يوقف النبي (صلى الله عليه وآله) المسلمين ويستدعي المنصرفين منهم وهم راجعين من مكة المكرمة ويجمعهم قرب غدير يدعى خم، ليذكرهم ويقول لهم: (ألست اولى بكم من انفسكم؟!)... وبعد ان يجيبوه: بلى يا رسول الله.. يقول رافعا يد علي بن ابي طالب عليه السلام: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)... الى آخر الحديث الذي يتفق جميع المسلمين على ما ذكرنا منه، قاطبة!
هذا الحدث لايمكن ان نجتره بعيداً عن سياق الاحداث السابقة وخاصة ابلاغ الوحي بأنها الحجة الاخيرة، اي ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعلم انه ملتحق بالرفيق الاعلى قريباً.. وايضاً عما جرى بعد ذلك ما بين الثامن عشر من ذي الحجة حتى الثامن والعشرين من صفر الذي تلى ذلك.. وفي واقعة رزية يوم الخميس الكفاية!
للأسف الشديد عندما عجز البعض من اسقاط الحديث ونفيه لوروده في الصحاح!، عمدوا على تأويله بما يتناسب ولا يخل مع اداء بعض الصحابة.. فصارت الموالاة تعني الحب والمودة.. وكأنما لم ينزل من قبل في ذلك آيّ من الذكر الحكيم (قل لا أسألكم عليه اجراً، الّا المودة في القربى)!
وهل الدعوة الى حب آل البيت تحتاج الى حدث عظيم وواقعة كبيرة كما حصل في غدير خم.. ثم اين تجلت المودة تلك عند البعض المؤوّل للحديث.. في حادثة كربلاء؟!
والأخطر في الأمر برمته، هو: لماذا يُحذَّر النبي (صلى الله عليه وآله) من عدم تبليغ الأمر.. هل هو تعبير عن الأجواء القاتمة التي وصل بعضها الى محاولة اغتياله عليه وعلى آله صلوات الله والعالم أجمعين.. أم انه استشراف رباني لما سيقع لاحقاً وفي وقت قريب؟!
الغدير والولاية في القرآن الكريم
يذهب كثير من علماء المسلمين ومنهم علماء أهل البيت (عليهم السلام) الى ان مقام الامامة أعظم من مقام النبوة ويستدلون في جملة أدلتهم على الاية 124 من سورة البقرة.. بسم الله الرحمن الرحيم (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ للنّاس إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
لقد كان أبو الأنبياء ابراهيم (عليه السلام) حينها نبيا لكنه صار بعد الاختبار الذي اجتازه بجدارة اماما، وعندما طلب الامامة والقيادة الربانية لذريته، اشترط الباري عزّ وجلّ العصمة فيها لقوله لا ينال عهدي الظالمين.
ثم ليست قليلة تلك الآيات والروايات التي تتحدث عن امامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وعصمته من آية التصدق بالخاتم الى اية المباهلة الى اية التطهير والروايات التي رواها الفريقان الشيعة والسنة كجزء من فضائله.. بل اتفق المسلمون جميعا بكل مذاهبهم وفرقهم ـ باستثناء الامويين واتباعهم من الوهابيين ـ على ان حبه عليه السلام علامة في الايمان وبغضه ـ والعياذ بالله ـ من امارات النفاق والكفر، فهو صنو الحق ومداره.. لذلك نردد ونلهج دائما " علي حبه جنةّ قسيم النار والجنة"!
وحادثة الغدير التي نحن في ذكراها المباركة كرّست جيع مراحل الاعداد السابقة والتهيئة العقدية والنفسية التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه واله) لمفهوم وحقيقة امامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.. الامامة التي تتجاوز حدود الخلافة الدنيوية والسلطة السياسية والعسكرية الى فضاء المرجعية الالهية وصلاحية التشريع التي هي من اختصاص النبي (صلى الله عليه واله).
ولو ان الامام عليه السلام سلب حقه الارضي فان حقه السماوي والالهي بقي له وللذين اذهب الله عنهم الرجس من ولده وطهرهم تطهيرا، الى ان يظهر آخرهم بقية الله الاعظم، القائم من آل محمد (عجل الله فرجه الشريف) ليقيم الدولة التي لم يسمح لابن ابي طالب عليه السلام اقامتها.. دولة العدل التي يقف فيها نبي الله عيسى بن مريم مأموما خلف ابن علي وفاطمة (عليهما السلام)..
دولة ممهورة بختم غدير خم وبتاريخ الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة للهجرة.. انه الفرمان الذي يصل ليد صاحبه في آخر الزمان وقد مضى عليه حتى اليوم 1437 سنة!
غدير مبارك
* علاء الرضائي