روي عن الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام أنّه قال: لمّا أرادوا الوفود بنا على يزيد بن معاوية أتونا بحبال وربطونا مثل الأغنام، وكان الحبل بعنقي وعنق اُمّ كلثوم، وبكتف زينب وسكينة والبُنيّات، وساقونا ، وكلّما قصرنا عن المشي ضربونا حتّى أوقفونا بين يدي يزيد، فتقدّمت إليه وهو على سرير مملكته، وقلت له: ما ظنّك برسول الله لو يرانا على هذه الصفة؟!
فأمر بالحبال فقُطّعت من أعناقنا وأكتافنا.
وروي أيضاً أنّ الحريم لمّا أُدخلنَ إلى يزيد بن معاوية، كان ينظر إليهنَّ ويسأل عن كلّ واحدة بعينها وهنَّ مربّطات بحبل طويل، وكانت بينهنَّ امرأة تستر وجهها بزندها ، لأنّها لم تكن عندها ما تستر به وجهها، فقال يزيد: مَنْ هذه ؟
قالوا: سكينة بنت الحسين.
فقال: أنتِ سكينة ؟
فبكت واختنقت بعبرتها حتّى كادت تطلع روحها.
فقال لها: وما يبكيكِ ؟
قالت: كيف لا تبكي مَنْ ليس لها ستر تستر وجهها ورأسها عنك وعن جلسائك ؟!
ماذا حدث في مجلس يزيد ؟
وروى الشيخ المفيد في كتاب ( الإرشاد ): قالت فاطمة بنت الحسين عليه السّلام: فلمّا جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية وهو يعنيني ـ وكنتُ جارية وضيئةـ فأُرعدت، وظننت أن ذلك جائز لهم، فأخذتُ بثياب عمّتي زينب، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون، وقلت: يا عمّتاه، اُوتمت وأُستَخْدم ؟!
فقالت زينب: لا ولا كرامة لهذا الفاسق. وقالت للشامي: كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له.
فغضب يزيد، وقال: كذبت والله، إنّ ذلك لي ، ولو شئت أن أفعل لفعلت.
قالت زينب: كلاّ والله ما جعل الله ذلك لك، إلاّ أن تخرج عن ملّتنا وتدين بغير ديننا.
فاستطار يزيد غضباً، وقال: إياي تستقبلين بهذا ؟! إنّما خرج من الدين أبوكِ وأخوكِ.
فقالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مسلم.
قال: كذبتِ يا عدوة الله !
قالت له: أنت أمير تشتم ظالماً، وتقهر بسلطانك.
فكأنّه استحيا وسكت.
فعاد الشامي، فقال: هب لي هذه الجارية.
فقال يزيد: اعزُب، وهب الله لك حتفاً قاضياً !
فقال الشامي: مَنْ هذه الجارية ؟
قال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب.
فقال الشامي: الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب ؟!
قال: نعم.
فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد ! أتقتل عترة نبيّك وتسبي ذرّيّته ؟! والله، ما توهّمت إلاّ أنّهم سبي الروم.
فقال يزيد: والله، لألحقنّك بهم.
ثمّ أمر به فضُرب عُنقه.
رأس الإمام الحسين عليه السّلام في مجلس الطاغية يزيد
وجاء في التاريخ: ثمّ وُضع رأس الحسين عليه السّلام بين يدي يزيد، وأمر بالنساء أن يجلس خلفه، لئلا ينظرنَ إلى الرأس، لكن زينب لمّا رأت الرأس الشريف هاج بها الحزن، فأهوت إلى جيبها فشقّته، ثمّ نادت بصوت حزين يقرح القلوب: يا حسيناه ! يا حبيب رسول الله ! يابن مكّة ومنى ! يابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء ! يابن المصطفى! قال الراوي: فأبكت والله كلّ مَنْ كان حاضراً في المجلس، ويزيد ساكت.
ثمّ دعا يزيد بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الإمام الحسين عليه السّلام، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال: ويحك يا يزيد ! أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة ؟! أشهد لقد رأيت النبيّ يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنة، قتل الله قاتليكما، ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً. فغضب يزيد وأمر بإخراجه، فأُخرج سحباً. وجعل يزيد يقول:
لـيتَ أشـياخي ببدرٍ شهدو جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسلْ
لأهّـلـوا واسـتهلوا فـرح ثـمّ قـالوا يـا يزيدْ لا تُشلْ
قـد قتلنا القومَ من ساداتِهم وعـدلـناه بـبـدرٍ فـاعتدلْ
لـعبتْ هـاشمُ بـالملكِ فـل خـبرٌ جـاءَ ولا وحيٌ نزلْ
لستُ من خندفَ إن لم أنتقمْ من بني أحمدَ ما كانَ فعل