أكد موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن محاولة استغلال السعودية للشيخ القطري عبد الله علي آل ثاني هو بمثابة لعب بالنار الذي سيحرق أصابعها، موضحة بأنها تكرارا لصورة قديمة وفشلت في تحقيق اهدافها، مشيرة إلى أن قطر يمكنها أن تجد نسختها السعودية وتثير المشكلات في المملكة.
وتقول الصحيفة في مقال للكاتبة السعودية المعارضة والأستاذة الزائرة في مدرسة لندن للاقتصاد في جامعة لندن الدكتورة مضاوي الرشيد إن “انقلاب القصر في عام 2017، الذي عزل فيه الملك سلمان ابن أخيه الأمير محمد بن نايف، ورفّع ابنه محمد بن سلمان لولاية العرش قد لا يمكن تكراره بسهولة في قطر، فبعد شهرين من الأزمة لم تستطع الرياض زعزعة استقرار قطر وتحويلها إلى دولة منبوذة، ولهذا عاد سلمان وابنه للخلافات القبلية القديمة، وباتا يعولان على الانقسام داخل العائلة الملكية الحاكمة”.
وتشير الكاتبة في مقالها، أنها “سياسة تشبه السياسة الاستعمارية البريطانية القديمة، التي كانت تقوم فيها بريطانيا باستبدال شيخ صعب بتعيين شيخ مطيع ومذعن مكانه، ولسوء الحظ لا يوجد في قطر شخص من هذا النوع يمكن أن تعول عليه بصفته معارضا ضد العائلة الحاكمة، ويقوم بزرع بذور الشقاق فيها”.
وتلفت الرشيد إلى أنه “بدلا من ذلك، وجدت السعودية شيخا مغمورا، له روابط تجارية وعائلية في السعودية، ليكون بديلا في حال استمر الشيخ تميم في موقفه المتحدي، واستدعى الملك سلمان الشيخ غير المعروف عبدالله بن علي بن جاسم آل ثاني بطائرة خاصة إلى طنجة المغربية، حيث يقضي إجازته الصيفية هناك، وصور الإعلام السعودي الشيخ عبدالله بأنه عميد عائلة عريقة ظلت عقودا في الحكم، وكان شقيقه أحمد في الحكم حتى عام 1972 عندما أطاح به جد الشيخ تميم”.
وتفيد الرشيد بأن “الشيخ عبدالله بدا فجأة كأنه (صوت العقل)، الذي سينقذ الإمارة الصغيرة من شرور العائلة الحاكمة، ويسمح للحجاج بأداء حجهم الذي سيبدأ الأسبوع المقبل، وسط المقاطعة والحصار، وما أرادت السعودية إيصاله هو أن الأمير تميم مسؤول بتعنته عن الأزمة الحالية، حيث رفض الاستجابة للمطالب التي بموجبها سيتم رفع الحصار، والعودة إلى الحظيرة تحت السيادة السعودية”.
وتنوه الكاتبة إلى أن “الملك سلمان أمر طاقمه بعد اللقاء بإنشاء غرفة عمليات تتولى عملية نقل الحجاج القطريين، الذين يسافرون عادة إلى مكة عن طريق البر والجو، لكن رحلتهم هذا العام تعقدت بسبب الحصار، ويريد الملك نقلهم عبر الطيران السعودي، أو وسائل نقل سعودية أخرى، للجانب الآخر من شبه الجزيرة العربية”.
وتبين الرشيد أنه “تم تقديم الشيخ الجديد بأنه وراء الخطوة الأخيرة، مع أنه لم يتصرف بناء على طلب من الدوحة، لكنه قام بالمهمة ليسهل رحلة الحجاج القطريين إلى مكة، وأراد سلمان أن يحدث شرخا بين الشيخ تميم وشعبه، من خلال منح شخصية كهذه دورا قياديا في المفاوضات”.
