اقليم كردستان.. والطرق الموصدة امام الاستفتاء على الانفصال

الثلاثاء 1 أغسطس 2017 - 17:04 بتوقيت مكة
اقليم كردستان.. والطرق الموصدة امام الاستفتاء على الانفصال

وفق التوقيت الزمني لعملية اجراء الاستفتاء في اقليم كردستان، بحسب ما اعلن رئيس الاقليم مسعود البارزاني(25 ايلول-سبتمبر 2017)، يمكن اعتبار ان العد التنازلي لذلك الحدث قد بدأ، مع شروع مفوضية الانتخابات في الاقليم، واللجنة العليا للاستفتاء بالاجراءات الفنية واللوجيستية المطلوبة. بيد ان الامور على ارض الواقع، بالمساحات والاطر الاوسع والاشمل، تسير وتتحرك باتجاهات ومسارات مختلفة عما يسعى اليه ويتمناه بعض اصحاب القرار في الاقليم.

مقالات - الكوثر

هنالك ثلاث دوائر يتحرك في داخل فضائها موضوع الاستفتاء.

الدائرة الاولى، هي الدائرة الكردية، وعلى ما يبدو ان الامور ليست على ما يرام، ومع اقتراب موعد اجراء الاستفتاء، فانه بدلا من ان تنضج وتتوحد الرؤى في داخل البيت الكردي، وتتهيأ الارضيات والمناخات والاجواء لاجراء الاستفتاء، يلمس المراقب بشكل جلي زيادة حدة الاستقطابات والتقاطعات، اذ ان الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني، وحده المتحمس والمندفع لاجراء الاستفتاء، في حين ترفض حركة التغيير(كوران)، وكذلك الجماعة الاسلامية الكردية، اجراء الاستفتاء، وبحسب بيان صدر عقب اجتماع مشترك لهما في 11 تموز/ يوليو الجاري بمدينة السليمانية، اكدت الحركتان على "اجراء الانتخابات في وقتها المحدد، وتأجيل الاستفتاء الى ما بعد الانتخابات او بالتزامن معها، وعلى ضرورة تحقيق المصالحة الداخلية والوحدة الوطنية بشأن القضايا المصيرية عبر الحوار بين القوى السياسية". وبصورة اكثر وضوحا ندعو التغيير ومعها الجماعة الاسلامية الى اعادة تفعيل عمل البرلمان، وانتخاب رئيس جديد للاقليم بدلا عن البارزاني المنتهية ولايته منذ حوالي عامين.

بينما لا يتبنى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي تعصف بكيانه الخلافات الحادة والمشاكل الكبيرة، موقفا رافضا بوضوح لمشروع الاستفتاء، بيد انه في ذات الوقت لا يطرح موقفا داعما ومساندا بقوة لموقف البارزاني، علما ان وفدا من الاتحاد زار قبل اسابيع كل من ايران وتركيا، للتباحث اساسا حول الاستفتاء، وهو ما اثار حفيظة وتوجس الحزب الديمقراطي الكردستاني، لا سيما بعد ان ادلى اعضاء من الوفد الزائر لطهران وانقرة بتصريحات لا تدعم اجراء الاستفتاء في الظروف الراهنة.

الى جانب ذلك فإن حملات اعلامية منظمة ضد الاستفتاء انطلقت مؤخرا من جهات اعلامية تقف وراءها قوى سياسية كردية نافذة، ففي استطلاع اجرته قناة (NRT) المستقلة، تبين ان 61% يرفضون انفصال الاقليم عن العراق، وبحسب هذا الاستطلاع الذي شارك فيه 92 الف شخص، صوّت اكثر من 65 الفًا منهم برفض الانفصال، بينما صوت حوالي 35%  بـ"نعم".

فضلا عن ذلك، أعلن صاحب مجموعة "ناليا الاعلامية"، التي تمتلك القناة المذكورة، شاسوار عبد الواحد- وهو شقيق النائبة سروه عبد الواحد التابعة لحركة التغيير- اطلاق حملة "لا للاستفتاء"، وقال في تصريحات لوسائل اعلام اجنبية "ان الاسبوع المقبل سيشهد اطلاق حملة وتشكيل حركة لجمع واستحصال الاصوات المناهضة لاجراء الاستفتاء على استقلال اقليم كردستان، لأن الوقت لم يحن بعد لاجراء ذلك الاستفتاء، وانه ما من دولة خارجية تؤيد هذه الخطوة".

