السيرة الذاتية
ولد عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء، وقيل: يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان1، وقيل: لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة2، وقيل: ولد آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة3 ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن عليه السلام إلا الحمل، والحمل ستة أشهر. وجاءت به فاطمة الزهراء أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمَّاه حسيناًً وعقَّ عنه كبشاًً. وعاش سبعاً وخمسين سنة وخمسة أشهر، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع سنين، ومع أمير المؤمنين سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن عليه السلام سبعاً وأربعين سنة، وكانت مدة خلافته عشر سنين وأشهراً. واستشهد صلوات الله عليه يوم عاشوراء يوم السبت، وقيل: يوم الاثنين4 وقيل: يوم الجمعة سنة إحدى وستين من الهجرة5.
النصوص على إمامته
صرَّح النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إمامته أيضاً بقوله: "ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا". وأيضا فإن وصية الحسن عليه السلام إليه تدل على إمامته، كما دلَّت وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام على إمامته، بحسب ما دلت وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام على إمامته من بعده. ومما جاء من الأخبار في وصية الحسن عليه السلام إليه ما رواه محمّد ابن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن محمّد ابن سليمان الديلمي، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي عليه السلام يقول: (لما احتضر الحسن عليه السلام قال للحسين عليه السلام: يا أخي إني أوصيك بوصية (فاحفظها) إذا أنا مت فهيئني ووجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأحدث به عهداً، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليه السلام ثم ردني فأدفني بالبقيع)6.
وروى محمّد بن يعقوب بإسناده، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لما حضرت الحسن عليه السلام الوفاة قال: يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمّد؟ فقال: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال: امض فادع لي محمّد بن علي7. قال: فأتيته، فلما دخلت عليه قال: هل حدث إلا خير؟ قلت: أجب أبا محمّد. فعجَّل على شسع نعله فلم يسوِّه، فخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلَّم فقال له الحسن عليه السلام: إجلس فليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الأموات ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى، فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض، أما علمت أن الله عز جل جعل ولد إبراهيم أئمة وفضَّل بعضهم على بعض وأتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر (به) محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم.
يا محمّد بن علي، إني أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله تعالى به الكافرين فقال: "كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبيَّن لهم الحق" ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناًً. يا محمّد بن علي، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك؟ قال: بلى. قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبر محمّداً ولدي.
يا محمّد بن علي، لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك. يا محمّد بن علي، أمَا علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي، وعند الله في الكتاب وراثة من النبي أضافها الله له في وراثة أبيه وأمه، علم الله أنكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّداً واختار محمّد علياً واختارني علي للإمامة واخترت أنا الحسين. فقال له محمّد بن علي: أنت إمامي وسيدي...الحسين أعلمنا علماًً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول الله رحماً، كان إماماً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أن أحداًً خيراًً منا ما اصطفى محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما اختار محمّداً اختار محمّد علياً إماماً واختارك علي بعده واخترت الحسين عليه السلام بعدك، سلمنا ورضينا8".
فكانت إمامته عليه السلام ثابتة بعد أخيه الحسن عليه السلام وإن لم يدع إلى نفسه، للهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، وجرى في ذلك مجرى أبيه في ثبوت إمامته بعد النبي عليه وآله الصلاة والسلام مع الكف، ومجرى أخيه عليه السلام في زمان الهدنة، فلما انقضت بهلاك معاوية، واجتمع له أنصار أظهر أمره.
من خصائصه ومناقبه وفضائله عليه السلام
كان عليه السلام يشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صدره إلى رجليه وكان الحسن عليه السلام يشبهه من صدره إلى رأسه. وروى سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط)9. وروى عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال: (اصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حسن خذ حسيناًً، فقالت فاطمة عليه السلام: يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا جبرئيل يقول للحسين: إيهاً10 حسين خذ حسناً)11. وروى الأوزاعي، عن عبد الله بن شداد، عن أم الفضل، أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله رأيت الليلة حلماً منكراً. قال: (وما رأيت?). فقالت: إنه شديد. قال: (وما هو؟). قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خيراًً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك). فولدت الحسين عليه السلام وكان في حجري كما قال صلوات الله عليه وآله. قالت: فدخلت به يوماً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تهرقان بالدموع، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله مالك? قال: (أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، وأتاني بتربة من تربته حمراء)12. وفي مسند الرضا عليه السلام: عن علي بن الحسين عليه السلام قال:(حدّثتني أسماء بنت عميس قالت: لما كان بعد حولٍ من مولد الحسن عليه السلام ولد الحسين عليه السلام فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره وبكى. قالت أسماء: فداك أبي وأمي مم بكاؤك? قال: من ابني هذا. قلت: إنه ولد الساعة! قال: يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا أسماء، لا تخبري فاطمة فإنها حديث عهد بولادته، ثم قال لعلي: أي شيئ سميت ابني هذا؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، فقال رسول الله: ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال: الجبار يقرئك السلام ويقول: سمه باسم ابن هارون. فقال: وما اسم ابن هارون? قال: شبير. قال: لساني عربي. قال: سمه الحسين. فسماه الحسين، ثم عق عنه يوم سابعه بكبشين أملحين، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقاً، وطلى رأسه بالخلوق وقال: الدم فعل الجاهلية، وأعطى القابلة فخذ كبش)13.
