واستهل المؤتمر أولى جلساته بورقة عمل لإمام جامع المركز الإسلامي بسانتانا دو ليفرامينتو الدكتور حماد غازي، استعرض فيها مفهوم الهوية الإسلامية، مبينًا أن الهوية هي المفهوم الذي يكوّنه الفرد عن فكره وسلوكه اللذان يصدران عنه من حيث مرجعهما الاعتقادي والاجتماعي، وبهذه الهوية يتميّز الفرد ويكون له طابعه الخاص، مشيرًا إلى أن الهوية بعبارة أخرى هي تعريف الإنسان نفسه فكرًا وثقافة وأسلوب حياة.
كما أوضح أن الالتزام بالهوية الإسلامية يستلزم الإيمان بعقيدة هذه الأمة، والاعتزاز بالانتماء إليها، واحترام قيمها الحضارية والثقافية، وإبراز الشعائر الإسلامية والاعتزاز والتمسك بها، والشعور بالتميّز والاستقلالية الفردية والجماعية، والقيام بحق الرسالة وواجب البلاغ والشهادة على الناس.
ولفت الدكتور غازي الانتباه، إلى أنه كما للفرد هوية، فكذلك للمجتمع والأمة هوية مستقلة تتميّز بها عن غيرها، وإلا تشابهت الأمم، مبينًا أنه كلما توافقت هوية الفرد مع هوية المجتمع، كلما تعمّق إحساسه بالانتماء لهذا المجتمع واعتزازه به.
وقدّم الاستاذ بقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بالرياض الدكتور محمد بن سريّع السريّع بدوره، ورقة عملٍ بعنوان" هوية الأمة – أهميتها ومقوماتها – في ضوء القرآن الكريم ".
وأوضح الدكتور السريّع، أن اختياره لعنوان ورقة عمله ينطلق من أهمية التعرف على مقومات الهوية وسبل الحفاظ عليها، إضافةً إلى أن القرآن الكريم هو الصراط المستقيم والجادة الموصلة في التعرف على هوية الأمة ومقوماتها، ولكثرة المحاولات لوضع أسس لهوية المجتمعات المسلمة، يتعارض بعضها مع مسلمات الوحي أو يغفل جوانب مهمة منها، كما أن تعرّف الأمة على مقومات هويتها، وحفاظها عليها هو الخطوة الأولى نحو الرفعة والتمكين في الأرض .
وأكد أن العناية بالهوية والتأكد من وضوح مقوماتها في عقول الجيل ووجدانهم، هي نقطة الارتكاز لعملية النهوض الحضاري، والأرضية الصلبة التي يستند إليها الجيل عند النهوض بأعباء التقدم، منوهًا بأن أهمية الهوية تزداد مع ما تواجهه الأمة من رياح العولمة العاتية التي تهب على العالم، فارضةً ثقافة القوة، متجاوزةً الحدود، ومتسللةً إلى داخل البيوت دون استئذان عبر وسائل الإعلام وسبل الاتصال وأقنية الاقتصاد.
كما لفت الدكتور السريّع الانتباه إلى أن القرآن الكريم عنى بهوية الأمة والتأكيد عليها بصور مختلفة، حيث استفاضت الآيات في التأكيد على شخصية الأمة المستقلة وسماتها المميزة لها عن غيرها، وكينونتها الفريدة، وحرص القرآن الكريم على بيان هذه الحقيقة بياناً شافيًا بأساليب وطرائق عدة.
وحول مقومات الهوية في القرآن الكريم، أوضح أن الهوية دائمًا جماع ثلاثة عناصر، هي العقيدة التي توفر رؤيةً للوجود، واللسان الذي يجري التعبير به، والتراث الثقافي طويل المدى، وتتداخل مع هذه العناصر عوامل أخرى تدخل فيها ضمنًا أو ترتبط بها كالثقافة والبيئة والبعد الجغرافي والمنجزات الحضارية .
