وأكد رجل الدين المعروف الشيخ عبدالله الدقاق أن “الحراك الثوري في البحرين لا يزال مستمراً”، على الرغم من “الدعم الأمني واللوجستي الكبير الذي يحصل عليه النظام من الدول الكبرى والمتطورة والتي لديها خبرة كبيرة في قمع الثورات والانتفاضات”، وأكد الشيخ الدقاق خلال حوار مع “وكالة البحرين اليوم” أن “جيلاً صاعداً قد ظهر في البحرين”، مشبرا إلى أن “تصعيد النظام يهدف إلى نشر الفوضى وجرّ البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه”، إلا أنه أكد في الوقت نفسه أن الشعب البحراني “أوعى بكثير من ذلك”.
وفي شأن المعارضة البحرانية، يرى الشيخ الدقاق أن ثمة عدة سبل لتشكيل “تنسيقية عليا للمعارضة”، ومن أهمها “التقارب النفسي والتعاون في مقام العمل، وإيجاد برامج مشتركة، وفعاليات منسقة”، إلا أنه أوضح أن الأهم “من التنسيقية العليا؛ هو الانسجام التام بين جميع أطراف المعارضة”.
وفي لفتة تظهر لأول مرة في الإعلام، كشف الشيخ الدقاق أن حوزة قم الدينية في إيران؛ كانت تعيش “حالة طوارئ” ليلة تسرب خبر فض الاعتصام بجوار منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم في بلدة الدراز، وقال “كنا نعيش أجواء طواريء بكل ما للكلمة من معنى، خصوصاً وقد علمتُ من الليل أن القرار قد صدر بتفريق المعتصمين، وأن السلطة عازمة على فض الاعتصام حتى لو سالت الدماء وأراقت الدم الحرام”، مؤكدا أنه باستهداف الشيخ عيسى قاسم “فقد أغلق النظام باب الصلح مع الشعب حالياً”.
وفيما يلي نص المقابلة مع الشيخ الدقاق:
١- عُرف عن الشيخ عبدالله الدقاق أنه استاذاً في الحوزة وراعياً لشؤون الطلبة ولديه مشاريع دينية بحته لها علاقة بالجسم الحوزوي، فهل دخل الشيخ عبدالله المعترك السياسي بشكل مؤقت أم أنه مشروع طويل الأجل فرضه تجاوز النظام على عدد من الخطوط الحمراء؟
– الشيخ الدقاق: الأساس الذي دعانا لدخول الحوزة العلمية والتلبُّس بلباس أهل العلم هو خدمة الدين وأهله، والعمل بالتكليف الشرعي، ومادام أداء التكليف الشرعي هو المحرك والدافع فحيثما يجب أن نكون سنكون وحيثما يجب أن نتواجد سنتواجد، بشكل مؤقت أو بشكل دائم، و لو كان على خلاف رغبتنا الشخصية، فشخصياً أحبّ العمل في المجال الديني والخيري والإنساني كخدمة الفقراء والأيتام ومساعدة المحتاجين والمرضى والمعوزين وخدمة أيتام آل محمد، وتعليمهم وتربيتهم على هدي الرسول وآله (ع)، ولا أرغب بدخول العمل السياسي التفصيلي، وأكتفي بالعمل العام، وقد تصدى له الكثير والسعيد من كفي بغيره. هذه رغبتي الشخصية، لكن وما نيل الأماني بالتمني، والتكليف الشرعي هو الذي يحدد المسار المستقبلي للعمل، وخدمة شعبنا ورفع مظلويته والسعي لتأسيس دولة القانون، من أهم الواحبات الدينية، وسنواصل هذا الطريق حتى تحقيق جميع المطالب العادلة والمشروعة، ولكل حادث حديث. والمهم صيانة الدين وحفظ دماء الشهداء وتضحيات المضحين والدفاع عن حقوقهم والسعي لتحقيق بحرين تنعم بالعدالة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
الشيخ عيسى قاسم لن يساوم حتى الرمق الأخير
٢- سعى النظام إلى تجاوز كل الخطوط الحمراء، بما فيها تعديه على آية الله الشيخ عيسى قاسم (إسقاط جنسيته، اتهامه بغسيل الأموال، محاصرة بيته)، كيف تنظر إلى هذه التعديات المتواصلة، وما الخطوة التي تتناسب مع هذا التصعيد في رأيك؟
– الشيخ الدقاق: تصعيد النظام ضد آية الله المجاهد الشيخ عيسى أحمد قاسم (أيده الله) رسالة واضحة من النظام بأنه أغلق طريق جميع الحلول السياسية، ولجأ إلى خيار الحسم الامني ظناً منه إنه سيستطيع تركيع الشيخ وإخماد الثورة وإجبار الشعب على القبول بالحلول الترقيعية والآنية، وفرْض الأمر الواقع بتحويل المطالب السياسية إلى مطالب معيشية بسيطة.
