منذ حرق المسجد الأقصى في الـ21 من آب (أغسطس) عام 1969، يعيش الفلسطينيون الحادثة وكأنها جرت بالأمس لا سيما أهالي مدينة القدس والمرابطين والمصلين في المسجد المبارك، حتى باتت هذه الذكرى بالنسبة لهم ناراً لم يبرد أوراها في قلوبهم رغم مرور 48 عاماً على ارتكابها.
كان المستوطن المتطرف أسترالي الجنسية "دينس مايكل" هو الذي نفذ جريمة الحرق، وذلك بعد عامين من احتلال (إسرائيل) لشرقي مدينة القدس إبان "نكسة" عام 1967.
واندلعت النيران آنذاك في الجناح الشرقي للمصلى الواقع في الجهة الجنوبية من المسجد الأقصى، وامتدت ألسنتها حتى أتت على واجهات المسجد الأقصى وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، مما تطلب سنوات لترميمه وإعادة زخارفه كما كانت، وفقًا لما وثقته مصادر تاريخية.
والتهمت النيران أيضًا منبر المسجد التاريخي الذي أحضره صلاح الدين الأيوبي من مدينة حلب، وذلك عندما استعاد المسلمون بيت المقدس عام 1187م، وقد كانت لهذا المنبر الجميل مكانة خاصة، حيث إن السلطان نور الدين زنكي هو الذي أمر بإعداده ليوم تحرير الأقصى.
وتبين أن المادة الحارقة شديدة الاشتعال سكبت من داخل المصلى القبلي ومن خارجه.
وبينما قام الاحتلال بقطع الماء عن المصلى القبلي ومحيطه، وتباطأ في إرسال سيارات الإطفاء، هرع الفلسطينيون إلى إخماد النيران، بملابسهم وبالمياه الموجودة في آبار المسجد الأقصى.
وفي حينه، علَّقت رئيسة وزراء الاحتلال غولدا مائير، على الموقف العربي قائلة: "عندما حُرق الأقصى لم أنم تلك الليلة، واعتقدت أن (إسرائيل) ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق"، بحسب المصادر التاريخية.
لهيبٌ لم ينطفئ!
وفي هذا الصدد، أكد نائب رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 48، الشيخ كمال الخطيب، أن حريق المسجد الأقصى وإن أطفئ قبل 48 عامًا؛ إلا أن لهيب جمرته ما زال موجودًا في الحقيقة.
وفسر الخطيب في تصريح لـ"فلسطين"، ذلك بالحال التي آل إليها المسجد الأقصى بفعل الاستهداف الإسرائيلي المتعمد، لافتًا الأنظار إلى أن انتهاكات الاحتلال المتعددة أصبحت أخطر من حريق الأقصى خاصة ما يتعلق بأعمال الحفر أسفل المسجد، والاقتحامات اليومية وتدنيسه من قِبل المتطرفين اليهود بحراسة مشددة من شرطة الاحتلال وقواته.
وكانت محاولة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بحسب الخطيب، فرض واقع جديد في محيط المسجد بوضع بوابات الكترونية أمام أبواب الأقصى تحول دون وصول المصلين إلى ساحاته إلا بالمرور عبر هذه البوابات، من أخطر الانتهاكات التي حصلت، مؤخرًا، إلا أن الاحتلال لم يتمكن من تمريرها، وانتصر المقدسيون في معركتهم.
واعتبر أن "لهيب الأقصى ما زال موجودًا"، فلطالما بنت (إسرائيل) عشرات الكنس اليهودية حول الأقصى وفي الأنفاق التي حفرت أسفله أيضًا، وتصاعد دعوات هدم الأقصى وبناء "الهيكل" المزعوم، بترويج من وزراء إسرائيليين وليس من حركات دينية متطرفة لوحدها.
وشدد نائب رئيس الحركة الإسلامية، على أن "النار التي أتت على منبر صلاح الدين لم تحرق خشب المنبر بقدر ما أحرقت كرامة الأمة وتركت فيها جرحًا لم يندمل".
وأمام ما تعرض له الأقصى وما يتعرض له الآن، يرى الشيخ الخطيب، أن أفضل الوسائل التي يمكن للفلسطينيين الدفاع بها عن المسجد المبارك، هي الرباط والثبات والصمود والتحمل مهما اشتد الظلم، وأن يقدم من أجل ذلك الغالي والنفيس حتى زوال الاحتلال.
وأضاف: "الدفاع عن الأقصى وحمايته مهمة الأمة كلها وليس الفلسطينيين وحدهم، لكن في ظل وجود أنظمة متواطئة باتت تنسق مع (إسرائيل) وتعشقها، وسلطة فلسطينية أدمنت التنسيق الأمني وتستمد وجودها منه، يجعل المرحلة ليست سهلة (..) رغم ذلك شعبنا عليه ألا يتعب وألا يمل، وألا يتخلى عن دوره الذي تنظر له الأمة بإكبار بأن يؤدي الدور عنها أيضًا في الدفاع عن القدس والأقصى".
القدس.. لم تسلم!
علاوةً على ما تعرض له المسجد الأقصى خلال السنوات الماضية، فقد استهدف الاحتلال أيضًا مدينة القدس سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا وتعليميًا وثقافيًا، بحسب رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث ناجح بكيرات.
وأضاف بكيرات في حديث لـ"فلسطين"، لقد خططت دولة الاحتلال على جميع المستويات، لتجفيف منابع الهوية المقدسية الفلسطينية العربية الإسلامية، فصادرت آلاف الدونمات من المدينة ومحيطها لبناء المستوطنات.
وأكد أن الاحتلال حاول تشتيت الوجود العربي ببناء جدار الفصل العنصري الذي حاصر مدينة القدس وقطَّع أوصالها، كذلك حاول تعميم المنهاج الإسرائيلي التعليمي في مدارس مدينة القدس.
ولم يترك الاحتلال أيضًا القطاع الصحي، وقام باستهداف المراكز والمؤسسات الصحية، ولم تبق سوى واحدة أو اثنتين، منها مستشفى "المقاصد" التي أرهقتها ضرائب الاحتلال.
وأضاف: "قامت (إسرائيل) بإضعاف السوق العربية في القدس المحتلة مقابل تقوية الأسواق الإسرائيلية مستهدفة اقتصاد المدينة المقدسة".
وتابع "نحن أمام واقع خطير جدًا.. حرب الاقتحامات زادت للمسجد الأقصى، وحريق المسجد الأقصى لم ينته حتى الآن؛ فهناك حرائق أشعلتها (إسرائيل) في القدس وامتدت إلى كل الأرض الفلسطينية، وعواصم عربية (...) نعيش مع عقيدة تؤمن بالحرق والهدم".
وأكمل بكيرات "هناك تشجيع لليهود للقدوم إلى مدينة القدس في الوقت الذي يُهجَّر فيه أهلها المقدسيون من خلال ارتكاب الاحتلال سلسلة انتهاكات بحقهم".
وأشار بكيرات إلى استمرار حفريات الاحتلال التي صودرت بفعلها القصور الأموية بمحاذاة المسجد الأقصى.
وأكد أن صمود ووحدة المقدسيين قدما نموذجًا من النضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الذي يسعى إلى تفكيك هذا الصمود والانتقام منه، مضيفًا "حرائق وجرائم الاحتلال في القدس وبحق الأقصى لم تنته، ونحن بحاجة إلى حاضنة فلسطينية موحدة قوية".
المصدر: فلسطين أون لاين