المبني على الحرص على صورة الاسلام، وعلى استقرار أوطاننا ونهوضنا، سيُساهم في حلّ الكثير مما نعانيه.
* السيد علي فضل الله