ولمّا فرغ القوم من النهب والسلب، أمر عمر بن سعد بحرق الخيام ، فأضرموا الخيم ناراً، ففررنَ بنات رسول الله من خيمة إلى خيمة، ومن خباء إلى خباء . وذكر في بعض كتب المقاتل: أنّ زينب الكبرى عليها السّلام أقبلت إلى الإمام زين العابدين (عليه السّلام) وقالت: يا بقيّة الماضين، وثمال الباقين، قد أضرموا النار في مضاربنا، فما رأيك فينا؟ ففررنَ بنات رسول الله صائحات باكيات . قال بعض من شهد ذلك: رأيت امرأة جليلة واقفة بباب الخيمة، والنار تشتعل من جوانبها، وهي تارةً تنظر يمنة ويسرة، وتارةً اُخرى تنظر إلى السماء وتصفق بيديها، وتارةً تدخل في تلك الخيمة وتخرج . فأسرعت إليها وقلت: يا هذي، ما وقوفك هاهنا والنار تشتعل من جوانبك؟! وهؤلاء النسوة قد فررنَ وتفرّقنَ، ولِمَ لم تلحقي بهنَّ؟! وما شأنك؟! فبكت وقالت: يا شيخ إنّ لنا عليلاً في الخيمة، وهو لا يتمكّن من الجلوس والنهوض، فكيف أفارقه وقد أحاطت النار به؟
وعن حميد بن مسلم قال: رأيت زينب حين إحراق الخيام قد دخلت في وسط النار، وخرجت وهي تسحب إنساناً من وسط لهيب النار، فظننت أنّها تسحب ميّتاً قد احترق، فاقتربت لأنظر إليه فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين.
أيّها القارئ الكريم، انظر إلى هذه العمليّة الفدائيّة، وهذه التضحية بالحياة ! كيف تقتحم هذه السيّدة الجليلة المكان المشحون بلهيب النار ، لتنقذ ابن أخيها، وإن شئت فقل: إمام زمانها، من بين أنياب الموت؟! فهل تعرف نظيراً لهذه السيّدة فيما قامت به من الخطوات والأعمال؟!
إنّها مغامرة بالحياة من أجل الدين .
إنّها ابنة ذلك البطل العظيم، الذي كان يخوض غمار الموت بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله ، للدفاع عن الإسلام، والمحافظة على حياة نبيّ الإسلام .
إنّها ابنة أسد الله الغالب، الإمام علي بن أبي طالب عليهما السّلام .