مشكلتنا في البحرين مشكلة سياسية، وليست مشكلة أمنية، ومن المشكلة السياسية تتفرع المشاكل الأخرى كالمشكلة الاقتصادية والحقوقية والدينية وغيرها، والسلطة في البحرين تحاول الضغط على آية الله قاسم لإجباره على التنازل في الملف السياسي مقابل تراجعها في الملف الديني أو بعض المطالب المعيشية، ولكن “هيهات هيهات”، فمنْ يعرف آية الله قاسم يعرف أنه شديد في ذات الله، ولايساوم على حقوق الشعب المسلوبة، وسيبقى مدافعاً عن مظلومية شعب البحرين حتى الرمق الأخير من حياته، فهذا جزء من مسؤولياته الدينية والسياسية والوطنية، وسينقلب السحر على الساحر. فالناس قد تعوّدت على هذه الإجراءات القمعية ولم تتراجع ولم تنكسر، بل ازدادت قناعتها بضرورة تغيير الوضع القائم، لأنه مبني على سلب الحقوق العادلة والمشروعة لشعبنا المسلم المسالم في البحرين.
تصعيد النظام يهدف إلى نشر الفوضى وجرّ البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه، لكن شعبنا أوعى بكثير من ذلك، ولابد من مواصلة الحراك المطلبي والسلمي بشتى الوسائل الشعبية والحقوقية والإعلامية وغيرها، والتحلي بضبط النفس والنفس الطويل، وما ضاع حق وراءه مطالب، ومن صبر ظفر، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.
بعد استهداف الشيخ قاسم أغلق النظام الصلح مع الشعب
٣- بهذا الاستهداف البيّن والكامل للشيخ قاسم، وباعتباره أكبر رمز سياسي في البلاد؛ هل أغلق النظام “باب الصلح” مع الشعب؟
– الشيخ الدقاق: باستهداف سماحة آية الله قاسم (أعزه الله) فقد أغلق النظام باب الصلح مع الشعب حالياً، والحرب سجال كما يقولون، وعادةً الأنظمة تحتفظ بأوراق معينة تستثمرها عند التفاوض إذا مرت بلحظات ضعف تجبرها على الرضوخ لمطالب شعبها، لذلك نرى النظام يسقط الجنسيات ويغلق المؤسسات ويصادر الحقوق والحريات ويصعّد في أحكام السجناء ويبالغ في الكثير من الإجراءات لكي يحتفظ بأوراق تفاوضية، وهو ما ينبغي على المعارضة أن تحتفظ به، فلو استطاعت المعارضة أن تحتفظ بأوراق قوة تدين النظام كرفع دعاوى قضائية ضد رموز النظام الكبيرة بحيث تصدر ضدهم إدانات دولية قوية؛ فإن هذه الأوراق المختلفة سيكون لها أثرها في المستقبل القريب. وعالم اليوم لا يحترم إلا القوي المقتدر، والأيام دول، ودوام الحال من المحال، فلابد من الإعداد للمستقبل بشكل مهني ومبرمج.