عقب ذلك، قدّم مدير المركز الثقافي العربي اللاتيني محمد بن محمد منصور، ورقة عمل بعنوان "مفهوم الهوية الإسلامية وأهميتها – الأكوادور أنموذجًا"، أكد فيها حرص الإسلام على إرساء وتثبيت الأسرة والمحافظة عليها مما يؤذيها، والمحافظة على تماسكها مع إعطاء كل فردٍ من أفراد الأسرة دورًا مهما في حياته، فالإسلام أكرم المرأة أمًا وبنتاً وأختًا وزوجةً، كما جعل الإسلام على الأب والأم مسؤولية عظيمة في تربية أبنائهم، كما حرص على غرس مبدأ التقدير والاحترام للآباء والأمهات والقيام برعايتهم وطاعة أمرهم.
وأوضح منصور، أن الأسرة المسلمة تقوم على مبادئ معينة، منها المودة والرحمة ومبدأ العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف، مشيرًا إلى أنه لتؤدي الأسرة المسلمة وظيفتها التربوية ينبغي أن تتوفر فيها بعض من الشروط التي مها صلاح مؤسسيها (الزوج والزوجة)، واعتمادها في تربية الأطفال على التربية الإسلامية، وتوجيه المجتمع – مجموع الأسر – إلى اعتماد الإسلام عقيدة ومنهج حياة، وتعاون الأسرة مع المؤسسات الأخرى كالمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام في تربية النشء.
وبدوره، قدّم إمام وخطيب المركز العرب الإسلامي بالباراغواي الشيخ فادي بن أحمد الجعفراوي، بحثًا بعنوان "نماذج من تجارب الأسر المسلمة الناجحة في المحافظة على الهوية الإسلامية – البراغواي أنموذجًا"، استعرض فيه بعض النماذج الناجحة التي جسدتها الأسر المسلمة في محافطتها على هويتها الإسلامية، مؤكدًا أن إحياء الهوية الإسلامية يعدّ الخطوة الأولى في الطريق الصحيح لإحياء الأمة الإسلامية لأنها تشكل محور الاستقطاب القوي الذي يجمع أفرادها حول مرتكزات عقائدية من الاجتماع على الإسلام، ويتيح للأفراد تكوين أمة متماسكة، وإذا تماسكت الأمة، ملئ الفراغ الاجتماعي فيها، واختفت منها ظواهر الاغتراب وفقدان الانتماء، فكانت الوثبة القوية، والانطلاقة الحضارية التي تحطم الأغلال التي وضعها الأعداء على الأمة.
وفي ختام الجلسة الأولى من جلسات المؤتمر، قدمت الاستاذة بجامعة الملك محمد الخامس في الرباط الدكتورة مليكة الكتاني، بحثًا بعنوان "الهوية الإسلامية وكيفية ترسيخها من خلال نماذج وأمثلة تاريخية وثقافية من البرازيل وأمريكا اللاتينية"، تناولت فيه موضوع الهوية التي تعد جزءاً من الكليات الخمسة التي اتفقت على حمايتها ورعايتها الإنسانية، وهي الحياة، والمال، والدين، والنسب، والجسد، فالهوّية باعتبارها منظومة مكونةً من الدين والتاريخ والأُمة، فإنه ما من شك أن لها دورٌ محوريٌ في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية.
