اهتمت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم بوقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه في ما تيقى من جرود القلمون، تمهيدًا لاندحار ارهابيي "داعش" إلى الأراضي السورية، ضمن مفاوضات كشفت عن مصير العسكريين اللبنانيين المختطفين حيث تبيّن انهم في عداد الشهداء.
ومن بنود الاتفاق كان الكشف عن مكان جثامين لعدد من شهداء المقاومة في الجرود، واستعادة أسير وجثمانين من يد تنظيم "داعش" في البادية السورية.
"الأخبار": استسلام «داعش» يكشف مصير العسكريين
بعد ثلاث سنوات من اعتداء إرهابيي «داعش» و«جبهة النصرة» على القوى الأمنية اللبنانية في بلدة عرسال واختطاف عسكريين لبنانيين، أدّت اعترافات إرهابيين من «داعش» إلى الكشف عن مصير ثمانية عسكريين لبنانيين، كان التنظيم قد قتلهم بعد فترة من اختطافهم.
وعلى رغم النهاية المأسوية لهذا الملفّ، وانتظار الأهالي طويلاً لمعرفة مصير أبنائهم الشهداء، إلّا أن التضحيات التي بذلها رفاقهم في الجيش اللبناني والجيش العربي السوري والمقاومة، ودور اللواء عبّاس إبراهيم وضباط الأمن العام، أثمرت أخيراً كشفاً عن مصيرهم، ووضع حدّ لهذه المعاناة اليومية.
عند الساعة السابعة صباحاً، أعلن الجيشان اللبناني والسوري وحزب الله وقفاً متزامناً لإطلاق النار في معركتي «فجر الجرود» و«إن عدتم عدنا» التي تخاض ضد من تبقّى من إرهابيي «داعش» في منطقتي «حليمة قارة» و«مرطبيا» على الحدود اللبنانية ــ السورية.
إلّا أن الساعات الـ48 التي سبقت وقف إطلاق النار حفلت بأحداث مهمّة. يوم الجمعة الفائت، عقدت قيادة الجيش اللبناني اجتماعاً، قررت على إثره معاودة العمليات العسكرية الهجومية في القسم اللبناني من الجرود. أُبلغ المعنيون في الحكومة بأنه تم الاتفاق على السادسة والنصف من صباح السبت موعداً لانطلاقة عملية برية واسعة يريد الجيش تنفيذها في المربع الأخير الذي حوصر الإرهابيون فيه. وبخلاف النفي، تم إبلاغ قيادة المقاومة بالقرار. وهي التي كانت أبلغت الوسطاء مع مسلحي «داعش» في القسم السوري من الجرود أن أيّ وقف لإطلاق النار لن يحصل خلال المفاوضات. باشرت القوات السورية واللبنانية على جانبي الحدود عمليات قصف ناري تمهيدي، ترافق مع طلب المسلحين من الوسيط وقتاً مستقطعاً لاتخاذ القرار النهائي. وقرابة الثالثة فجراً، نقل الوسيط موافقة قيادة المسلحين في الجرود على شروط التسوية، طالبين تأكيد ضمان انتقالهم إلى الرقة أو دير الزور في الشرق السوري.
عندها سارعت قيادة المقاومة إلى الاتصال باللواء إبراهيم، وإبلاغه قرار المسلحين، مع اقتراح بتجميد العملية العسكرية من قبل الجيش اللبناني. فسارع إلى التواصل مع قائد الجيش العماد جوزف عون الذي أبدى الموافقة، كما تم التواصل فجراً مع الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري للغرض نفسه.
كانت مهلة قيادة المقاومة للمسلحين عبارة عن ساعات تنتهي ليل السبت، بينما كان الرئيس بشار الأسد يبعث برسالة عاجلة إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يضمّنها موافقته على تسهيل التسوية وضمان نقل المسلحين إلى الشرق السوري، الأمر الذي ترافق مع نقاش حاد بين قيادات المسلحين في الجرود وفي الرقة ودير الزور، انتهى إلى القرار بالاستسلام، والقبول بالشروط كافة ليل السبت ــ الأحد. وبادر المسلحون إلى خطوات عملية، أولاها تقديم معلومات أكيدة عن مكان دفن العسكريين الثمانية، الذين تبيّن أنه تمت تصفيتهم منتصف شباط عام 2015، وجرى دفنهم في منطقة «حرف وادي الدب» قرب معبر الزمراني. وهو المكان الذي كان الأمن العام قد حدّده عشية انطلاق معارك الجرود، ويقع ضمن دائرة الـ20 كلم مربّع التي حررّتها المقاومة من الأرض اللبنانية في اليوم الأول من المعركة.
