لا بل في بعض الأحيان توسلات ، لكي يتراجع السيد مسعود عن قراره، الا ان العناد، والذي شبهته في مقالة سابقة بما حدث في اب ١٩٩٠ والكوارث التي حصلت بعده، جعل الجميع في كردستان ينجرفون وراء ذلك دون اي اعتبار للمخاطر المتوقعة. وربما يمكن القول ان ما فاجأ السيد البرزاني اكثر من كل شيء هو الطريقة التي تعامل بها رئيس الوزراء العراقي السيد حيدر العبادي، مع الأزمة. الذي يسجل له انه لم ينجر الى الاستفزازات والتصعيد ولا الى استخدام القوة في منع الاستفتاء. كل الذي عمله هو انه لجأ الى الدستور والقانون والمعاهدات الدولية. وكانت فعالية الإجراءات التي اتخذت، مصحوبة بالموقف الواضح والصريح والمتوقع جدا من ايران وتركيا، واوربا، والى حد ما الولايات المتحدة، قد اصابت القيادات الكردية بالذهول وعدم القدرة على التعامل معها، وكأنها لم تكن تتوقع ذلك أبدا، على الرغم من وضوحها. لا بل قيل ان احد القياديين من خارج حزب السيد مسعود والذي تبجح بنتائج الاستفتاء، عاد ولامه مباشرة قائلا انك أخبرتنا بان القوى الإقليمية لن تعترض وان القوى العالمية وخاصة الكبرى مؤيدة لاجراءاتنا، وان ماحدث هو العكس تماما. وكانت الضربة الأشد والاقسى لقيادة كردستان قد تمثلت في نجاح القوات العراقية في استعادة كل المناطق المتنازع عليها ، وخاصة كركوك وآبارها النفطية.
وفي الوقت الذي يعتقد البعض ان المشكلة قد انتهت عند هذاًالحد، الا ان هناك إشارات واضحة وصريحة ، بل وخطيرة ، وتنذر بكوارث اخرى قادمة، بدأت تلوح في الأفق.
اول هذه الإشارات جاءت من السفير الامريكي السابق للعراق زلماي خليل زاد ، والذي عمل في الآونة الاخيرة مستشارا للسيد البرزاني ومؤيدا، بل وحاثا له على المضي في الاستفتاء، (شانه شان سيئ الصيت بيتر كالبريث صاحب كتاب نهاية العراق، واليهودي الصهيوني برنارد ليفي، وغيرهم)، فلقد كتب زاد مقالة صريحة في احدى الصحف الامريكية الهامة يدعو فيها الولايات المتحدة الى الوقوف الى جانب الاكراد في ازمتهم مع بغداد وعدم التخلي عنهم. ثم جاءت الإشارة الاخرى من جون ماكين السناتور الامريكي المعروف والذي طالب الولايات المتحدة بمحاسبة العراق لانه استخدم الأسلحة الامريكية التي زود بها ضد الشعب الكردي حسب تعبيره، وهذا ما لم يحصل. وأخيرا وليس اخرا ما بدا ينشر في الصحف اليومية الامريكية والاسرائيلية، من ان ماحدث من نجاح عسكري في كركوك مرده الى دخول قوات إيرانية الى العراق وأنها هي التي حققت هذا النصر العسكري الكبير والسريع، وكانها تقول للسيد ترامب ان ماحدث يمثل تحديا لسياسته الرامية الى تحجيم دور ايران في المنطقة.
