بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي لم يجد آذانًا صاغيةً من الرئيس فلاديمير بوتين لمخاوفه من وجود قواتٍ إيرانيةٍ على الأراضي السورية، خاصةً في القنيطرة ودرعا والجولان، ومطالبته بإخراجها فورًا، أراد من خلال هذا الهجوم الرد على هذا التجاهل بطريقة تنطوي على الكثير من الاستفزاز والتحدي.
وما يؤكد هذه النظرية، أن أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، اعترف وللمرة الأولى، وبعد إكثر من مِئة غارةٍ طِوال السنوات الماضية، متباهيًا بتنفيذ الطائرات الإسرائيلية لهذا العدوان، مؤكدًا في الوقت نفسه بأن حكومته لن تسمح لأحد باختراق الخطوط الحمر التي وضعتها في سورية حِفاظًا على أمنها.
***
لا نستبعد النظريات التي وردت على ألسنة محللين عسكريين إسرائيليين، وتقول أن هذهِ الضربة جاءت انتقامًا لزيارة السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، السرية إلى دِمشق ولقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد للتداول حول مواضيع استراتيجية عدة بينها التعاون العسكري، وبناء مصانع صواريخ جديدةٍ متطورة، وربما لتسخين الجبهتين اللبنانية والسورية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
المركز المستهدف بالغارة التي قيل أنها جاءت عبر لبنان، كان مخصصًا لتطور صواريخ جديدة عالية الدقة من حيث إصابة أهدافها، وأفادت تقارير إخبارية أن صواريخ أنتجها هذا المركز جرى نقلها إلى "حزب الله" في لبنان.
ما زال من المبكر معرفة رد القيادة الروسية على هذا الاستفزاز، فلم تعلق حتى كتابة هذه السطور على الغارة، ولكن ما نعرفه أنها أكدت فشل منظومات الدفاع الروسية في منعها لأسباب نجهلها، وأكدت قدرة الطائرات الإسرائيلية في المقابل على اختراق الأجواء السورية، حيث توجد قواعد روسية، بكل حرية.
خطورة هذا الاستفزاز الإسرائيلي يأتي من توقيته الذي جاء في الذكرى العاشرة لتدمير غارةٍ إسرائيليةٍ لمفاعل نووي سوري جديد في دير الزور، وفي وقت تحتفل فيه القيادتان السورية والروسية بإنجازها الأكبر في كسر الحِصار على المدينة (دير الزور)، شرق سورية، واستعادة أكثر من 65 بالمئة من أراضيها ذات الموقع الاستراتيجي القريب من الحدود العراقية والأردنية، والغنية بالنفط والغاز.
***
هل سترد القيادة الروسية على هذا الاستفزاز العسكري الإسرائيلي بشكلٍ مباشرٍ، بإسقاط الطائرات الإسرائيلية لرد الاعتبار إلى منظوماتها الدفاعية الجوية، وهي تملك قدرات هائلة في هذا الصدد، أم بشكلٍ غير مباشر، أي تزويد الدفاع الجوي السوري بصواريخ "إس 300" أو "إس 400" المتطورة، للتصدي لأي غارات إسرائيلية مستقبلية دِفاعًا عن السيادة والكرامة السورية معًا؟
لا نملك الإجابة على هذهِ الأسئلة المشروعة، ولكن ما يمكن أن نقوله أن هذه الإهانات الإسرائيلية لسورية وحليفها الروسي يجب أن تتوقف، وأن يتم الرد عليها بشكلٍ صاعقٍ وتأديبي لأنها عدوانٌ واضح، فقد طفح الكيل وفاض، ولا نعتقد أن الرئيس بوتين سيسكت على هذهِ الإهانات، أو هكذا نأمل.
عبد الباري عطوان / رأي اليوم