وإلى جانب هذه الخطوة، جهّز المسلحون جثث شهداء من المقاومة، وباشروا التفاوض على لائحة الذين يريدون الانتقال إلى الشرق، بعدما كان العشرات منهم قد استسلموا للمقاومة على دفعات خلال الأسبوع الماضي. وبحسب آخر إحصائية، فإن نحو 325 مسلحاً يريدون الانتقال الى سوريا، إضافة الى عائلاتهم، وبينهم نحو أربعين عائلة تقيم في مخيمات النازحين في عرسال. وسيصار إلى تجميعهم سريعاً ونقلهم الى باصات وصل 17 منها الى قارة مساء أمس، إضافة الى 10 سيارات إسعاف لنقل جرحى من المسلحين أيضاً. وسيسلك هؤلاء طريق القلمون ــ تدمر ــ السخنة، ومنها إلى البوكمال على الحدود العراقية، حيث يريد البعض منهم الانتقال إلى مناطق في الغرب العراقي الواقعة تحت سيطرة «داعش».
"البناء": العسكرّيون رفاتات بانتظار الـ «دي آن آي»
وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم قد كشف أمس، عن «استخراج 8 جثث يُعتقَد أنّها تعود للعسكريين المخطوفين ». ووفق المعلومات المتوافرة، فإن الجنود اللبنانيين الثمانية استُشهدوا في شباط 2015 الماضي، والمسؤول عن مقتلهم هو مَنْ يُسمّى «أمير داعش الشرعي» ولقبه «أبو بلقيس» يرافقه أبو طلال الحمد أمير التنظيم حينها في الجرود اللبنانية. وهو الذي نفـّذ خطف العسكريين، وعقب عملية التصفية التي نفّذها غادر إلى الرقة وبرفقته مجموعة خاصة به تتمثل بقيادات داعشية شاركت في خطف الجنود اللبنانيين. وتفيد المعلومات أنه عقب وصولهم إلى الرقة نشب خلاف قويّ بينه وبين مجموعته تلك على خلفية تصفية الجنود اللبنانيين، عمد إلى تصفية المجموعة بواسطة تفخيخ السيارة التي كانوا يستقلّونها، كي لا يبقى أثر يمكّن من المتابعة لهذا الملف بشكل مباشر لهذه القضية سوى القيادة المركزية للتنظيم الإرهابي داعش».
وتأكدت جميع المعطيات عن المقبرة الجماعية والتي تضمّ ثمانية رفاتات، حيث وجد في أقدامها جميعاً بقايا الحذاء العسكري البوط ، ما يدلّل على أنها عائدة الى العسكريين الثمانية الذين تمّت تصفيتهم على أيدي داعش».
وقال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إننا «ننتظر نتائج الحمض النووي في موضوع العسكريين المخطوفين، ولكن الأمر شبه محسوم للأسف استناداً الى مؤشرات كثيرة».
وأفادت قيادة الجيش في بيان أنه «في إطار متابعة العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش الارهابي تمّ العثور في محلة وادي الدّب جرود عرسال على ثمانية رفاتات لأشخاص، وقد تم نقلها الى المستشفى العسكري المركزي لإجراء فحوص DNA والتأكد من هوية أصحابها. وسيصار الى إصدار بيان فور ورود نتائج فحوص DNA».
ونقلت ثماني سيارات تابعة للصليب الأحمر اللبناني جثامين شهداء الجيش الثمانية إلى وادي حميد في جرود بلدة عرسال اللبنانية، ثم إلى المستشفى العسكري في بيروت لإجراء فحوص الحمض النووي، بمواكبة أمنية من الجيش والأمن العام اللبناني، بالتزامن مع بدء طلائع عودة قوافل مؤللة للجيش من القتال إلى ثكناتها في وادي البقاع اللبناني.