وأكدت الدكتورة الكتاني، أن الاندماج في أي مجتمع، والتعاملَ معه، والتأثيرَ فيه، يجب أن يمُر من مفهوم الهوية بذلك الاعتبار، وكلما استطعنا تقليل الفوارق القيَمية بيننا وبين أي مجتمع، وذلك عن طريق إيجاد نقاط التواصل، والبحث عن المشترك بيننا وبينه، إلا ويصبح الاندماج والتكامل والتأثير فيه أقوى وأسهل، مشيرةً إلى أنه من هذا المنطلق، يجب ترسيخ هويتنا الإسلامية في أبنائنا وفي الأجيال القادمة، دون أن ننسى أن معرفة الآخر هي أيضاً عنصر مهم في هذه المعادلة، بحيث عندما نعرف الآخر ونطلع على موروثه الثقافي، وعلى لغته وهويته وثقافته، وأدبه، يسهل علينا إدماجُه في ثقافتنا ولغتنا وهويتنا، ومن خلال ذلك، يصبح من السهل دعوته إلى ديننا دين الفطرة، حيث سيُقبل عليه بكل قناعة، وذلك نتيجة للاندماج المتبادل الذي حصل بين الطرفين، بحيث ندمجه في ثقافتنا من خلال ثقافته.
وعقب ذلك بدأت الجلسة الثانية التي تناولت محور"أثر الأسرة المسلمة في المحافظة على الهوية الإسلامية"، وشارك فيها عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالرحمن بن إبراهيم الجريوي، بورقة عمل بعنوان "وسائل الأسرة المسلمة في المحافظة على الهوية الإسلامية"، تضمنت عناصر عدةً تشمل مفهوم الهوية الإسلامية ومقوماتها، ومكانة الأسرة في الإسلام، ومتطلبات الأسرة المسلمة للمحافظة على الهوية، ووسائل الأسرة في المحافظة على الهوية الإسلامية.
وفي ما يختص بالهوية الإسلامية، أوضح الدكتور الجريوي أنه يمكن تعريف الهوية الإسلامية بأنها السمات والخصائص والسلوكيات المميزة للأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم، ومن مقوماتها العقيدة الإسلامية، واللغة العربية – لغة القرآن الكريم – التي حثّ الإسلام على تعلمها وتعليمها، والتاريخ المشترك الذي أسهم في صناعته أبناء الإسلام من العرب وغيرهم، والتراث الذي هو الناتج الحضاري الذي ينحدر من خصائص الأمم المتفاعلة مع البيئة التي نشأت فيها، بكل ما تحتويه من تجارب وأحداث صبغتها بصبغة خاصة، وأسبغت عليها ملامحها الثقافية ومميزاتها الحضارية التي تميزها عن الأمم الأخرى، إضافةً إلى الوحدة الثقافية المشتركة بين أبناء الأمة الإسلامية.
وحول مكانة الأسرة في الإسلام، أبان الدكتور الجريوي في ورقته، أن أهمية الأسرة ومكانتها العظيمة في الإسلام تنبع من كونها تلبي حاجة الإنسان الفطرية والضرورة البشرية وتتجاوب مع طبيعة الحياة الإنسانية وما أودعه الله فيها من السنن، كما أنها تحقق العديد من المعاني الاجتماعية الجليلة التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الأسرة، مثل حفظ الانساب والمحافظة على المجتمع سليمًا من الآفات السلوكية والأمراض النفسية والجنسية، وتحقيق معاني التكافل الاجتماعي، وكذلك لضرورة دور الأسرة البارز في غرس الفضائل الخُلقية والخِلال الحميدة في الفرد والمجتمع، وأثرها الكبير في تحقيق جوانب التربية الشمولية للنشء بنواحيها المختلفة، الروحية والفكرية والجسدية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية.
كما أشار إلى أن متطلبات الأسرة في المحافظة على الهوية الإسلامية تتمثّل في وجود البيئة التوافقية الصالحة، واستشعار الوالدين للمسؤولية، ومعرفة المناهج والأساليب التربوية الإسلامية، في حين تتعدد وسائل الأسرة في المحافظة على الهوية الإسلامية لتشمل البناء الإيماني، والبناء الأخلاقي، والبناء الفكري، والبناء الاجتماعي.
