إن ما جرى في الغدير من بيان للناس يعتبر أكبر خطاب إلهي في الإسلام، وهو إبلاغ أمر ولاية أهل البيت عليهم السلام. وفي موارد كثيرة نلاحظ أن الله تعالى ومن أجل إتمام الحجة على الناس يظهر المعجزات على يد النبي صلى الله عليه وآله لكي تطمئن القلوب أكثر.
وفي الغدير أجرى الله معجزة على يد رسوله الكريم لتكون إمضاء إلهياً لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام. ففي اليوم الثالث من الغدير جاء رجل اسمه الحارث الفهري مع اثنى عشر رجلا من أصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه، وأمرتنا بالحج فقبلناه، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضَّلته علينا وقلت: "من كنت مولاه فعلى مولاه". أهذا شي من عندك أم من الله؟ فقال صلى الله عليه وآله: والله الذي لا إله إلا هو، إن هذا من الله.
فولَّى الحارث يريد راحلته وهو يقول: "اللهم ان كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم"2.
فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر; فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله; وأنزل الله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع)3.
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أصحابه وقال: رأيتم؟ قالوا: نعم. قال: وسمعتم؟ قالوا: نعم.
قال: طوبى لمن تولاه والويل لمن عاداه. كأني أنظر إلى علي وشيعته يوم القيامة يزفُّون على نوق من رياض الجنة، شباب متوَّجون مكحَّلون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قد أُيِّدوا برضوان من الله أكبر، ذلك هو الفوز العظيم، حتى سكنوا حظيرة القدس من جوار رب العالمين، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين وهم فيها خالدون. ويقول لهم الملائكة: (سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)4.
وبهذه المعجزة ثبت للجميع أن أمر الغدير صادر من منبع الوحي، وأنه أمر من الله عز وجل.
كما اتضح الحق لجميع المنافقين الذين كانوا يفكرون مثل تفكير الحارث ويتصورون أنهم مؤمنون بالله ورسوله، ولكنهم مع ذلك كانوا يقولون بصراحة: نحن لا نطيق ولايته علينا!
فكان هذا الجواب الإلهي الفوري والقاطع قد أثبت أن كل من لا يقبل ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه منكر لكلام الله وكلام رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله.
المصدر: المعارف الإسلامية