المساجد ودورها في تحقيق الأمن

الإثنين 21 أغسطس 2017 - 10:24 بتوقيت مكة
المساجد ودورها في تحقيق الأمن

أفكار ورؤى - الكوثر

معنى السجود والمساجد

يقول الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن:

أصل السجود: التطامن والتذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان، والحيوانات، والجمادات، وهو ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان، وبه يستحق الثواب، نحو قوله: (فاسجدوا لله واعبدوا) ، أي: تذللوا له، وسجود تسخير، وهو للإنسان، والحيوانات، والنبات، وعلى ذلك قوله: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) وقوله: (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله)، فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم وقوله: (اسجدوا لآدم)، قيل: أمروا بأن يتخذوه قبلة، وقيل: أمروا بالتذلل له، والقيام بمصالحه، ومصالح أولاده، فائتمروا إلا إبليس، وقوله: (ادخلوا الباب سجدا)، أي: متذللين منقادين، وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن، وسجود الشكر، وقد يعبر به عن الصلاة بقوله: (وأدبار السجود) أي: أدبار الصلاة، والمسجد: موضع الصلاة اعتبارا بالسجود، وقوله: (وأن المساجد لله)، قيل: عني به الأرض، وقيل: المساجد: مواضع السجود: الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان.

المساجد إذا هي أماكن الصلاة وقد حملت هذا الإسم لاختصاص الصلاة في الإسلام بالسجود لله عز وجل على الأرض وقد ورد في الحديث الشريف (جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا).

المساجد – حال توافر الشروط اللازمة - هي بيوت الله عز وجل التي طهرها وهيأها لاستضافة عباده المؤمنين ليتوجهوا بالعبادة الخالصة نحو خالقهم عز وجل وعندها تصبح المساجد (مساجد الله)، أما إذا تخلف شرط من هذه الشروط عندها تصبح (مساجد للضرار) لا يراد بها وجه الله بل هي مجرد خدعة يراد بها إيقاع الضرر بأمة لا إله إلا الله وبث الفرقة والفتنة بين صفوف المسلمين.

يقول تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) .

الشروط التي يكون بها المسجد البناء بيتا من بيوت الله ومسجدا لله وردت في سورة البقرة عندما حكى القرآن الكريم كيف أسس نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء أول بيت وضع للناس في مكة وهو المسجد الحرام حيث يقول سبحانه:

(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) .

القاعدة الأولى في بناء (مساجد الله) وليس مساجد الضرار هي قاعدة التوحيد الخالص والحنيفية السمحاء التي وضع قواعدها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، تلك النبوة التي وضعت حجر الأساس في إعادة توجيه مسار البشرية نحو التوحيد الخالص والإخلاص لرب العالمين بعيدا عن أوهام تجسيد الذات الإلهية والاعتقاد بأن هذه الأصنام المنحوتة أو الموهومة يمكن لها أن تضر وتنفع أو أن يكون لها شفاعة بغير الإذن الإلهي.

القاعدة الثانية التي قررتها الإرادة الإلهية والتي وردت في الآيات السابقة أن الإمامة مرحلة تالية ومتممة للبعثة الإبراهيمية وهي ذروة التكامل في حركة النبوة وهي باقية وممتدة في أمة محمد أو أمة التوحيد التي ورثت الحنيفية السمحاء وحملت رسالتها إلى يوم الدين (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فجاء الجواب (نعم تكون الإمامة في ذريتك ولكن لا ينالها إلا من حمل نفس الصفات والمؤهلات التي حملها أبو الأنبياء إبراهيم (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

أما القاعدة الثالثة التي اكتسبها المكان والذي أصبح بيتا لله ببركة إبراهيم وإسماعيل ثم أضحى مثابة للناس هو (الأمن) وهو ليس أمن النظم الحاكمة القمعية المستبدة بل أمان الله وأمان الإيمان وأمن المجتمع المسلم من الوقوع في الفتن والضلال لتأتي هذه النفوس آمنة يوم الفزع الأكبر وتثبت على جوانب المزلق ومن ثم فهو أمن الأمة وأمن المجتمع المسلم المتراحم والخاضع لله رب العالمين.

(الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) .

الأمن الحقيقي هو الأمن من الفزع الأكبر وهو سلوك طريق الهداية وصراط الله المستقيم (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) .

