التربية الجنسية للأولاد وموقف الإسلام منها

الأربعاء 23 أغسطس 2017 - 10:55 بتوقيت مكة
التربية الجنسية للأولاد وموقف الإسلام منها

مقالات تربوية - الكوثر

إن العناية بالجانب الأخلاقي لدى الأطفال هو من مهمات العلمية التربوية بسبب دوره البالغ في صياغة شخصية الطفل وتأثيره على حياته ومستقبله، من هنا كان من الضروري إلقاء نظرة على هذا الموضوع من الزاوية الإسلامية.

 

إيقاظ الغرائز قبل أوانها

لعل من بدیهیات العمل التربوي وشروط نجاحه أن یتحرك علی أساس أن لكل مرحلة عمرية خصوصياتها ومتطلباتها، وبالتالي نهجها وأسلوبها وخطابها التربوي الخاص، ولا يجوز حرق المراحل واستباقها أو الخلط بينها، وإن مرحلة الطفولة الأولى، أعني الفترة التي تسبق البلوغ والمراهقة تتميز بأن الغريزة الجنسية فيها نائمة، ولذا فمن غير المنطقي ولا المفيد إقحام الطفل في هذه المرحلة بما يوقظ غريزته قبل تفتحها أو يشغل تفكيره بما لا يفهم عنه كثيراً ولا يجد إلحاحاً ذاتياً وجسدياً يضغط عليه ويدفعه للخوض فيه أو الإلمام به.

وعندما يدخل الطفل مرحلة التمييز ويتعرف على وظيفة الأعضاء الجنسية والفوارق بين الذكر والأنثى ولو بشكل إجمالي فإن ذلك يفرض التعامل معه بوعي ودقة، ومن الضروري عدم تجاهل أسئلته في القضايا الجنسية مهما كانت محرجة، وبالأولى أنه لا يجوز تجهيله وتضليله وإعطائه أجوبة كاذبة، لكن أعاود التأکید علی توخي الحذر وأن تتم مكاشفته بهذه الأمور بطريقة تناسب عمره وتراعي وعيه وفهمه، ولا تخلق لديه مشكلة من قبيل ماذكرناه من إيقاظ الحس الغرائزي لديه قبل أوانه،

وإننا نلاحظ أن ثمة خطاً يقع فيه الكثيرون من الآباء والأمهات بسبب جهلهم أو تجاهلهم لحساسية هذه المرحلة العمرية ومتطلباتها فيندفعون أحياناً إلى بعض الممارسات الجنسية بحضور الطفل المميز وعلى مرأى ومسمع منه، الأمر الذي يدفعه إلى محاكاة ما رأته عيناه مع بعض أقرانه وإخوانه، مما يخلق له وللأسرة وللمجتمع برمته مشاكل خلقية وتربوية، ومن هنا جاءت التوصية الدينية التربوية للأزواج باجتناب المعاشرة بحضور الأطفال”. ( راجع وسائل الشيعة ج 20/ 132 ومابعدها ، الباب 66 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

 

الجنس والعیب

وتزداد العناية بالموضوع الجنسي إذا شارف الطفل على البلوغ ودخل سن المراهقة وأخذت الغريزة والحواس الجنسية بالتفتح والتقيظ وبانت التغيرات الجسدية المعهودة في هذه المرحلة، إن هذه الفترة الحساسة من عمر الطفل تفرض المزيد من الاهتمام والتعاطي بطريقة مختلفة عما سبقها، وتحتم توجيه الطفل بدقة بالغة وتفسير بعض التغيرات الطارئة علی جسمه وتنبیهه من الوقوع في شباک المنحرفین والمخادعین، ولا يجوز بحالٍ إهماله وتعمية الحقائق عليه كما يفعل بعض الآباء والأمهات الذي لا ينفتحون على هموم ومشاكل وأسئلة أبنائهم الذكور أو الإناث فى هذه المرحلة، بل ويمنعونهم من السؤال عن هذه القضايا بحجة أن ذلك عيب لا بدّ من التستر عليه ولا يصح الخوض فيه.

إن إحاطة القضية الجنسية والأعضاء التناسبية بأسرار من التعتيم والألغاز والتعامل معها وفق منطق العيب والعار هو مجرد عادات وتقاليد بالية لا تملك مبرراً شرعياً – كما أسلفنا في بداية هذا الكتاب – ولن يسهم ذلك في إيجاد المناعة الأخلاقية لدى المراهق كما قد يُتوهّم، بل إنه قد يزيد من فضوله المعرفي ويثير حفيظته لاكتشاف هذا العالم المجهول والجديد بالنسبة إليه ويدفعه إلى خوض بعض المغامرات المضرة به وبالاخرين، كما أن ذلك قد يصيبه بعقدة نفسية تجاه القضية الجنسية ويغدو أسير الكبت أو الخجل المفرط مما يؤثر على مستقبله وحياته الزوجية.