وفي تصريح له من خيمة أهالي العسكريين المخطوفين من ساحة رياض الصلح ، أشار إبراهيم إلى أنه كانت لدينا معلومات عن استشهاد العسكريين منذ شباط 2015، لكننا لم نستطع أن نؤكد ذلك»، مشيراً إلى أنه «كنتُ أتمنى أن تكون نهاية هذا الملف كغيره من الملفات السابقة».
وأعلن أنه «ننتظر نتائج اختبار الحمض النووي لنتأكد من الشكوك التي لدينا، لكننا شبه متأكدين من أن الجثث هي للعسكريين المخطوفين».
وأوضح اللواء إبراهيم أن مَن استسلم من «داعش» هم من أخبرونا بعد التحقيق معهم بمكان العسكريين والباقون من داعش سيتمّ ترحيلهم إلى سورية .
"الجمهورية": الجرود تتحرَّر... ولبنان في إنتصار وحِداد
بدورها كتبت صحيفة "الجمهورية".. إنتصر الجيش بتحقيق أهدافه العسكرية في معركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من إرهابيي «داعش»، وكشف مصير العسكريين المخطوفين. لكن في المقابل إنكشفت حقيقة مؤلمة نزلت كالصاعقة على أهالي المخطوفين المفجوعين ولبنان عموماً. وما زاد في المأساة انّ الذين ارتكبوا هذه الجريمة البشعة فُتحت لهم الطريق الى الداخل السوري نتيجة صفقة لم يكن للجيش فيها دور. وتحت هول الفاجعة، راجَت في الاوساط السياسية والشعبية دعوات الى تحميل المسؤولية الى السياسيين الذين حالوا دون قيام الجيش، في لحظة خطف العسكريين وبعدها، بعمل عسكري لفك أسرهم ودحر المجموعات الارهابية من تلك الجرود قبل ان يثبّتوا احتلالهم لها ويتحصّنوا فيها ما جعل القضاء عليهم عصيّاً الى الآونة الاخيرة عندما دحرهم الجيش من هذه الجرود أمس.
كذلك انطلقت أصوات تنتقد «حزب الله» وتأخذ عليه عدم تسليمه «الدواعش» الى السلطات اللبنانية لمحاكمتهم، فضلاً عن اتهامه بإبرام صفقة مع «داعش» بمعزل عن الدولة. وينتظر ان يتحدث الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مساء اليوم عن هذه التطورات ودور الحزب فيها، علماً انّ اتصالاً هاتفياً حصل بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قيل إنه ساهم في تسريع الخطى لكشف مصير العسكريين واستكمال تحرير الجرود.
لم تكتمل فرحة اللبنانيين بـ«تنظيف» الجيش اللبناني جرود راس بعلبك والقاع من إرهابيي «داعش»، إذ نغّصها الكشف رسمياً عن استشهاد العسكريين الثمانية الذين كانوا مخطوفين لدى هذا التنظيم الارهابي منذ 2 آب 2014، حيث اعلنت مديرية التوجيه في قيادة الجيش العثور على رفاتهم في محلة وادي الدّب ـ جرود عرسال، ونُقلت الى المستشفى العسكري المركزي لإجراء فحوص الـDNA للتأكد من هوية أصحابها.
فتزامناً مع اعلان قيادة الجيش وقف النار، السابعة صباح أمس، لإفساح المجال امام المرحلة الأخيرة للمفاوضات المتعلقة بمصير العسكريين، وبعد كشف مصيرهم، يكون الجيش اللبناني قد حقّق الهدف الثاني الذي حدّده لمعركته ضد «داعش»، بعدما كان قد حقّق الهدف الاول بتحرير الجرود وطرد الارهابيين.
فالجيش الذي دخل المعركة بمفرده على الارض اللبنانية استطاع سريعاً تحقيق انجاز كبير، فوصل الى الحدود مع سوريا بعدما كبّد الارهابيين خسائر كبيرة وأوقع في صفوفهم، خصوصاً في اليومين الاخيرين، نحو 50 قتيلاً.
