عندما يتحدّث أيّ مسؤول غربي قابل الرئيس بشار الأسد يبدأ حديثه عنه بابتسامة فيقول: هو شاب طويل القامة، دمث الأخلاق، يتحدّث الإنكليزية بطلاقة ولباقة مطلقة، دائم الابتسام وهادئ، ولكن ما يلبث المتحدث أن يقطب حاجبيه مضيفاً: لكنه صلب وعنيد وثابت في مبادئه، بحيث أنه من المستحيل لأيّ كان أن يساومه عليها».
قادة الغرب جميعاً في اشارة الى اولائك الذين كانوا يعرفون أنه من الصعب جداً لا بل من المستحيل استمالة الرئيس السوري بشار الأسد ضدّ حلفائه، سواء الجمهورية الاسلامية في ايران أو حزب الله ممن تصفهم بأعداء أميركا و«الكيان الصهيوني» في المنطقة على حد تعبيرها.
وتضيف الكاتبة" لذلك لم يكن هناك حلّ آخر سوى إنزاله عن سدة الحكم في سورية، وتحويل المنطقة إلى فوضى عارمة بدأت بما يسمّى بالربيع العربي، ومحاولة تقسيمها وخاصة سورية إلى كانتونات طائفية يسهل السيطرة عليها، تشبه تشكيل الكيان الصهيوني ويسهل معه تنفيذ كلّ مشاريع الغرب وتمريرها عبر هذا الشرق الأوسط الممزق والضعيف، مما يمكن من استهداف كلّ من روسيا والصين ، لكن شعارات الرحيل وإسقاط النظام والغرف السوداء وغرفة الموك لاحقاً والضخ الإعلامي الكاذب وفبركة الجرائم والانشقاقات العسكرية والوزارية، ومحاولة خلق معارضة سياسية في الخارج والمؤتمرات الدولية بعنوان «أصدقاء سورية» مثلاً، وإدخال المال والسلاح وتسليح المعارضة، وتشكيل تنظيم داعش الإرهابي ومحاولة تشكيل "دولة إسلامية" متطرفة والاستيلاء على عدة مدن وسرقة حلب عاصمة سورية الاقتصادية بالكامل وسرقة آبار النفط وقطع الكهرباء، إلى إغلاق السفارات والحصار السياسي والاقتصادي وإيقاع العقوبات على الكثير من الشخصيات ورجال الأعمال، حيث تجمع نصف العالم ليرحل الرئيس الأسد كما كان مخططاً. لم يكن يمرّ يوم من عمر الحرب على سورية والبالغة ما يقارب السبع سنوات، ولم يظهر فيه مسؤول على التلفاز ويخبر العالم بأنّ على الرئيس الأسد أن يرحل، عشرات الصحافيين ورؤساء الدول ووزراء الخارجية العرب والأجانب، لكنه لم يرحل.
وفي الاجابة على سؤال يطرح نفسه وهو لماذا لم ينصاع الرئيس الأسد لأوامر الغرب بالرحيل؟
اجابت الكاتبة بالقول "يقول الرئيس الأسد في كلمته في افتتاح مؤتمر الخارجية والمغتربين في دمشق، والذي أعتبره الكثيرون بأنه خطاب النصر بلغته القوية والواثقة، انّ ثمن المقاومة هو أقلّ بكثير من ثمن الاستسلام، تلك المقاومة التي أذهلت الغرب وجعلته عاجزاً عن التفكير وملاحقة التغييرات، وجعلت من إرهابه ضعيفاً هشاً، كانت هي أولى خيارات الرئيس، فمواجهة العدو هي بالمقاومة لا بالاستسلام، أنّ الغرب الآن بدأ يشعر بالنصر السوري، وانّ سورية تستعيد عافيتها وقوتها، بل انها ستصبح أقوى من قبل وانّ هذا الصمود الاسطوري جعل سورية وحلفاءها روسيا وإيران وحزب الله قوة ضاربة، وبالأخصّ حزب الله الذي بدأ «الكيان الصهيوني» يظهر خوفه، من قوته وخبرته الجديدة، التي اكتسبها من خلال مشاركته في الحرب على الإرهاب داخل الأراضي السورية، فاليوم لم يعد أحد من أعداء الأسد يكرّر مقولة الرحيل، بل انها أصبحت تشبه نكته سمجة، لم يعد يقدر أحد منهم على الابتسام حتى عند روايتها مجدّداً، فالانتصارات العسكرية التي تكللت مؤخراً بتحرير دير الزور بدأت بإعلان العدّ العكسي، للقضاء على داعش والإرهاب في المنطقة كلها لا سيما سورية والعراق .
بدأ الكثير من الصحافيين ومنظري الربيع العربي ممن يتحدثون عن النصر السوري، ويستشعرون القوة الضاربة ويحللون أسباب الفشل في استهداف سورية، حيث أكد السفير الأميركي السابق لدى سورية روبرت فورد أنّ «الإدارة الأميركية قبلت ببقاء الأسد»، وقال إنه «لم يكن هناك أيّ محلل يتوقع وصول الجيش السوري إلى دير الزور»، مضيفاً أنّ «الحكومة السورية في أقوى موقف بعكس المعارضة السياسية والعسكرية».
وبالحديث عن أسباب فشل المعارضة السورية أكد فورد في لقاء له على قناة «الميادين» ضمن برنامج لعبة الأمم أنّ «الدول الغربية تخلت عن المعارضة السورية المسلحة، والدعم السعودي للمجموعات المسلحة في سورية انخفض». وقال السفير الأميركي السابق لدى سورية إنّ «المعارضة المعتدلة في سورية أخطات عندما وافقت على انضمام متطرفين وجبهة النصرة إلى المعارضة»، مضيفاً أنّ «الخطأ الثاني لها كان في عدم تقديمها مشروعاً سياسياً واضحاً». وقال إنّ «الهدف الأميركي كان أن يدخل السوريون في مفاوضات في ما بينهم، والحرب في سورية إلى تراجع وهذا أمر جيّد».
وفي المقابل تمكن الرئيس بشار الأسد من تقوية حلفه مع أصدقاء سورية القدماء، روسيا وإيران، حيث كان الفيتو الصيني والروسي يضرب كلّ مشروع يمكن أن يمرّر عبر مجلس الأمن وباسم حقوق الإنسان، ومن ثم التدخل العسكري المباشر والغير متوقع من روسيا. أشار إليه فورد بأنه «لم يكن من المتوّقع أن ترسل روسيا قوات إلى سورية ونحن أخطأنا في توقعاتنا، كذلك لم يكن متوقعاً إرسال قوات عراقية وأفغانية بعشرات آلاف إلى سورية للقتال إلى جانب الجيش السوري». أشار إلى أنّ «إيران تساعد الروس في تقليص النفوذ الأميركي في المنطقة»، مؤكداً أنّ «بوتين هو الرابح الأول في سورية ومن ثم إيران، وأميركا خسرت إلى حدّ ما، وتركيا ستكون آخر جار تدخل في مصالحة مع سورية، وحزب الله من الرابحين في الحرب السورية».
وتنهي تماضر مقالها قائلة ان الأسد لن يرحل… هذا ما فهمه الغرب الآن، وهذا ما يشكل ويزيد من الرعب الإسرائيلي الآن، ويخلق شرقاً أوسط متوازناً، لا مكان للإرهاب وتمدّد الإرهاب فيه وفي العالم.
البناء
* تماضر عباس