وبدوره قدّم إمام وخطيب مسجد الرحمة في سانتو أمارو سان باولو الشيخ محمد البقاعي، ورقة عمل بعنوان "وسائل الأسرة المسلمة في الحفاظ على الهوية الإسلامية"، قسّم فيها هذه الوسائل إلى ثلاثة أقسام منها ما هو مسؤولية الحكومات ومنها ما هو مسؤولية المراكز والمؤسسات ومنها ما هو مسؤولية الأفراد، حيث يتمثّل دور الحكومات في الدعم الذي يمكن أن تقدمه الدول الإسلامية للمسلمين، ويتمثّل دور المساجد والمؤسسات والمراكز الإسلامية في نشر الوعي وإيصال المعرفة إلى أفراد المجتمع عن طريق إقامة المحاضرات والندوات والدروس والتواصل مع أفراد الجاليات، والاهتمام بإنشاء مدارس للأطفال إلى جانب مسؤولية القائمين على المساجد والمراكز والدعاة من خلال الخطاب الديني.
وأما عن دور الأفراد في الحفاظ على الهوية الإسلامية، أشار الشيخ البقاعي إلى أن هذا الدور يتمثّل الحفاظ على تطبيق شعائر الإسلام في البيت، واتباع هدي الإسلام وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في اختيار الزوج أو الزوجة التي حثّ فيها على تقديم جانب الدين والأخلاق على أي شيء آخر.
كما شارك عضو هيئة العلماء والدعوة بالقدس القاضي الدكتور ماهر خضير، ببحثٍ بعنوان "الاختيار بين الزوجين وتأثيره على استقرار الأسرة المسلمة"، أوضح فيه أن الشريعة الإسلامية وضعت أسسًا وضوابط ينبغي مراعاتها عن اختيار الزوج أو الزوجة، وتشمل الإسلام، والنظر، والحسب والنسب، والرفق وعدم الجفوة والعنف.
وأكد الدكتور خضير، أن الزواج رابطةٌ متينة يُراد به إنشاء أسرة قوية ووضع الإسلام له العديد من القواعد والتشريعات، مشيرًا إلى أن المتتبّع لأحكام الشريعة الإسلامية في مجال الزواج يجد أنها قائمة على الترغيب لا على الإجبار والإكراه، كما أن الإسلام أعطى حق الاختيار للذكر والأنثى، وعدّ سوء الاختيار مقدمةً لتصدّع بيت الزوجية وانقطاع أواصر المحبة بين الزوجين، إضافةً إلى أن الإسلام جعل أساس الاختيار، الدين والصلاح وحُسن الخُلق، وبه تكون مقومات الحياة الزوجية.
واختتم إمام وخطيب مسجد صلاح الدين في ساوبولو الشيخ محمد بن عبدالله بركات، الجلسة الثانية من جلسات المؤتمر الدولي الـ 30 لمسلمي أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي، بورقة بعنوان القواعد الذهبية لاستمرار الحياة الزوجية، أكد فيها أن الإسلام أعطى للحياة الزوجية اهتماماً كبيرًا، لأن الحياة الزوجية تلبي مطالب الفطرة الإنسانية السوية، ولأنها لبنة اجتماعية تقوم بمهام المجتمع ولها دورٌ كبيرٌ في تربية الخلق الفاضل، والتعويد على الصبر والتحمل والتضحية، إضافةً إلى أن الزواج جُعل للسكن والاستقرار ولما فيه من تحصينٍ للفرج والغريزة، واتباعٍ للسنة، ولحفظ النسل والتناسل في الأمة الإسلامية.
وأشار الشيخ بركات، أن القواعد الذهبية لاستمرار الحياة الزوجية، تشمل حُسن الاختيار للزوج والزوجة، وتذكّر النية الصالحة من إقامة الحياة الزوجية، ودوام الشكر بين الطرفين، والاستماع الفعّال عند الحوار بين الزوجين، واستخدام الهدية الجميلة المُعبّرة والابتسامة والنداء بأحبّ الأسماء، والاعتذار وقبوله عند الخطأ، والمشاركة والتعاون في الحياة الزوجية إضافةً إلى الإعلان بالحُب والإشعار بالأهمية.
اينا