وبذلك، جعل الارهابيين، بعدما شَلّ قدراتهم تحت ضرباته ونيرانه، يرضخون لشروطه ويطلبون التفاوض لكشف مصير العسكريين. وفي انتظار تبلور نتائج التفاوض، توقفت المعركة، في ظل تصميم الجيش على مواصلة عمليته العسكرية ضدهم في حال لمس أيّ مراوغة لديهم.
وبذلك، يكون الجيش قد حقق أهدافه وتمكّن من تسجيل إنجاز كبير عبر تنظيف هذه البؤرة الارهابية التي كانت تهدّد لبنان، وأقفلَ ملف العسكريين.
"اللواء": اللواء إبراهيم يشدّ على يد أهالي المخطوفين: إفتخروا بشهادتهم
صحيفة "اللواء" تحدثت عن حقيقة مُرّة ظهرت إلى العلن بعد ثلاث سنوات و26 يوماً من اختطاف العسكريين اللبنانيين من قِبل المسلّحين من داخل مراكز وثكنات الجيش وقوى الأمن الداخلي في بلدة عرسال ومحيطها.
«أولادكم شهداء، وعليكم أنْ تفتخروا بشهادتهم»، كلمات قالها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، كانت كفيلة بالقضاء على بصيص الأمل الذي عاش عليه أهالي العسكريين مع انطلاق معركة «فجر الجرود» بأنْ يعود أولادهم أحياء على غرار زملائهم الذين أطلقت سراحهم «جبهة النصرة» قبل أسابيع بعد إتفاق جرود عرسال.
أمل بقي حسين يوسف (والد أحد العسكريين)، متمسّكاً به حتى اللحظة الأخيرة التي انهار فيها ونُقِلَ إثرها إلى المستشفى بعد إعلان اللواء إبراهيم عن إقفال ملف العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، وأنّ الأمن العام والجيش اللبناني يعملان على استخراج جثامين هؤلاء الجنود من وادي الدّب – جرود عرسال، وأنّه جرى استخراج ست جثث، متوقّعاً وصول العدد إلى ثمانية، لكنّه قال في الوقت نفسه: «لا يمكن التأكد إلا بعد إجراء فحص الحمض النووي».
«النصر الثاني» الذي عاشه لبنان بعد تحرير كامل جرود رأس بعلبك، وهروب ما تبقّى من «داعش» إلى دير الزور، نغّصت فرحته دموع وحسرة أهالي العسكريين الذين تجمّعوا منذ الصباح الباكر أمام الخيم في ساحة رياض الصلح التي كانت شاهدة على أنّاتهم ومناشداتهم التي أطلقوها خلال تحرّكاتهم المطالبة على مدى ثلاث سنوات بمعرفة مصير أولادهم.
اللواء إبراهيم، الذي كان مشرفاً على ملفات لتسويات عدّة كانت كفيلة بإطلاق سراح مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا والقوى الأمنية اللبنانية، تمنّى أنْ «ينتهي هذا الملف كالذي قبله، لكن مشيئة الله جاءت هكذا، وتحرير الأرض والوقوف على الجبهات مرّات كثيرة يستدعيان أنْ نقدّم أرواحنا فداء للوطن».
وخلال زيارته خيمة أهالي العسكريين المخطوفين، شدَّ اللواء إبراهيم على أيدي أهالي العسكريين، وقال: «كنتُ أريد أنْ يُقفل هذا الملف كما أقفل الذي قبله، لكن خيارنا الاستشهاد، وكانت لدينا معلومات غير مؤكدة منذ أواسط شباط، ولو أنّنا تحدّثنا فيها منذ ذلك الوقت لكان الوقع اصعب على الاهالي».
وذكّر بالجثث «التي عُثِرَ عليها في الشتاء بمنطقة معلولا واستغرق فحص الـ DNA وقتها 3 أسابيع»، متمنيا ألا «يستغرق الفحص الوقت ذاته الآن».
المصدر: العهد