سؤالٌ واقعيٌّ وضعهُ السفيرُ السوريّ في لبنان علي عبد الكريم في مُتناولِ المُهتمّينَ بالمشاركةِ في إعادةِ إعمارِ سوريا، الذي نابَ عن حكومتِهِ في تحديدِ شروط قبولِ المشاركين وتحدّيدِ البوصلة والقاعدة ورسم الطريق والمسار التنفيذيّ، لا بل الرحلة التي يجبُ عليهِم سلوك دربِهَا كي يصلوا إلى المُبتَغى! لا عجبَ في ذلك إذا ما قلنا إنّ الرجلَ يتكلمُ من موقعِ المُنتصرِ الذي في استطاعتِهِ فرض الشّروط!.
وبما أنّ الغالبيّةَ، ونعني من فوقِ الطاولة وتحتها، اقتنعت في أنّ الحربَ باتت “مسألةَ أشهرٍ”، وبدأت تبحثُ عن الدّروبِ الأقربِ للذهابِ إلى سوريا مع انفتاحِ شهيّة “مشاريع إعادة الإعمار”، إلّا أنّ دمشقَ لديها “قائمة مواصفاتٍ” تُفرِزُ من خِلالِها المُهتمّينَ وِفق مبدأِ جوازِ القِسمة على الأرقام ومُعاينة مَنْ مِن بينها يقبلُ الاختزال ثمّ تلزّمه!
حقيقةً إنّ أمرَ إعادةُ الإعمارِ التنفيذيّ موجودٌ في دمشق لكنّ الشّقّ الإجرائيّ مِنه فهو من حصّةِ الدول التي دعمت الدولة السوريّة لكي تتبوأ المنصبَ الحاليّ، لذلك هي شريكٌ أساس لن يتجاوزَ النظام والأخيرُ لن يفعلَ أيضاً.
وِفقَ هذه المُعادلة لا يبدو أنّ هناك لغيرِ هذهِ الدائرة وجود، لِذا تبني دمشق في تصنيفها على قواعدَ عدّة أساسها كيف كان شكل العلاقة معها خلالَ الأزمةِ وما قبلها لا بعدها! وفي الـ”لا” إيضاحٌ لـ”السيرةِ الذاتيّة” المطلوبة لتوظيفِ العملاء! أمّا وإذا وضعنا المُقترحَة أسماءَهم لبنانيّاً على طاولةِ التشريح، لوجدنا أنّ جلّهم لن يَحظى ببركةِ “الإعمار” حتّى ولو “نَبتتَ في رأسهِ ريشة”، كما يقولُ أحد زوّار دمشق الدّائمينَ الذي سمع فيها كلاماً واضحاً لا يقبل القسمةَ على اثنين!.
ليس غريباً أنْ يَسنّ الرئيس سعد الحريري أسنانهُ أملاً في نيلِ قِطعةٍ من قالبِ جُبنة الإعمار. الرجلُ يريدُ ذلكَ بشدّةٍ كونهُ غارقٌ في الديونِ ويُريدُ حَبلاً لينتشلهُ من أسفلِ الحُفرة. الحريري يُدركُ صعوبةَ إصلاحِ أمورهِ مع النظامِ دون رعايةٍ إقليميّة، وهو يعلمُ جيّداً أنّ تحسين الشروط مع هذا النظام، أقلّه عند حلفائِهِ الإقليميّين، ليس وارداً الآن إلى أن يتبلور شكل الصفقة – الحلّ.
إذاً على رئيسِ وزراء لبنان أن ينزعَ عنهُ الثوب الذي لَبِسَهُ سابقاً ثمّ يستمهل، وفي الاستمهالِ إفادةً كي يعدّ النفس ويُجهزّها فعسى أن ينجحَ في الوصولِ إلى مُبتغاه. لكن حسابات الحقل تختلفُ عن حساباتِ البيدر، فـ”دمشق” (وفق الزائر) ليست مزهوّةً إلى هذه الدرجة كي تقبلَ بـ”الحريري مُعمّراً بعد أن كان لها مُخرِّباً” وغير مستعدةٍ لتُعيدَ كرّة فتحِ الباب لهُ وبعد أن أزهقَ فرصةً كبيرة! والتقديرُ الذي يحملهُ الزائر أنّ الحريري “ممنوع في دمشق وبحقّهِ مُذكّرة توقيف!” لِذَا عليه أن يبحثَ عن دُروبٍ أُخرى لعلّها أفضلها “الشركات ذات الهويّاتِ المجهولة”.
تعلمُ دمشق جيّداً بتفاصيلِ المهتمّينَ بشؤونِ إعادةِ الإعمار، أنّ هناكَ من بدأَ يرسمُ في عواصم أوروبيّة إنشاء “شركاتٍ” بأسماءٍ جديدةٍ كي يستثمرها لاحقاً في سوريا، من بينِ هؤلاء شخصيّات خليجيّة وأُخرى محسوبة على فريقِ الرابع عشر من آذار. من بينِ هذه الشركات واحدةً ذات هويّة “مقاولاتٍ إنشائيّة” تعودُ مُلكيّتها لنجلِ مرجعيّةٍ دينيّةٍ سنّيّةٍ محسوبةٍ على الحريري سابقاً.
ووفق معلومات “ليبانون ديبايت”، فإنّ القائم على هذهِ الشّركة فتح قناة تواصلٍ مع جهةٍ سوريّة رسميّة بتزكيةٍ من أُخرى اقتصاديّة، وقِوامُ العلاقة ابتعادَهُ منذ فترةٍ طويلةٍ عن جوّ الرئيس سعد الحريري نتيجة خلافاتِ والده معه.
وليس سِرّاً أنّ وفودَ المستثمرينَ المحسوبينَ أو المُمثّلينَ لجهاتٍ سياسيّةٍ نافذةٍ تُصنّفُ بإطارِ “المُناهِضةِ للنظامِ السوريّ” بدأت تحجُّ إلى دولٍ أوروبيّةٍ وأُخرى لديها علاقات مع دمشق عاملةً على إقناعِهِم بمقايضة توظيف شبكات علاقاتِهِم الدّوليّة بالدخولِ كـ “شركاء” لتلك الشركات أو تأمين توأمةٍ بينها وبين شركاتٍ صينيّةٍ وروسيّةٍ بدأت تُعدُّ الخُطط للعمل.
لكنّ العبور إلى هذا الطريق ليس بسهولةِ إنشاءِ “الشركات”، إذ عُهِدَ (كما ينقل الزائر) إلى روسيا وإيران أن يبحثوا في الحمضِ النوويّ لتلك الشركات وهويّتها وهويّة أصحابِهَا وتوجّهاتِها السياسيّة ومدى تلاؤمها مع سياسيةِ دمشق لكي تنالَ “جواز العبور”، وهذا قد يصلحُ لأن يحصل مرور من ثغراتٍ ما أو أقلّهُ “تمرير” من ثغراتٍ ما تصلحُ لتكون مقدّمة في تحسينِ علاقاتِ بعض الدولِ مع دمشق، والتي لا بدَّ أن تقترنَ بتنازلات!.
عبدالله قمح / ليبانون ديبايت