وأخيرا وليس اخرا فان أخطر المؤشرات أتى من الرسالة التي وجهها السيد مسعود البرزاني الى الشعب الكردي، والتي تحمل في طياتها وبين سطورها تهديدا ووعيدا وتحريضا وأصرارا على المضي في نفس النهج. وليس واضحا لحد الان فيما اذا كانت هذه الرسالة من بنات أفكار السيد مسعود ام انها جاءت نتيجة لاستشارة سيئة من مستشاريه الأجانب الذين اثبتت الوقائع بأنهم لا يملكون ذرة من الاهتمام بالشعب الكردي في العراق وبمصالحه الوطنية والقومية، ولكن كل الدلائل من طرف الحزب الديمقراطي الكردستاني تشير الى ان ما يجري يسير في طريق توريط السيد مسعود باتخاذ قرارات خاطئة اخرى. اول هذه القرارات هو اعلان استقلال اقليم كردستان من جانب واحد. والثاني تحريضه على الاحزاب المعارضة له ودفعه لشن حرب عليها لانها، حسب راي المحرضين والمستشارين السيئين ، قد خانوا القضية القومية الكردية. وأما الخطوة الخطيرة الاخرى والتي ظهرت إشارات لها ايضا في رسالة البرزاني فتتمثل في السعي الى اللجوء الى الولايات المتحدة واسرائيل لدعم البيش مركة التابعين له في شن حرب على القوات العراقية لاستعادة ما خسروه في اليومين الماضيين، وبدعوى ان هذه ليست قوات مسلحة عراقية وانما قوات مسلحة إيرانية متنكرة بزي الحشد الشعبي والشرطة العراقية، وأنها كانت بقيادة قيادات عسكرية إيرانية ومن الحرس الثوري الايراني الذي وضعته الادارة الامريكية موخرا في قائمة التنظيمات الارهابية.
ربما يعتقد السيد البرزاني بان الاعتماد على هذه الوسائل مجتمعة او اي منها منفردا سيعيد له ما خسره في الأيام القليلة الماضية، ولكن هذا لن يحصل، وأنما ما سيحصل هو اقتتال دامي وحروب داخلية لن يجني منها العراق عامة وكردستان خاصة سوى التدمير وضياع الأرواح الزكية للعرب والأكراد. لقد جازف السيد البرزاني بكل ما حققه شعبنا الكردي وإقليم كردستان العراق منذ عام ١٩٩١ ولحد الان، ومنذ إقرار الدستور السيء في عام ٢٠٠٥ ولحد الان، ولقد ثبت بما لا يقبل الشك فشل مجازفته الاولى. ولا اعتقد انه يجب ان يستمر اكثر في المجازفة بمصير شعب وامة والاستمرار في نهج اثبت عدم صوابه. ان اقل ما يمكن ان يفعله السيد مسعود الان هو ان يلجأ الى الحكماء من الاكراد حوله، وهم كثر واكثر كفاءة وإخلاصا للشعب الكردي من الأجانب المتصهينين، والدعوة الى انتخابات رئاسية ويظهر إيمانه في مبدأ التبادل السلمي والديمقراطي للسلطة وان يعيد تفعيل برلمان كردستان بكل أطرافه المؤيدة والمعارضة له، وان يظهر إيمانه الحقيقي بالتعددية التي طالما تحدث عنها. واخير ان يشكل برلمان الاقليم حكومة جديدة بمشاركة الجميع، ووفدا كرديا رفيعا لإجراء حوارا جادا مع الحكومة الاتحادية لإنهاء كل القضايا الخلافية والمعلقة.
اما السيد العبادي فانه مطالب بان يثبت ما قاله من انه يحاسب جميع الفاسدين عربا كانوا ام أكرادا، وان يبدأ بمن حوله من الفاسدين السياسين وان يبادر الى فتح الحوار مع القيادات الكردية التي ربما تأخذها العزة بالاثم الان، وأخيرا ان يسارع في دفع رواتب موظفي الاقليم الذين يعانون من قطع رواتبهم منذ فترة ليست بالقصيرة.
ان الأمل لا يزال موجودا ولكن لكي يتحقق هذا الأمل لابد ان يصاحبه نية صافية وحب للعراق وخاصة لدى السياسين. ليس عيبا ان يخطأ الانسان ولكن العيب هو ان لا يتعلم من أخطائه.
سعد ناجي جواد - صحيفة الرأي