وتستدرك الكاتبة بأن “الخطة السعودية فشلت، وأكد القطريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بيعتهم للأمير الشاب، وإذا كان عبدالله قد تخيل أو حلم بأن يحل محل الشيخ تميم فإن حلمه تبخر في الهواء، فنظرة سريعة على العالم الافتراضي، حيث يحدث كل شيء له علاقة بالخليج (الفارسي)، تظهر أن المحاولة الانقلابية أحبطت”.
وتقول الرشيد إن “الشيخ عبدالله فقد مصداقيته عندما بدأ يصدر تغريدات يمدح فيها الملك السعودي، ويستحضر صرخة الحرب السعودية التاريخية (إخوان نورة)، ورد القطريون برسائل عارمة تمدح العائلة الحاكمة، التي كان فرعها وراء الازدهار الذي تشهده قطر، وزاد من حسد السعوديين، فعندما قام الشيخ حمد والد الأمير الحالي بمضاعفة رواتب الموظفين، وبناء مدن متجذرة في التعليم، شعر الأمراء السعوديون بعدم الارتياح؛ لفشلهم في تقديم المثل لمواطنيهم”.
وتشير الكاتبة إلى أن “السعوديين لا يزالون يواجهون نقصا في السكن، وزيادة الأسعار، وتراجع في دولة الرفاه، وقبل الأزمة كان حملة الشهادات الجامعية من الشباب يتطلعون للحصول على وظيفة في الدوحة وليس الرياض، وحاضر الكثير من السعوديين في الجامعات القطرية، حيث عملت المتخصصة في التاريخ السعودي القديم هتون الفاسي في الجامعات القطرية قبل أن يتم تعليق عملها، وتخلى الكاتب المعروف بدراساته الأكاديمية المحترمة حول الإسلام والديمقراطية محمد الأحمري عن جنسيته وأصبح قطريا، ويعمل الآن مديرا لمركز أبحاث في الدوحة، وأسهم الجامعيون السعوديون في الكتابة للوسائل الإعلامية المدعومة من قطر، وتطلع الكثير منهم للعمل في المؤسسات الأكاديمية، خاصة معهد الدراسات العليا الذي افتتح حديثا”.
وتجد الرشيد أنه “لهذا كله فلن تنجح السعودية في تغيير النظام في قطر وتنصيب دمية، ففي غياب المعارضة الحقيقية للأمير فإنه من الصعوبة القيام بهذا الأمر، بل إن المحاولة ارتدت سلبا على الرياض، فإذا نجحت السعودية سابقا في سياسة فرق تسد قبل مئات السنين فلن تنجح اليوم، فقطر تتمتع بإحدى معجزات النفط والغاز، وهي بلد صغير ثري لديه عدد قليل من السكان، تجعلهم يقاومون المؤامرات السعودية كلها”.
وترى الكاتبة أن “الصراع في الأزمة الحالية لا علاقة له بجلب قطر للحظيرة دول الخليج الفارسي، ولا اتهامات دعم الإرهاب وتمويله، أو اتهامات التحريض الذي تمارسه قناة (الجزيرة)، فليست هذه هي القصة الكاملة وراء محاولات السعودية لوضع قطر عند حدها، ففي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حاول جمال عبد الناصر زعزعة استقرار السعودية، مستخدما الخطاب المعادي للإمبريالية والقومية العربية، ولم ينجح أي من الطريقين في الإطاحة بالنظام في الرياض”.
وتقول الرشيد: “بالنسبة لقطر فإنها مختلفة، فمن أجل زعزعة استقرار الدوحة، فليس لدى السعودية سوى عبد الله، ولدى الإمارة الكثير من العصي لتحدث هزات في الحديقة الخلفية للسعودية، فمن الإسلاميين المتذمرين إلى القوميين العرب، الذين يطلقون على أنفسهم (العروبيون الجدد)، فإن قطر ترعى عددا من التوجهات السياسية السعودية الحديثة، وبينهم مثقفون وناشطون وجدوا وسائل ومنابر لأفكارهم، ويمكن لقطر مواصلة العمل على هذا الأمر، كما فعلت من قبل”.
