لم يُطوَ ملف لقاء نيويورك بين وزيري الخارجية اللبناني والسوري جبران باسيل ووليد المعلم، وسط معلومات عن أن المقرّبين من الرئيس سعد الحريري يضغطون عليه ليتخذ موقفاً، وسط تعبيرهم عن «مخاوف» من أن يكون ما حصل «مقدمة لإخراج الحريري واشتعال الجبهة الداخلية وعودة موجة الاغتيالات»
من السذاجة الحديث عن احتمال طيّ لقاء وزير الخارجية جبران باسيل مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك، بحجة الحفاظ على الاستقرار الداخلي. فما قام به وزير الداخلية نهاد المشنوق، من امتناعه عن السفر مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى باريس وكيفية وصفه لقاء نيويورك، ليس سوى غيض من فيض ممّا يدور من أحاديث في أوساط شركاء التيار الوطني الحر في الحكومة، وتحديداً أوساط رئيس الحكومة سعد الحريري والقوات اللبنانية.
تقول المعلومات إن الحريري لا يمكن أن يقبل، في شكل قاطع، أيّ مبررات لهذا اللقاء، وإن المقرّبين منه يحثّونه على اتخاذ مواقف رافضة علناً لتصرفات وزير الخارجية، وعدم الاكتفاء بتجاهله وعدم التواصل معه، محذرين إياه من أن استسهال التعاطي مع باسيل وصرف النظر عن لقاء مع «وزير خارجية النظام السوري» سيفتح الباب أمام خطوات أخرى تجاه الرئيس السوري بشار الاسد، لا يمكن أن يتحمّلها الحريري وتيار المستقبل داخلياً (على أبواب الانتخابات)، وإقليمياً ودولياً، علماً بأن الحريري يحاول في الآونة الاخيرة، قبل زيارة موسكو وبعدها، إمساك ورقة العلاقات الدولية والظهور بمظهر صاحب القرار أيضاً في رسم سياسة لبنان الخارجية. وبحسب المعلومات أيضاً، فإن المقرّبين من الحريري يضغطون عليه، مستخدمين عبارات نافرة، من زاوية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأن ما يقوم به باسيل يمسّ في صورة مباشرة ملف الاغتيال.
وترى أوساط الحريري والقوات أن الحملة المضادة التي يقوم بها وزراء تكتل التغيير والإصلاح ونواب التيار الوطني الحر لتبرير خطوة باسيل ووضعها في إطار ضيّق يتعلق بملف النازحين فقط أو من زاوية التسليم بالأمر الواقع لمعالجة ملفات معينة، لا يمكن الاقتناع بها، لأن ملف النازحين يعني الحكومة ككل، ورئيس الحكومة سبق أن شارك في مؤتمرات دولية حول هذا الملف الشائك، كما أن الملفات العالقة ليست بنت ساعتها، والحكومة مجتمعة هي التي تعالجها لا أحد الأفرقاء، مهما بلغ حجم تمثيله. وكذلك فإن أوساط الحريري رأت في اللقاء ردّ فعل على مستوى دولي للمقاطعة الدولية والاميركية لرئيس الجمهورية ووزير الخارجية والجوّ السلبي الذي قوبلا به، بخلاف كل حملات الترويج في لبنان لما حصل في نيويورك. «وهذا لا يمكن أن يمرّ ديبلوماسياً على المستوى الدولي من دون عواقب، ما يترك أثراً سيّئاً على لبنان، الذي لن يحظى بأي مردود إيجابي لهذا اللقاء». وتوقعت هذه الاوساط في المقابل أن يستمر عون في انتهاج ردّ الفعل هذا، فيعمد الى زيارة إيران قريباً، بناءً على دعوة رسمية تلقّاها أخيراً، ورفع مستوى خطابه ولهجته بما يصبّ في خانة «المحور الايراني ــــ السوري»، علماً بأن عون تعمّد في تصريحاته ومقابلاته في الصحف والمجلات الفرنسية، قبل زيارته باريس، أن يكون واضحاً في اعتماد خطّ غير وسطي ومنحاز الى الدور الايراني وسلاح حزب الله وسوريا.