إن مرحلة المراهقة وتفتح الغريزة تستدعي رعاية خاصة وتعاملاً واعياً من قبل الأهل والمربين، حذراً من وقوع المراهق في تجربة خاطئة قبل اكتمال نضوجه الجنسي ورشده العقلي، مما قد يدمر مستقبله، وخشية وقوعه فريسة الاستغلال السيء لتجار الجنس والدعارة.

 

التربية الجنسية وليس الإثارة الجنسية

وفي هذا السياق يأتي التساؤل عن الموقف الشرعي ممّا يعرف بالتربية الجنسية في المدارس أو المعاهد أو في المنازل ؟

والحقيقة أنه لا يوجد مانع أو محذور شرعي من توجيه الطفل وتربيته جنسياً سواء من قبل الأهل أو المربين، شرط أن تتحرك هذه التربية بأسلوب علمی هادیء وهادف، بعيداً عن أجواء الإثارة كما هو الحال في بعض الاساليب التي تعتمد التطبيق والتجسيد وفي جو من الاختلاط بين الذكور والإناث، مما يجعلنا أمام إثارة جنسية وليس تربية جنسية.

وإننا ندعو المختصين من التربويين الإسلاميين وغيرهم إلى دراسة مدى الضرورة والحاجة إلى إقرار هذه المادة التدريسية في سن المراهقة، مع ما قد تتركه من سلبيات لجهة تأجيج الحس الغرائزي في هذه السن المبكرة، التي لا يملك فيها المراهق والمراهقة فرصة واقعية لإرواء الغريزة بالطريقة الشرعية ما قد يدفعهما في ظل عوامل الإثارة الكثيرة إلى اختيار طريق محظور وخاطىء بغية الإشباع الجنسي .

 

لا للفوضی الجنسیة

إننا نسوق هذا الكلام تقديراً منا للمصلحة الإنسانية وانطلاقاً من رؤيتنا الإسلامية الهادفة إلى حماية الأمة والمجتمع من مخاطر الانفلات الجنسى والتلوث الأخلاقي الذي تشيعه “الثقافة” أو “التربية” الغربية المعاصرة التی تطالب بتوفير وتأمين حق الحرية الجنسية للمراهقات والمراهقين، بعيداً عن أية ضوابط أو قيود.

إن هذا المنطق مرفوض بالنسبة لنا انطلاقاً من رفضنا للمفهوم الغربي للحرية والذي يرتكز في العمق على أساس مادي يغدو معه الإنسان وكأنه لا هم له إلا إشباع الشهوة وتحصيل اللذة، في تنكر واضح للرسالات السماوية وخروج بيّنٍ على كل القيم الروحية والمعنوية، نعم لقد استطاع الغرب أن يرفع من شأن قيمة الحرية لكن بما لامس حد الفوضى وتجاوز سائر القيم الإنسانية والأخلاقية الأخرى !

 

دعارة الأطفال

وفي هذا السياق نرى لزاماً علينا التنديد بظاهرة سيئة منتشرة في بعض دول العالم کتایلاند والهند والبرازیل وغیرها من الدول وهي ما يعرف بدعارة الأطفال، حيث تعمد بعض الجهات غير المسؤولة على استغلال الظروف المادية الصعبة لكثير من الأطفال أو ذويهم، ويتم تحويلهم إلى سلعة رخيصة في سوق الدعارة الذي لا يقل بشاعة عن سوق النخاسة، لأنه يسيء إلى كرامة الطفل ويمتهن الطفولة بإدخالها في عملية رخيصة لا أخلاقية، ولذلك فإن العالم المتحضر مدعو إلى الوقوف بحزم في وجه هذه التجارة الدنيئة وتجريمها وملاحقة القائمين عليها وجلبهم إلى أقفاص الإتهام والعدالة.

 

المنزل والمناعة الأخلاقية

إن الإسلام يرى أن الأسرة هي المعقل الأول في وجه الاختراق الأخلاقي ولها الدور الأساسي في حفظ وتعزيز المناعة الأخلاقية لدى الأطفال، وفي هذا الصدد يدعو إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تمنع من تحوّل الأسرة إلى خلية طوارىء جنسية وتبتعد بالجو الأسري عن الانحرافات الأخلاقية،

 

من هذه الإجراءات

ما تقدمت الإشارة إليه من ضرورة اجتناب الزوجين للمعاشرة بحضور الأطفال وبخاصة الممیزین .

ومنها: الحرص على تعليمهم بعض الآداب المرتبطة بهذا الشأن، كالاستئذان قبل الدخول على الأبوين وهما في غرفتهما الخاصة ، وخصوصاً في الأوقات التي يختلي بها الزوجان ويكونان في حالة غير ملائمة لدخول الاخرین علیهما.

