عن مسلم الجصّاص ، قال : دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة ، فبينما أنا اُجصّص الأبواب وإذا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت على خادم كان يعمل معنا ، فقلتُ : ما لي أرى الكوفة تضجّ؟
قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد بن معاوية .
فقلت : مَنْ هذا الخارجي ؟
قال : الحسين بن علي .
فتركت الخادم حتّى خرج ، ولطمت على وجهي حتّى خشيت على عينيَّ أن تذهبا ، وغسلت يدي من الجصّ ، وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس، فبينا أنا واقف والناس يتوقّعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقّة ، تحمل على أربعين جملاً، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة .
وإذا بعلي بن الحسين على بعير بغير وطاء ، وأوداجه تشخب دماً ، وهو مع ذلك يبكي ، ويقول :
يا اُمّةَ السوءِ لا سقياً لربعكُم يـا اُمّـةً لم تراعِ جدّنا فينا
إلى آخر الأبيات .
وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم اُمّ كلثوم : يا أهل الكوفة ، إنّ الصدقة علينا حرام .
وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض .
كلّ ذلك والناس يبكون على ما أصابهم .
ثمّ إنّ اُمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت : صه يا أهل الكوفة ! تقتلُنا رجالُكم وتبكينا نساؤكم ؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء .
فبينما هي تخاطبهنَّ وإذا بضجّة قد ارتفعت ، وإذا هم قد أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السّلام وهو رأس زهري قمري ، أشبه الخلق برسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولحيته كسواد السبج، قد انتصل منها الخضاب ، ووجهه دارة قمر طالع ، والريح تلعب بها يميناً وشمالاً ، فالتفتت زينب ، فرأت رأس أخيها ، فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها .
وجاء في التاريخ أنّ قافلة آل الرسول لمّا اقتربت من الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهنَّ ، فأشرفت امرأة من الكوفيّات من سطح دارها ، وقالت : من أيّ الأُسارى أنتنَّ ؟
قلنَ : نحن اُسارى آل محمّد .
فنزلت من سطحها وجمعت ملاءً وأزراً ومقانع فأعطتهنَّ فتغطينَ.