ما قاله الشيخ الآملي بعد الهجوم على اعتصام الدراز
٤- حدثنا عن الأجواء التي عاشتها الحوزة الدينية في مدينة قم الإيرانية فور ورود خبر تفريق المعتصمين حول بيت آية الله الشيخ عيسى قاسم؟
– الشيخ الدقاق: كنا نعيش أجواء طواريء بكل ما للكلمة من معنى، خصوصاً وقد علمتُ من الليل أن القرار قد صدر بتفريق المعتصمين، وأن السلطة عازمة على فض الاعتصام حتى لو سالت الدماء وأراقت الدم الحرام، وكان من المقرر مسبقاً أن أسافر صباح يوم مجزرة الدراز (مايو ٢٠١٧م)، لكن ألغيت سفري واعتذرت للاخوة المرافقين لعلمي بقرار النظام، وقد لجأنا إلى مراجعنا العظام، ومن أبرزهم المفسر الكبير والمرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ عبدالله جوادي آملي الذين تناول في حديثه قوله عز وجل: (كأن لم تغن بالأمس)، وقال إن القرآن الكريم يشير إلى حال الناس بعد زوال الظالمين، وقد شبّههم بالأرض المزروعة التي زال غرسها لكن لم يبق أي أثر على الارض لتلك الأشجار المغروسة، فهذه الأرض (كأن لم تغن بالأمس)، أي وكأنها لم تكن مزروعة ومغروسة، فكذلك الظالم إذا رحل لا تجد له أي أثر في البلاد التي حكمها طويلاً، كالشاه وصدام.
الثورة في البحرين “تورّث أجيالها”
٥- في الوقت الراهن، وبعد التطورات المختلفة في الداخل، كيف تنظر لمسار الحراك الثوري في البحرين؟
– الشيخ الدقاق: الحراك الثوري لا يزال مستمراً في البحرين على الرغم من الدعم الأمني واللوجستي الكبير الذي حصل عليه النظام من الدول الكبرى والمتطورة والتي لديها خبرة كبيرة في قمع الثورات والانتفاضات، مما يعني أن جيلاً صاعداً قد ظهر في البحرين. فبعد اعتقال الرموز الدينية والسياسية، واعتقال أكبر قدر ممكن من الناشطين الميدانين وفرار الكثير منهم إلى خارج البلاد، ومن بقي منهم في البلد ولم يسجن فهو معرَّض للملاحقة الأمنية والمطاردة؛ إلا أن كل هذه الإجراءات القمعية لم تخمد لهيب الثورة والانطلاقة، وإن أسهم في إضعافها وهذا أمر طبيعي، بل عزز القمع ظهور شباب جديد، قد يكون عمره عشر سنوات أو أقل أو أكثر بداية انطلاق الثورة والآن أصبح عمره سبعة عشر عاماً أو أقل أو أكثر، وهذا يعني أن الإجراءات القمعية لم تكسر الشباب المقاوم، و”الضربة التي لا تكسرك؛ تقويك”؛ لأنها تعطي المزيد من الخبرة والتجربة، مما يعني تخرّج الكثير من الكوادر الميدانية الجديدة من رحم الواقع، وأن الثورة باتت تورث أجيالها، وهذا يبشّر بخير، ويضفي علينا مسؤولية ضرورة الحفاظ على وهج الثورة لتخريج الكثير من الكوادر الميدانية ذات الخبرة الواسعة.