اما في اطار الدائرة -الوطنية-العراقية، فإن آخر تصريح لرئيس الوزراء حيدر العبادي، في مؤتمره الصحفي الاسبوعي يوم الثلاثاء الماضي، اختزل مجمل المواقف السياسية في بغداد حيال قضية الاستفتاء والانفصال، بقوله "لا وجود لإجراء استفتاء أحادي الجانب من قبل أي جهة ضمن الدستور العراقي، وإن هذا الاستفتاء غير شرعي وغير دستوري ولن نتعامل معه" .. وتساءل العبادي "من هي السلطة التي ستجري الاستفتاء في كردستان والجميع يعرف أن هناك أزمة حقيقية في ظل برلمان معطل ومؤسسات ووزارات مجمدة وعدم وجود توافق سياسي في الإقليم؟"، محذّرًا الاكراد "من السير في اتجاه إجراء هذا الاستفتاء لما له من انعكاسات سلبية على الجميع".

ورغم سعي البارزاني للحصول على اصوات داعمة لاستفتاء الاقليم في بغداد، الا ان تلك المساعي باءت بالفشل تقريبا، لأن المشهد السياسي العراقي بمختلف عناوينه وتلويناته، يرفض فكرة إجراء الاستفتاء الكردي، إما لكونه يفتقر الى الغطاء والمرتكز الدستوري، أو لأن الظروف الراهنة غير مهيأة لاجرائه، أو لأنه يمكن أن يمهد الطريق لتفكك وتقسيم البلاد.         

حتى القوى والشخصيات السياسية التي تنتمي للمكوّن الكردي الفيلي، لم تطرح موقفا مؤيدا وداعما للاستفتاء، والبعض منها نأى  بنفسه عن ابداء رأيه بذلك، والبعض الاخر، اثار مخاوف وهواجس مبررة ومعقولة ومنطقية.

وفيما يتعلق بالدائرة الدولية، فيكفي التوقف عند ما تسرب من معلومات عن نتائج مباحثات البارزاني الاخيرة مع الساسة الاوروبيين في بروكسل وباريس وعواصم اوربية اخرى، اذ ان عددًا من اعضاء البرلمان الاوربي ومسؤوليين حكوميين اوروبيين، تحدثوا بصراحة كبيرة مع البارزاني، تسببت في انزعاجه وامتعاضه، واكثر من ذلك شكلت له صدمة شديدة، فهم قالوا له "هل كل شركائك الاكراد يؤيدون الاستفتاء والانفصال ام لا، لاننا سمعنا ان اكثرهم يرفضون ذلك؟"، "وهل وافقت حكومة بغداد على تلك الخطوة؟.. لأن عدم موافقتها تعني مزيدا من التعقيد للامور"، "وهل تمتلكون الامكانيات والظروف المالية والاقتصادية الملائمة لكي تتحركوا على موضوع الاستقلال، ونحن نعرف انكم تواجهون منذ حوالي عامين مشاكل حقيقية في تأمين رواتب موظفيكم الذين ربما يتجاوز عددهم المليون موظف؟، وانتم في زيارتكم هنا، طلبتم المساعدة في تأمين تلك الرواتب".

والاكثر من ذلك ان رئيس الاقليم وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، سمع مرة اخرى الموقف الاميركي الصريح، المعارض للاستفتاء والانفصال-علما ان الاكراد يعدون الولايات المتحدة الاميركية حليفهم وداعمهم الرئيسي-على لسان سفير واشنطن في بغداد، دوغلاس سيليمان، خلال لقائه معه، في 27 من الجاري في مبنى القنصلية الاميركية في أربيل.

وإذا وضعنا مواقف بعض الدول الاقليمية المؤثرة مثل تركيا وايران الى جانب مجمل المواقف المحلية والدولية من الاستفتاء الكردي، تتشكل صورة قاتمة ومعتمة بالنسبة لأصحاب القرار السياسي الكردي، وتحديدا ممن ينادون بالاستفتاء ويخططون للانفصال، وتبدو كل الطرق موصدة بوجوههم، ومن غير الممكن ان يفتحها تصريح عضو المجلس الأعلى للاستفتاء، هوشيار زيباري، بقوله "ان اجراء الاستفتاء في الاقليم خيار قائم ولا نأخذ موافقة احد"، لأن التمني شيء والواقع شيء آخر.

بقلم : عادل الجبوري

المصدر : العهد

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 1 أغسطس 2017 - 16:07 بتوقيت مكة