الأمن الحقيقي هو نزع الذرائع التي تدفع الناس لارتكاب الجرائم خاصة جرائم القتل وأسوأها تلك التي ترتكب باسم الدين وهي الظاهرة التي عرفها تاريخنا الإسلامي من خلال ارتكابات الجماعات الخوارجية الضالة والمضلة والتي عاودت ظهورها في الآونة الأخيرة على نطاق واسع بعد أن استولى قادة هذا التيار بالتعاون والتنسيق مع التيارات السلطوية على مساجد الله وجعلوا منها أداة لإدامة ظلمهم وإرهابهم.

أما القاعدة الرابعة التي ينبغي توفرها في بيت الله أو مساجد الله فهي الطهارة والتطهير.

الطهارة الحسية عبر اتباع مجموعة القواعد الشرعية التي تحقق هذه الطهارة مثل التطهر من النجاسات المادية والغسل والوضوء والطهارة المعنوية من الشرك والوثنية (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور).

الطهارة الحسية والمعنوية للمساجد لا تتحقق إلا بالتجرد لله رب العالمين وابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى ومن ثم تنزيه المساجد عن أن تكون مقرات للدعاية للنظم الطاغوتية المعادية لتطلعات الأمة والمتحالفة في آن واحد مع النظام الطاغوتي الاستكباري العالمي.

أن تكون المساجد أسيرة بيد هؤلاء الطغاة المستبدين فهي أبعد ما تكون عن الطهر والتطهر.

القاعدة الخامسة هي حدود المكان وهي قواعد البيت وحدوده (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) وهي المهمة التي تعطي المسجد موقعا وعنوانا محددا وهي في النهاية مهمة مكملة للقواعد والأسس التي أوردناها سابقا مثل النبوة والإمامة والتوحيد والتطهير ولكنها لا تكفي بمفردها لأن تنمح المكان صفة مساجد الله أو بيت الله.

هكذا ووفقا لكتاب الله عز وجل لا يكفي على الإطلاق أن يبنى مكان يحمل الشكل الخارجي للمسجد ويجري زركشته من الداخل بآيات القرآن الكريم كي ينال صفة (مساجد الله).

شكل الدور الذي اضطلع به أبو الأنبياء إبراهيم ووصيه ووارث علمه إسماعيل عليه السلام في بناء المسجد الحرام ورفع قواعده وتطهيره النواة الصلبة للأمة الإسلامية جيلا بعد جيل (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) التي التحق بها بعد ذلك كل من اعتنق ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين وهي أمة تحتاج إلى تواصل مدد الهداية الرباني جيلا بعد جيل وصولا إلى يوم تحتاج فيه البشرية جمعاء والأمة المسلمة على وجه الخصوص التي رسم معالم تواجدها من خلال بناء المسجد الحرام إلى رسول الله الأعظم، خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله ليكمل المهمة ويضع اللبنة الأخيرة في صرح النهضة والترقي البشري وصولا للكمالات الإلهية التي لا غنى للإنسان السوي عنها (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

لقد رسمت تلك الآيات معالم حركة النبوة الإبراهيمية وارتباطها ببناء المسجد الحرام الذي يتوجه المصلون إليه بأفئدتهم ووجوههم ويرتبطون به ارتباط النجوم بمركز دورانها.

النبوة والطهارة والإمامة والأمن من الضلال، حيث يجتمع كل هذا في مكان له أربع أركان يضع الناس فيه جباههم على الأرض سجدا لله مخبتين ممتثلين له وهو ما يشكل قاعدة الانطلاق نحو الأمام، نحو الرقي والكمال والحكمة والتزكية والحضارة.

شتان بين أَمامنا وأَمام غيرنا من الأمم التي رضيت بالحياة الدنيا واطمأنت لها وتمادت في المعاصي ويقولون سيغفر لنا وسول لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون.

شتان أيضا بين أمة لزمت طاعة نبيها وإمامها وأمة اتخذت الشياطين أولياء من دون الله (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) .

 

الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه!!

قلنا من قبل أن (مساجد الله) ليست حالة قائمة بذاتها ولا منفصلة عن حزمة المبادئ والقواعد التي أرساها التوحيد الإبراهيمي والتي أوردها كتاب الله عز وجل في الآيات السابقة.

يقول تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .

حاولت أن أفهم هذه الآية من خلال كتب التفسير فلم أعثر على ما يشفي غليلي.