“تنسقية عليا للمعارضة البحرانية”
٦- في ظل هذه الأوضاع والتحديات الصعبة، ما السبل لتشكيل تنسيقية عليا للمعارضة البحرانية أسوة بالعمل الحقوقي والإعلامي الذي حقق إنجازات لافتة لصالح قضية الشعب البحراني؟
– الشيخ الدفاق: توجد عدة سُبل لتشكيل تنسيقية عليا للمعارضة، ومن أهمها التقارب النفسي والتعاون في مقام العمل، وإيجاد برامج مشتركة، وفعاليات منسقة، والأهم بنظري من التنسيقية العليا هو الانسجام التام بين جميع أطراف المعارضة، وإنْ لم تحصل “تنسيقية”، فلو عملت جميع أطياف المعارضة على قاعدة: (تعدُّد أدوار ووحدة هدف)؛ لتحقّق روح التنسيقية وإن لم تتحقق، فليعمل كل واحد من أطراف المعارضة بما يراه ضمن الأطر المتعارفة، على أن يؤدي دوراً يخدم الأطراف الأخرى، ولا يضع أمامها العراقيل ويحدث المشاكل، فأعضاء بدن الإنسان مختلفة لكن تتحرك بانسجام لتحقيق راحة الإنسان، ولتكن أطراف المعارضة مختلفة لكن لتتفق في تحقيق راحة شعب البحرين المظلوم وتخلصه من الظلم الجاثم على صدره.
بناء كوادر المعارضة البحرانية
٧- ثمة ضرورة يكاد أن يجمع عليها النشطاء والسياسيين ببناء كوادر للمعارضة في الخارج، وذلك باستثمار الوجود الواسع للاجئين البحارنة، هل ترى ذلك ممكنا، وما هي أهم الخطوات للعبور لذلك المشروع؟
– الشيخ الدقاق: لابد من بناء الكوادر وتأهيل الشباب، وتوجد طرق كثيرة لذلك، ومن أهمها إقامة بعثات دراسية في مختلف التخصصات في مختلف دول العالم، فالعلم نور، بالمال والعلم يبني الناس أوطاناً، كما أن الدورات المعرفية القصيرة لها أثرها الكبير في بناء الكوادر، وكذلك المحاضرات والندوات والمؤتمرات وورش العمل التي ترفع الهم الديني والرسالي والوطني والسياسي، فلو وضعنا خطة وجدولة لتخريج كذا إعلامي وحقوقي ودبلوماسي ومحلل سياسي واقتصادي وغيرهم خلال كذا سنة؛ فإن هؤلاء هم الذين سيقودون البلد في المستقبل، لأن إدارة البلد تحتاج إلى كوادر متخصصة وشخصيات مدربة وتكنوقراط قوي، ومن سيهيمن على مفاصل البلد هو الذي يملك أكبر قدر من هذه الكوادر المدربة والمتمرسة، والتي يرجى أن تقود البلاد إلى بر الامان، لا الدمار والخسران، والله المستعان.
العمل المؤسسي طريق النصر
٨- هل تشجع على بناء وتأسيس مؤسسات جدية ومركز موحدة تختص ببناء الكوادر مهنيا وإعلاميا وسياسيا تحت أفق/عنوان بناء البحرين الجديدة؟
– الشيخ الدقاق: قوة البلد بقوة مؤسساته وشخصياته، وكلما توفرت المؤسسات المقتدرة والشخصيات المتفوقة كلما كان البلد أكثر نمواً وأسرع تطوراً؛ لذلك نؤكد على ضرورة تكوين مؤسسات قوية إعلامية وحقوقية وسياسية واقتصادية قوية تحظى بالدعم الدولي وتسجل رسمياً في البلدان وفقاً للقانون الدولي والأمم المتحدة، فالمؤسسة تبقى والشخصيات ترحل، وكلما استطعنا أن نجعل فكر المعارضة في قالب مؤسسة قوية نكون قد خطونا عدة خطوات نحو النصر ووضعنا القاطرة على سكة القطار في الاتجاه الصحيح، والعاقل منْ يحول التهديد إلى فرصة، وتهجير الكثير من أهل البحرين خارجها فرصة كبيرة لتشييد مختلف المؤسسات المعارضة من جهة، وتخريج الشخصيات المقتدرة من جهة أخرى.