وتضيف الكاتبة أنه “يمكن لقطر، وهذا مهم، أن تلعب على الورقة القبلية التي بدأتها السعودية، فالقبائل العربية الكبيرة كلها، مثل عجمان وشمر والمطير والعتيبة، لديها عائلات وأقارب يعيشون على جانبي الحدود، فقبيلة شمر، التي حكمت مرة من حائل في شمال السعودية إلى سنجار في العراق، ممثلة بشكل جيد في قطر، ووجد أبناؤها وظائف جيدة ورواتب أفضل من تلك التي يحصل عليها أقاربهم الذين يعملون في الحرس الوطني، أو الذين يعملون في المزارع غير الناجحة في صحراء النفود وحول المدينة التاريخية في شمال البلاد”.
وتبين الرشيد أن “الأمر ذاته ينطبق على الجماعات القبلية الأخرى، خاصة تلك التي لا تزال تحمل ثارات قديمة ضد الرياض؛ بسبب استبعاد أبنائها من مناصب الدولة المهمة، وتم استخدام الكثير منهم لإنشاء المملكة ليكونوا ضمن قوات في (إخوان التوحيد)؛ ليتم التخلص منهم مباشرة، أو عزلهم بعد تأسيس المملكة، وينظر للسعودية، وبشكل غير صحيح، على أنها مملكة قبلية، وفي الحقيقة فإنها قامت بسحق القيادات القبلية المثيرة للمشكلات كلها، ودمجت القبائل في الحرس الوطني، لكنها فشلت في دمجها في الحكومة والقيادة، وفي هذا الجزء من العالم فإن التاريخ مهم”.
وتلفت الكاتبة إلى أن “هناك الكثير من العائلات ممن ليست لديها علاقة وثيقة مع آل سعود، ويمكن أن تحول ولاءها بسهولة كما فعلت في الماضي، فالقادة القبليون وغيرهم من الطامحين هم رجال سياسة براغماتيون يلاحقون مصالحهم أينما وجدت، ويحولون ولاءهم بناء على مصالحهم المحددة، ويتبعون الذي يعدهم بتحقيق طموحاتهم، ورغم أن خطابهم يؤكد على نظام قبلي صارم، إلا أن أي مؤرخ يمكنه متابعة ولاءاتهم المتغيرة ومناوراتهم الذكية، والمستشرقون فقط هم الذين لا يزالون يؤمنون أن القبائل تتبع قانونا صارما، مثل الحفريات القديمة”.
وتؤكد الرشيد أنه “علاوة على ذلك كله، فإن قادة القبائل لاعبون سياسيون أذكياء ممن عاشوا ونجوا من الماضي الاستعماري وهجمة الدول القومية، وقد يحتفلون بأنفسهم بلغة شعرية مهجورة، ويتغزلون بالجمال ودلات القهوة وفروسية الزمن الماضي، لكنهم يظلون قوة ساكنة تعبئها الحكومة في حالة احتاجت إليهم”.
وتنوه الكاتبة إلى “أنهم الآن متعلمون ومستعدون لتغيير ولاءاتهم عن دعم القبيلة، ويعد النائب الكويتي مسلم البراك، الذي تحدى عائلة الصباح الحاكمة، مثالا على (القبيلة الجديدة)، حيث عبأ سجنه القبائل رغم انقسامها، ويمكن لقطر أن تجد نسخة جديدة للرياض تسبب لها المشكلات”.
وتخلص الرشيد إلى القول إنه “بتدخل آل سعود في شؤون العائلة الحاكمة في قطر، فإنهم يلعبون في النار، وقد يحرقون أصابعهم، ومحاولتهم اليائسة لترفيع بديل للقيادة القطرية هي صورة عن الماضي، وفشلت في تحقيق أهدافها”.
المصدر: موقع ميدل ايست اي