كلّما عاد أحدنا من إحدى البلاد المتقدّمة متأففاً ساخطاً، مقارناً بين ما كان فيه وبين ما نحن عليه..
وكلّما نزل أحدنا بفندق أقلّ ممّا اعتاد ارتياده ولو بدرجة واحدة، فتذمّر وتأذّى..
وكلّما استنكر أحدهم شكل زوجته أو وزنها، بعد أن رأى امرأة غيرها..
أتذكّر سيّد الخلق الذي رأى الجنة رأي العين، ثم عاد راضياً الى البادية المقفرة يمشي في شِعابها بلا ضجر ولا شكوى..
والذي رأى الملائكة تطوف بالبيت المعمور، ثم تأذّى بصره بالمشركين وهم يطوفون حول الكعبة، وما كانت صلاتهم عندها إلّا مكاءاً وتصديةً، فلم يكن منه إلّا أن سأل ربّه متوسلاً أن يهديهم..
وبعد أن رأى الحور العين، لم يتعالَ على نسائه بل ترفّق بهنّ وبنساء المسلمين..
وبعد أن صلّى بالأنبياء في السماء، صلّى بعامّة المسلمين في الأرض، وقد اندسّ بينهم المنافقون، فلم يشغله ذلك عن صلاته ولم يزده إلّا خشوعاً وثباتاً..
وبعد أن امتطى البُراق، عاد ليركب ناقته مترفّقاً بها غير متململ من بطئِها ويسمع لأخرى تشتكى من سوء معاملة صاحبها لها فينصفها..
وبعد أن شرّفه ربّ العالمين برحلةٍ ما قام بها بشر من قبله ولا من بعده، لم يكن يستنكف أن يتقدّم صفوف المجاهدين في الغزوات حتّى شجت رأسه الشريف...
ما كلّ هذه العظمة سيّدي..
وما أجمل خلقك وما أشدّ تواضعك!!
فسبحان من اصطفاك..
اللّهمّ لا تُحرمنا شفاعته ولا صحبته، واسقنا من حوضه الشريف شربة ماءٍ لا نظمأ بعدها أبداً.