الجريمة التي ارتكبها هؤلاء الظلمة هو منعهم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعيهم في خرابها وهي جريمة لا تخص مسجداً دون مسجد بل هو أمر متعلق بكل المساجد.

لو كان المجرم شخصا أو مجموعة من الأشخاص لقال سبحانه (ومن أظلم ممن منع مسجدا لله أن يذكر فيه اسمه) ولم يقل (مساجد الله) بصيغة العموم.

لم يحدث على مدى التاريخ الإسلامي أن تعرضت مساجد العالم الإسلامي لحالة منع عام أن يذكر فيها اسمه.

وحتى عندما تعرضت المساجد في بقعة من بقعة من البقاع لعمل تخريبي كانت هناك بقاع وبقاع تزخر بأعداد وافرة من المساجد التي (يذكر فيها اسم الله) أقله من الناحية الشكلية.

لا يتعلق الأمر من وجهة نظرنا بالكفار الصرحاء لأن عداءهم للإسلام معروف وليس هناك من يطالبهم بالعدل الذي هو نقيض الظلم.

نلاحظ أيضا أن كلمة (سعى في خرابها) تحمل معنى التراخي وليس التخريب والهدم الفوري الذي لا يحتاج لأكثر من قرار ينفذه مجموعة من عمال الهدم وقد حدث هذا بالفعل سواء عندما حكمت الشيوعية بعض بلدان العالم الإسلامي.

الاتهام الوارد في الآية الكريمة من وجهة نظرنا موجه لأعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الذين سعوا لتفريغ مساجد الله من محتواها التوحيدي الإبراهيمي ومن كل ارتباط بخط الولاية والإمامة ومن ثم فقد كان هذا تخريبا لها ومنعا لها أن يذكر فيها اسمه على وجه الحقيقة وإن احتفظت هذه المساجد بشكلها الخارجي.

ألم يقل الحجاج الثقفي واصفا مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله: (الحمد الله الذي أخرجني من أم نتن، أهلها أخبث بلد وأغشه لأمير المؤمنين وأحسدهم له على نعمة الله، والله لو ما كنت تأتيني كتب أمير المؤمنين فيهم لجعلتها مثل جوف الحمار أعواداً يهودون بها ورمة قد بليت)، "يعني بذلك منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقبره صلى الله عليه وآله وسلم. فبلغ جابر بن عبد الله قوله فقال: إن وراءه ما يسوءه، قد قال فرعون ما قال ثم أخذه الله بعد أن أنظره" .

كما ذكر ابن عبد ربه في (العقد الفريد) لائحة الأسباب التي دعت العلماء لإكفار الحجاج الثقفي ومن بينها قولُه عندما رَأى الناسَ يطوفون بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومِنبره‏:‏ إنما يطوفون بأعواد ورِمَّة‏.‏

وكلمة (رِمّةٍ) هنا يقصد بها ذلك الملعون المقام الطاهر للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله!!.

 

ما هو الفارق بين الأمويين والوهابيين؟!.

ليس ثمة فارق جوهري!!.

روى ابن جرير الطبري: وفي سنة 50 للهجرة أمر معاوية بمنبر رسول الله أن يحمل إلى الشام فحرك فكسفت الشمس حتى رئيت النجوم بادية يومئذ فأعظم الناس ذلك فقال لم أرد حمله إنما خفت أن يكون قد أرض فنظرت إليه ثم كساه يومئذ وذكر محمد بن عمر أنه حدثه بذلك خالد بن القاسم عن شعيب بن عمرو الأموي قال محمد بن عمر حدثني يحيى بن سعيد بن دينار عن أبيه قال: قال معاوية إني رأيت أن منبر رسول الله وعصاه لا يتركان بالمدينة وهم قتلة أمير المؤمنين عثمان وأعداؤه فلما قدم طلب العصا وهي عند سعد القرظ فجاءه أبو هريرة وجابر بن عبد الله فقالا يا أمير المؤمنين نذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا فإن هذا لا يصلح تخرج منبر رسول الله من موضع وضعه وتخرج عصاه إلى الشام فانقل المسجد فأقصر وزاد فيه ست درجات فهو اليوم ثماني درجات واعتذر إلى الناس مما صنع قال محمد بن عمر وحدثني سويد بن عبد العزيز عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبان بن صالح عن قبيصة بن ذؤيب قال كان عبد الملك قد هم بالمنبر فقال له قبيصة بن ذؤيب أذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا وأن تحوله إن أمير المؤمنين معاوية حركه فكسفت الشمس وقال رسول الله من حلف على منبري آثما فليتبوأ مقعده من النار فتخرجه من المدينة وهو مقطع الحقوق بينهم بالمدينة فأقصر عبد الملك عن ذلك وكف عن أن يذكره فلما كان الوليد وحج هم بذلك وقال خبراني عنه وما أراني إلا سأفعل فأرسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد العزيز فقال كلم صاحبك يتق الله عز وجل ولا يتعرض لله سبحانه ولسخطه فكلمه عمر بن عبد العزيز فأقصر وكف عن ذكره فلما حج سليمان بن عبد الملك أخبره عمر بن عبد العزيز بما كان الوليد هم به وإرسال سعيد بن المسيب إليه فقال سليمان ما كنت أحب أن يذكر هذا عن أمير المؤمنين عبد الملك ولا عن الوليد، هذا مكابرة وما لنا ولهذا؟؟!! أخذنا الدنيا فهي في أيدينا ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله إلى ما قبلنا هذا ما لا يصلح .

