وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن سكان منطقة العوامية يشهدون اليوم اندثارا تدريجيا لتاريخ منطقتهم؛ بسبب الممارسات العسكرية التي تفرضها عائلة آل سعود. في الواقع، تعدّ هذه المنطقة ذات أهمية تاريخية وإستراتيجية كبيرة بالنسبة للمملكة. ويعود الفضل في ذلك إلى موقعها الجغرافي، وتاريخها الديني والثقافي، الذي من شأنه أن يجعلها هدفا واضحا لعائلة آل سعود، شأنها شأن العاصمة اليمنية صنعاء.
وأفادت الصحيفة بأن منطقة العوامية، الواقعة في محافظة القطيف على مقربة من الساحل الشرقي للبلاد، تعيش على وقع "غضب" عائلة آل سعود، منذ أوائل سنة 2017. فمنذ عدة أشهر، أمرت الرياض بفرض الحصار على كافة أراضي المنطقة، التي تتضمن العديد من المواقع الأثرية التي تشهد على ديناميكيتها التاريخية، فضلا عن هدم المنازل والمساجد في مركزها التاريخي "المصارة".
وتجدر الإشارة إلى أن المركز التاريخي، المصارة، لا يعدّ فقط من أهم المعالم التاريخية التي تتميز بها المحافظة، بل ينم أيضا عن مجموعة كبيرة من الأدلة التاريخية التي تثبت عراقة العوامية وأهميتها. أما اليوم، فيبدو أن هذه المدينة دمرت بالكامل بسبب التفجيرات.
وفي هذا الصدد، أفاد مصدر رسمي تابع للقوات الخاصة السعودية بأن التفجيرات أجبرت ما يربو على 20 ألف ساكن على ترك منازلهم.
وبينت الصحيفة أن الرياض تسعى إلى تدمير معالم مدينة العوامية؛ قصد إعادة إعمارها بالمساكن الحديثة، وبعلّة العمل على توفير وسائل الراحة المتطورة لفائدة سكانها، وذلك وفقا لما نصت عليه الوثائق الرسمية. ولتحقيق مبتغاها، أوكلت الرياض مهمة إعادة تهيئة المصارة إلى الشركات الخاصة، التي ستقوم بدورها بتشييد منازل جديدة ومركز تسوق، على الرغم من رفض السكان ومقاومتهم.
وأضافت الصحيفة أن السلطات المركزية السعودية شرعت في تنفيذ مخططها بطريقة غير مباشرة وغير مشكوك فيها، تمثلت في تعيين موظفين في تلك المنطقة؛ لبدء أشغال إمدادات المياه والكهرباء، قبل إرسال الفرق الأمنية وانطلاق عمليات الهدم.
وعلى خلفية هذه الأشغال، اضطر العديد من السكان إلى مغادرة منازلهم والتوجه إلى أماكن أخرى. ومع ذلك، شهدت السلطات السعودية مقاومة من بعض السكان، الذين رفضوا ترك منازلهم؛ لكن الرياض لم تتوان عن فرض الحصار، والإقدام على خطوة الترحيل القسري، التي لا تزال جارية.
وذكرت الصحيفة أن وراء هذه الوثائق الرسمية والادعاءات الزائفة تقبع رغبة دفينة في ضرب الأقلية الشيعية الموجودة هناك. في الحقيقة، لا تقل عمليات الهدم والقتل -التي نفذتها الرياض لمعالم يعود تاريخها إلى خمسة قرون- وحشية عن العمليات التدميرية والوحشية التي نفذتها التنظيمات الإرهابية في كل من تدمر وأفغانستان.
وبالتالي، تسببت جميع عمليات الهدم والتدمير في محو رمزية تلك المعالم، وتجريد سكان تلك المناطق من تاريخهم. ولكن، في حين كان دافع الرياض "الحداثة"، اتخذت التنظيمات من الذرائع الدينية وسيلة لتبرير جرائمها.
وذكرت الصحيفة أن الرياض تدّعي أن ما تفعله في منطقة العوامية باسم "الحداثة"، لكنها في الحقيقة ترغب في ضرب الأقلية الشيعية الموجودة هناك منذ عدة قرون، علما بأن محافظة القطيف، خاصة العوامية والمصارة، كانت أول من رحب بالطائفة الشيعية.
وأضافت الصحيفة أن الرياض تعتزم محو كل ما من شأنه أن يرمز إلى الطائفة الشيعية الموجودة في محافظة القطيف، سواء من الناحية التاريخية أو الثقافية، وهذا يوضح مشروعها التدميري الذي ستجسده العمليات العسكرية.
وذكرت الصحيفة أن محافظة القطيف تعدّ بمثابة المرض الخبيث الذي يجب على عائلة آل سعود استئصاله؛ فقد أصبحت محافظة القطيف تثير القلق في المملكة منذ تولي آل سعود مقاليد الحكم.
وأضافت الصحيفة أن الاحتجاجات الأولى، التي نفذها شيعة القطيف سنة 1980، دفعت الرياض إلى إعادة النظر في سياسة التمييز والمقاطعة التي بدأتها. واتخذت هذا الإجراء لأنها وجدت أنه من غير الصائب أن تقاطع إحدى أغنى المناطق بالنفط، الذي يشكل العمود الفقري لاقتصادها وسياستها. وأفضت هذه الاحتجاجات إلى اعتراف الرياض بالأقلية الشيعية، وإبرام اتفاق سنة 1993، الذي يتضمن وعودا بتخصيص إصلاحات لهذه المنطقة.
وأوردت الصحيفة أن الثورات العربية، وما تبعها من توتر في الشرق الأوسط، كانت السبب الرئيسي لتغير سياسة الرياض تجاه هذه المحافظة. فخلال هذه السنوات، ساهم التوتر بين إيران والسعودية في تعزيز قرار آل سعود بقطع العلاقات مع شعب القطيف، وإعدام الزعيم الشيعي نمر النمر وبعض القادة الآخرين.
وفي الختام، نوهت الصحيفة بأن مخاوف الرياض ساهمت في تدمير تاريخ هذه المنطقة، علما بأن هذا السيناريو لا يختلف كثيرا عن ذلك الذي تعيشه صنعاء، حيث قصفت الطائرات السعودية أجمل مبانيها، ومحت تاريخها.
مورو إندلكاتو - لي أوكي ديلا غويرا
عربي 21