وروى الضحَّاك، عن ابن المخارق، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم جالس والحسين عليه السلام في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت: يا رسول الله أراك تبكي جعلت فداك? قال: (جاءني جبرئيل عليه السلام فعزاني بابني الحسين، وأخبرني أن طائفة من أمتي ستقتله، لا أنالهم الله شفاعتي)14.
وروي بإسناد آخر عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلاًً ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت له: يا رسول الله، ما لي أراك شعثاً مغبَّراً? فقال: (أسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق يقال له: كربلاء، فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط منه دماءهم فها هي في يدي) وبسطها فقال: (خذيه واحتفظي به). فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلما خرج الحسين عليه السلام متوجهاًً نحو العراق كنت أُخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر إليها ثم أبكي لمصابه، فلما كان يوم العاشر من المحرم- وهو اليوم الذي قتل فيه - أخرجتها في أول النهار وهي بحالها، ثم عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط، فصحت في بيتي وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه، فحقق ما رأيت 15.
وعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قال لي جبرئيل عليه السلام: إن الله جل جلاله قتل بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وهو قاتل بدم ابنك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً)16. وروى سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: (خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلا ذكر يحيى بن زكريا، وقال يوما: من هوان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسراًئيل)17. وروى يوسف بن عبدة قال: سمعت محمّد بن سيرين يقول: لم تُرَ هذه الحمرة في السماء إلا بعد قتل الحسين عليه السلام 18. وذكر الحافظ الشيخ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة قال: أخبرنا القطان: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا سليمان ابن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي? فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط19. قال: وأخبرنا القطان بإسناده، عن علي بن مسهر قال: حدثتني جدتي قالت:
كنت أيام الحسين عليه السلام جارية شابة فكانت السماء أياماً علُقة 20. قال: وأخبرنا القطان بإسناده، عن جميل بن مرة قال: أصابوا إبلاً في عسكر الحسين عليه السلام يوم قتل فنحروها وطبخوها، قال: فصارت مثل العلقم فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاًً21. وعن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذه قال: (هذا دم الحسين عليه السلام وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم)، فأحصي بذلك الوقت فوجد (قد) قتل ذلك اليوم 22 وعن نضرة الأزدية: لما قتل الحسين بن علي عليه السلام مطرت السماء دماً، فأصبحت وكل شيء لنا ملء دم 23!!وروى محمّد بن مسلم، عن السيدين الباقر والصادق عليه السلام قال: سمعتهما يقولان: (إن الله تعالى عوّض الحسين عليه السلام من قتله: أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أيام زائره جائياً وراجعاً من عمره). قال محمّد بن مسلم: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: هذه الخلال تنال بالحسين فماله هو في نفسه? قال: (إن الله تعالى ألحقه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان معه في درجته ومنزلته) ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ 24-25. ومما روي في السبطين عليه السلام: ما رواه عتبة بن غزوان قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي فجاء الحسن والحسين عليه السلام يركبان ظهره، فلما انصرف وضعهما في حجره وجعل يقبِّل هذا مرة وهذا مرة، فقال قوم: أتحبهما يا رسول الله? فقال: (ما لي لا أحب ريحانتي من الدنيا)26. وروى سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: (الحسن والحسين ابني من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه)27. وروى ابن لهيعة عن أبي عوانة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن الحسن والحسين شنفا28 العرش، وأن الجنة قالت: يا رب أسكنتني الضعفاء والمساكين، فقال لها الله تعالى: (ألا ترضين أني زينت أركانك بالحسن والحسين، قال: فماست كما تميس29 العروس فرحاًً)30. وروى عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليه السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾31 نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"32. وأما ما جاء من الرواية في ثواب زيارته، وفضل تربته، وكيفية أخذها، وغير ذلك مما يتعلق بجلال رتبته، وعلو منزلته عند الله فكثيرة.
* تاريخ النهضة الحسينية. نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية. الطبعة الثانية. ص: 85-127.