عند الحديث عن «مثلث الموت» سيتبادر في ذهن الشخص مثلث برمودا، وهي تلك البقعة الجغرافية الأعمق في المحيط الأطلسي التي تشمل أضلاعها الثلاثة ولاية فلوريدا الأميركية، وجزر برمودا التابعة للمملكة المتحدة وجزر الباهاماس.
وأطلق اسم «مثلث الموت» على تلك المنطقة بسبب الحوادث الغريبة التي تشهدها منذ أكثر من 150 عاماً، من دون أن يستطيع أحد فك أسرارها، لكن حديثنا اليوم عن مثلث الموت الذي يقع في أجسامنا نحن البشر، وفي منطقة الوجه خاصةً، لأنه من أكثر المناطق الخطرة في جسم الانسان والتي يمكنها أن تهدد بالموت.
نعم، هناك منطقة في الوجه تعرف بـ «مثلث الموت» تتكون زوياها من جانبي الفم ومن أعلى نقطة في الحاجز الأنفي. وتكمن خطورة هذا المثلث لأنه مليء بالأوعية الدموية التي تصب مباشرة في الجيوب الكهفية الواقعة في الدماغ، ويسير الدم في هذه الأوعية باتجاه واحد فقط، ومن هنا يكون مصدر الخطر، لأن بإمكانها نقل أي عدوى تحصل في منطقة المثلث، أي في الفك العلوي والأنف وما يجاروهما، فقرب هذه المناطق من المخ يجعل البكتيريا تسرح وتمرح بسهولة لتصل الى عقر الدماغ، ما قد يؤدي الى مضاعفات قاتلة، مثل خراريج المخ، والتهابات السحايا، وارتفاع التوتر القحفي، والجلطات الدماغية التي كثيراً ما تفضي الى الموت.
وإن هذه المضاعفات تراجعت نتيجة استعمال المضادات الحيوية، لكنها ما زالت تحصل للأسباب الآتية:
– نتف شعر الأنف، فإن شعر الأنف يقوم بتصفية الهواء من الشوائب والأتربة والأجسام العالقة به كي لا تذهب الى قلب المجاري التنفسية، بالإضافة لتوفير الرطوبة للهواء الذي يمر من ممرات الأنف.
يحتوي الأنف على سلالات عدة من الجراثيم، فعندما تتم عملية نتف الشعر فإن جذوره تتحول الى أماكن مدماة تشبه الى حد بعيد الجروح المفتوحة الأمر الذي يجعل الطريق معبداً أمام الجراثيم لتصل الى الأوعية المتصلة بالدماغ مسببة التهابات خطيرة للغاية.
إن عادة نتف شعر الأنف قد تصبح عند البعض نوعاً من الهوس بحيث يؤثر سلباً في احترام الذات ويثـير السخرية ويوتر العلاقات مع الزملاء الذين لا يطيقون هذا السلوك، وإن التخلص من الضيق الذي يخلقه طول شعر الأنف لا يجب أن يتم من خلال عملية النتف بالملقط أو بواسطة الأصابع، بل بقص الشعر بالمقص أو بالحلاقة الكهربائية.
– نكش الأنف، إن هذه العادة السيئة المنتشرة بكثرة عند الصغار والكبار، فهي تسهّل الطريق أمام عدوى محلية يمكن أن ترحل الى منطقة المخ. وفي هذا الإطار كشفت دراسة هولندية أن نكش الأنف يمكن أن يساعد على التقاط الالتهابات الميكروبية وأن الأشخاص الذين يقومون بذلك هم أكثر عرضة للإصابة بالبكتيريا العنقودية في الأنف مقارنة بالأشخاص الآخرين الذين لا يقومون بعادة النكش.
وبعد اجراء الفحوص النوعية وجد المشرفون على الدراسة أن تجمعات البكتيريا السيئة كانت ملحوظة عند الفئة التي تنكش الأنف في شكل مستمر، خصوصاً البكتيريا العنقودية الذهبية المعروفة بخطورتها ومقاومتها للمضادات الحيوية.
– فقء بثور الوجه، إن القيام بذلك في منطقة مثلث الوجه يساهم في فتح المسامات وإحداث جروح مجهرية تسهّل عبور البكتيريا الموجودة على اليد الى المنطقة المصابة فيحدث التهاب يتحول الى خزان يعج بالبكتيريا التي سرعان ما تسافر الى الجيب الكهفي في الدماغ فيصاب هو الآخر بالالتهاب.
– تسوس أسنان الفك العلوي. تعتبر الأسنان المتسوسة البوابة المثالية لدخول البكتيريا إلى القنوات العصبية للأسنان وإلى عمق اللثة وإلى الجيوب الأنفية المحاذية للأسنان العلوية، وهذا كله يهيىء البيئة المثالية لتشكيل بؤر التهابية يمكنها أن تصل فوراً الى الدماغ، من هنا أهمية تشخيص تسوس الأسنان باكراً من أجل علاجه وتجنب اختلاطاته الآنية والمستقبلية.
– التهابات الجيوب الأنفية، إن الجيوب الأنفية هي عبارة عن مجموعة من الفراغات التي تكون على اتصال وثيق بالدماغ، من هنا فإن أي حدث التهابي يطاول تلك الفراغات يمكن أن يشكل خطر مباشراً على جيران الجيوب الأنفية، خصوصاً الأعصاب والعينين والدماغ والعضلات، والتهاب الجيوب الحاد يجب أن يعالج بصرامة للتخلص منه، لأن أي تقاعس في هذا المجال يعرّض لاستيطان التهاب الجيوب المزمن الذي يؤدي الى مضاعفات خطيرة، مثل التهاب السحايا، واضطرابات في الرؤية، وتشكل أمهات الدم والجلطات الدماغية.
إن الوجه ليس مجرد ملامح وإطلالة وبشرة، بل هو منطقة تحتوي على مثلث خطر للغاية، وإن التعامل باستخفاف مع منطقة هذا المثلث، مثل نتف الشعر من الأنف، والعبث بالأنف، وفقء البثور، وإهمال تسوس الأسنان، والتقاعس في علاج التهاب الجيوب الأنفية، يمكن أن تفتح أبواب العالم الثاني في شكل أو آخر.
المصدر: شاشة نيوز