تبعاً لذلك، هل يمكن أن يطوى لقاء نيويورك على زغل ولا يترك تأثيرات على الوضع الحكومي؟
تقول المعلومات إن اللقاء الذي جمع الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية الأسبوع الفائت، وقبل لقاء باسيل والمعلم، تناول ملف العلاقات اللبنانية ــــ السورية واحتمال تطوره في اتجاه فرض أمر واقع بـ«المفرق» على الطرفين، تارة عسكرياً من خلال ما حصل من تسوية سمحت بخروج مسلحي تنظيم «داعش»، وتارة من خلال بدء وزراء قوى 8 آذار تنظيم زيارات علنية لدمشق، واضعين الحريري والقوات في مواجهة كانت لا تزال قبل لقاء باسيل ونظيره السوري مضبوطة الإيقاع، لا سيما مع تمييز التيار الوطني الحر نفسه عن زيارات دمشق العلنية، في حين ان زيارات الوزير بيار رفول السرية كانت معروفة من الطرفين.
لقاء بيت الوسط كان واضحاً في التنسيق، للمرة الاولى بهذا الوضوح، بين الحريري وجعجع لمواجهة احتمال رفع فريق 8 آذار مستوى الحوار مع سوريا في هذا الشكل. لكن المفاجئ الذي طرأ هو موقفا عون وباسيل وتصريحات رئيس الجمهورية، ما استدعى أولاً صدور موقف حاد من المشنوق عقب زيارته أمس مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وثانياً زيارة وزير الإعلام ملحم الرياشي لوزارة الداخلية، وقبلها تصريح له يصبّ في خانة التعبير عن رفض قاطع لأيّ تنسيق مع النظام السوري. وفي حين بدت لافتة زيارة النائب أحمد فتفت المبتعد عن الإعلام للمشنوق، لتعكس جواً معارضاً لما يجري، فإن مصادر المستقبل والقوات تحدثت عن خطوط حمر بدأ يتم تجاوزها في ما يتعلق بسوريا.
من هنا رسمت أوساط الطرفين علامة استفهام حول مصير الحكومة في ظل المنحى الجديد الذي يتخذه رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، وفي انتظار عودتهما الى بيروت وإجراء مكاشفة واضحة تحدد مصير العهد والحكومة معاً، في ضوء عنوان عريض: التسوية مع حزب الله المعروف موقفه من النظام السوري والعلاقة معه قضت باستقرار داخلي، لكن التسوية مع عون كانت واضحة في ما يتعلق بهذا الجزء من الملفات الدقيقة. والحريري الذي كان منتقدوه يرون أنه يتصرف كما والده، بمقايضة العودة الى الواجهة المالية والاقتصادية، من خلال الكهرباء والنفط وغيرهما من الملفات الدسمة، بالتغاضي عن سلاح حزب الله ودوره في سوريا، كما فعل حين غطّى تسوية خروج مسلحي «داعش»، لا يمكن أن يقفز بسهولة فوق تحول جذري في موقف عون وباسيل. أما القوات، فهي وإن كانت حريصة على علاقتها برئيس الجمهورية، إلا أن العلاقة مع سوريا تبقى بالنسبة اليها أحد المحظورات الاساسية. وإذا كان الطرفان حريصين على بقاء الحكومة، إلا أن ما جرى في الايام الاخيرة دفعهما الى طرح أسئلة محددة: كيف يتصرف الطرفان في حال قرّر عون زيارة إيران والتعبير علانية عن انحيازه إليها؟ هل هناك قرار بإحراج الحريري لإخراجه؟ وهل هناك نية من خلال التمادي بخطوات تصعيدية، يعرف القائمون بها أنها لن تمر من دون أثر سلبي، الى دفع الطرفين الى تعليق مشاركتهما في الحكومة خدمة لفوضى ما؟ حتى إن البعض من الطرفين يسأل عمّا إذا كان ملف السلسلة وكل متفرعاتها فخاً منصوباً للحريري؟ أما السؤال الأكثر تداولاً من قبل الطرفين، فيعبّر عمّا تصفه أوساطهما بـ«المخاوف الحقيقية التي راجت في الايام الاخيرة، من وجود نية لخربطة الوضع وزعزعة الاستقرار من خلال التهويل بملف سوريا، فتعود الاغتيالات ومعها شبح الحرب الداخلية الى لبنان»؟
هيام القصيفي/ الاخبار