المعنى الذي نستخلصه مما سبق أنه لا أحد اجترأ على تفريغ مساجد الله من مضمونها ومن أهم أركانها، مثلما اجترأ الأمويون القدامى وأحفادهم من الوهابيين الجدد الذين يرون أن إزالة رموز النبوة والولاية من مساجد الله واجبا شرعيا عقائديا وهو (تطهير للمساجد من الأنصاب والأوثان والأزلام) الذي لا يختلف عما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله ومن قبله أبو الأنبياء إبراهيم من تطهير أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين.

لقد فُرغت أغلب المساجد عبر الأمويين وأحفادهم الوهابيين بالفعل من كل ما يربط المسلمين ربطا حقيقيا بخالقهم وهو خط الولاية الذي أمروا بالتزامه حيث حل محله منهج التدين بالبدع والأهواء ورغم كل ذلك فهم يطلقون على بدعهم (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) وهذا عين المقصود بقوله تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) أي حرف هذه المساجد عن مهمتها الأساسية كحاضنة للتوحيد الإبراهيمي ونقطة انطلاق لتزكية وتعليم الأمة الإسلامية.

الثمرة المرة والفاجعة التي حصدها المسلمون وقادة التيار المعادي للولاية هو انعدام الأمن وانتشار الإرهاب (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) حيث أصبح قادة هذا التيار يعانون من الخوف وانعدام الأمن بعد أن تحول كثير من المساجد إلى نقاط انطلاق لبث الفتنة وإطلاق دعاوى التكفير وأصبحت (ظاهرة التطرف) هي القانون السائد في أغلب المجتمعات الإسلامية لأن من سل سيف البغي قطع به وكما تزرع تحصد!!.

بدلا من أن تصبح بيوت لله (مثابة للناس وأمنا) أصبحت قاعدة لبث الدعاية الأموية والوهابية التكفيرية تارة أخرى ومنطلقا لاستباحة دماء المسلمين ومركزا لوضع الخطط للعدوان على الأبرياء الآمنين.

ورغم أن أغلب النظم السياسية الحاكمة الآن تشكل امتدادا للحكم الأموي إلا أنها قد وقعت في البئر التي حفرتها وأضحت الآن تتلفت حولها في حيرة في محاولة للبحث عن مخرج من ورطة انعدام الأمن وانتشار الإرهاب الناجمة عن انتشار الفكر الوهابي التكفيري المعادي للنبوة والولاية إلا أنها تسعى جاهدة في نفس الوقت للتصدي لكل من يسعى لإعادة ربط المسلمين بحقيقة التوحيد الإبراهيمي ووصلهم بمنهج الولاية أي أنهم يفعلون الشيء ونقيضه وهو ما يعد نوعا من انعدام العقل والخسران المبين.

لا نرى مخرجا للمسلمين من ورطة انعدام الأمن وتفشي ظاهرة الإرهاب إلا بالعودة إلى القواعد الإبراهيمية الخمس التي بني عليها أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا (المسجد الحرام) وهي التوحيد والنبوة والإمامة والأمن والتطهير.

*الدكتور أحمد راسم النفيس

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 21 أغسطس 2017 - 10:24 بتوقيت مكة