و قد أشار القرآن الکریم إلی ثلاثة أوقات من هذا القبيل وقد عبّر عنها بالعورات، وذلك ما جاء في سورة النور : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58(

ومنها: العمل علی الفصل بین الذکور والإناث في المضاجع إذا بلغوا سن العاشرة، وهو السن الذي تبدأ فيه ملامح التفتح الغريزي أو الوعي الجنسی ، لا سيما عند الإناث ، كما أنه سن التمییز الکامل لدی غالبية الأطفال ذكوراً وإناثاً، مما يفرض اتخاذ إجراء استباقي تدريبي للحؤول دون السقوط في مفاسد الاشتراك في المضاجع،

وقد ورد فی أكثر من حديث عن النبي(ص) والأئمة من أهل بيته علیهم السلام التأكيد على أن: «يُفرّق بين الصبيان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين”.1 ( البحار 101/ 47. )

 

وبالأولى أن يتم إرشاد الأطفال في مرحلة التمييز وما بعدها إلى الابتعاد عن الملامسة الجسدية فيما بينهم كالعناق أو التقبيل، لأن هذا السلوك يساهم في إيقاظ الغرائز وتعويدهم على هذا السلوك، وقد يصعب بعد ذلك إقناعهم بتركه، ومن هنا ورد في الحديث عن الإمام الصادق علیه السلام: إذا بلغت الجارية ست سنين فلا یقبلها الغلام، والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين. (2) وسائل الشيعة ج 20/230، الباب 127 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 .

ولا بدّ أن يترافق ذلك مع حملة توعية تربوية وأخلاقية ودينية تستهدف توجيه الأطفال وإرشادهم إلى ما يصلحهم، وتنبيههم إلى ما يحفظهم ويحميهم من الانزلاق والوقوع في المخاطر، لا سيما أن أجواء الانحراف والفساد – في أيامنا هذه – غدت تقتحم البيوت دون استئذان عبر الشاشة الصغيرة “التلفزيون” أو من خلال شبكة “الأنترنت” أو غيرها من التقنيات الحديثة، مما يفرض مراقبة كاملة لسلوكيات الطفل ومتابعة مکثفة لکل تصرفاته وملاحقة مستمرة لكل صداقاته وعلاقاته، نعم من غير السليم أن تصل الرقابة إلى حد التجسس على الطفل أو إلى حدّ إحصاء أنفاسه أو كل ما من شأنه أن يظهر انعدام الثقة به أو اتهامه وتخوينه، فإن لذلك نتائج سلبية كثيرة وهو يُعبر عن سوء التربية.

 

التحسین لا الحبس

كما لا ينبغي أن يفهم من كلامنا أننا ندعو إلى حبس الأطفال داخل أسوار البيوت وإحاطتهم بحصون منيعة تحول دون انفتاحهم على ثقافة العصر والاستفادة من وسائله التقنية التي غدت ضرورة علمية وثقافية وحاجة لايستغني عنها غالب الناس،

فإن الدعوى إلى تجنب هذه الوسائل ومنع إدخالها إلى المنازل بحجة حماية الأطفال من الانحراف لا تملك مصداقية أو حجة شرعية.

فإنه بإزاء سلبيات هذه الوسائل يوجد لها فوائد كثيرة تفوق السلبيات، هذا مع إمكانية ضبطها والتخفيف من مفاسدها وسلبياتها، على أن الكثير من مظاهر الخلاعة والتهتك التي قد يراها الطفل على الشاشة أصبحت مألوفة لديه.

فهو يشاهد ذلك في الشوارع والحدائق والمتنزهات وعلى صفحات الجرائد والمجلات والملصقات المنتشرة في الساحات مما لا مجال لحجبه عنه إلا بحبسه داخل البيت، ولذا فإننا نعتقد أن الأهم هو العمل على تحصين الطفل – كما الفتى الشاب – داخلياً و روحياً بما يجعل لديه مناعة ذاتية تحرسه وتحميه من الانجراف مع كل أجواء التهتك والانحراف.

إن الأجدى – بدل إغماض عيني الطفل وبناء السدود حوله – العمل على تنوير قلبه وعقله وتحصينه من الداخل، فإذا هو امتلك الحصانة الذاتية فلن يخشى عليه بعد ذلك من التلوث بوحول المجتمع ومفاسده، بينما إغماض عينيه عما حوله لن يجدي نفعاً، لأن ذلك قد يعرّضه للسقوط أمام الإغراءات عندما تبصرها عيناه، لأنّ إغماض العيون لن يستمر إلى الأبد.

 

من كتاب “حقوق الطفل في الإسلام” للشيخ حسين الخشن

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 23 أغسطس 2017 - 10:27 بتوقيت مكة