كثيرة هي الأحاديث الصحيحة والمعتبرة الواردة عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في مكانة وفضل ومقام الإمام علي (عليه السلام)، والتي تدل دلالة واضحة على أهليته للإمامة والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومكانته المتميزة والعظيمة.
والحقيقة الناصعة باعتراف جميع المحدثين والحفاظ والمحققين: إنه ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل والمناقب -ويطرق صحيحة ومعتبرة- كما جاء في فضل الإمام علي (عليه السلام) ومكانته ومقامه العظيم.
وقد اختير الإمام علي (عليه السلام) ليكون الوصي والخليفة من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله تعالى، كما في محكم كتابه العزيز ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾[1] ولأنه كان يمتلك مؤهلات القيادة والإمامة، وتتوافر فيه صفات الإمام المفترض الطاعة، والتي أبرزها: العصمة، والعلم، والكمال... وقد أوضح الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) الوصي من بعده في واقعة الغدير المشهورة.
وتعتبر واقعة الغدير من الحقائق الثابتة التي لا يمكن إنكارها، وقد وثق (حديث الغدير) أئمة الحديث من الفريقين، حيث قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه، للهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار»[2].
وقد بلغ رواة حديث الغدير من الصحابة مئة وعشرة صحابياً، ومن التابعين أربعة وثمانون تابعياً، وبلغ طبقات رواة حديث الغدير من أئمة الحديث وحفاظه ثلاث مئة وستون عالماً ومحدثاً؛ وهذا يؤكد أن حديث الغدير من أوثق الأحاديث المتواترة، وقد بلغ من الصحة والتواتر وقوة السند وسلامة المتن بما لا يمكن لباحث موضوعي أن ينكره.
وقد أطلق الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) اسم الوصي على الإمام علي (عليه السلام) منذ اليوم الأول لميلاد الإسلام، عندما أندر عشيرته الأقربين، وقال لهم وهو آخذ بيد الإمام علي (عليه السلام): «إن هذا أخي ووصيي، ووزيري وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»[3].
وكان علي وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووزيره، ولما آخى بين أصحابه وتركه قال: «يا رسول الله قد بقيت لا أخ لي».
فقال: «إنما أخرتك لنفسي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت وصيي وخليفتي من بعدي، وخير من أخلف من أهل بيتي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»[4].
وظل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يكرر هذا القول المرة تلو المرة، ويؤكد عليه فعلاً وقولاً وتقريراً، والأحاديث في ذلك كثيرة جداً، فالإمام علي (عليه السلام) هو أول من سمي بالوصي، وقد سماه بذلك الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله).
وأول من أطلق عليه (إمام) في الإسلام هو الإمام علي (عليه السلام)، والمقصود بالإمام هنا: إمام المسلمين الذي يجب الاقتداء بأقواله وأفعاله، فالإمامة مرادفة للخلافة، وهو قائد المسلمين وإمامهم بعد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وقد لقب الرسول الأكرم الإمام علياً (عليه السلام) بلقب (أمير المؤمنين) في حياته الشريفة، وهو أول من أطلق عليه هذا اللقب، فإذا قيل: أمير المؤمنين، ينصرف الذهن إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
فقد روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي (عليه السلام): «أنت إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، وقائد العز المحجلين، وحجة الله بعدي على الخلق أجمعين، وسيد الوصيين، ووصي سيد النبيين»[5].
وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً في الإمام علي (عليه السلام): «إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، ومولاهم بعدي علي بن أبي طالب»[6].
وثمة نقطة ينغي الانتباه لها جيداً وهي كثرة الأحاديث الواردة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في حق أمير المؤمنين ومقامه وفضله؛ كإشارته (صلى الله عليه وآله) إلى أن الإمام علياً هو نفس النبي، فقد روى عمرو بن العاص قال: لما قدمت من غزوة ذات السلاسل وكنت أظن أن ليس أحد أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني فقلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ فذكر أناساً، قلت: يا رسول الله، فأين علي؟ فالتفت النبي إلى أصحابه، فقال: «إن هذا يسألني عن النفس»[7].
وقوله (صلى الله عليه وآله) أنه والإمام علي من شجرة واحدة حيث قال (صلى الله عليه وآله) ما نصه: «أنا وعلي من شجرة واحدة، والناس من أشجار شتى»[8].
ومن المعروف بين الصحابة أن علامة المنافق بغض علي (عليه السلام)، وأن حبه إيمان وتقوى، وبغضه نفاق ومعصية كما ورد في العديد من الروايات؛ فقد قال علي (عليه السلام): «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأمي إليّ ألا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق»[9].
وروى المساور الحميري عن اُمّه قالت: دخلت على اُمّ سلمة فسمعتها تقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «لا يجب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن»([10].
وأصبح من الشائع بين الصحابة معرفة المؤمن بحب الإمام علي، والمنافق ببغضه له، يقول الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري: «ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)»[11].
وقال الصحابي المعروف جابر بن عبدالله الأنصاري: «ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب (عليه السلام) »[12].
ويعود الكثير مما وقع في طول التاريخ الإسلامي من أحداث مؤلمة في الأصل إلى الاختلاف بين المسلمين وانقسامهم إلى قسمين حول قضية الغدير، ولو التزم المسلمون بوصية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لما وقع ببين المسلمين ما وقع بينهم، من أحداث ومآسٍ تاريخية كثيرة، وباقي الأسباب مجرد تفريعات عن هذا الأصل.
وفي ذكرى الغدير علينا جميعاً الالتزام بنهج ومنهاج الإمام علي قولاً وفعلاً وسلوكاً، والسير على نهجه، والالتزام بأوامر الشرع المقدس، والابتعاد عن كل ما يخالف الدين، والعمل الدؤوب من أجل خدمة الإسلام والمسلمين كما كان يفعل أمير المؤمنين (عليه السلام).
...................................
الهوامش:
[1] سورة المائدة، الآية: 67.
[2] دعائم الإسلام، القاضي المغربي، ج1، ص 20.
[3] الأمالي، الشيخ الطوسي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1430هـ - 2009م، ص 447، رقم 1206.
[4] المناقب والمثالب، القاضي المغربي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الأولى 1423هـ- 2002م، ص 207.
[5] التحصين، ابن طاووس، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم، الطبعة الأولى 1413هـ، ص 563.
[6] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج8، ص 22، رقم 14.
[7] كنز العمال، ج 13، ص 143، رقم 36446.
[8] بحار الأنوار، ج 38، ص 309.
[9] صحيح مسلم، ج 1، ص 61.
[10] كنز العمال، ج 11، ص 599، رقم 32882. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، 42، ص 280.
[11] فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 2، ص 208.
[12] بحار الأنوار، ج 29، ص 644، رقم 66.