حشر تنظيم "داعش" جرائمه بكل الحريات الشخصية للمدنيين، وأولها الخاصة بالنساء، لم يكتف بتنقيبهن إجبارا ومنعهن من السير بمفردهن دون "محرم"، في الموصل، مركز محافظة نينوى شمال العراق، بل لاحقهن حتى في تجمعاتهن لوضع الكحل لينتقم منهن أشد الانتقام.
والتقت مراسلة "سبوتنيك" في العراق، إحدى مالكات صالونات الحلاقة في مدينة الموصل، وهي من اللواتي أعدن فتح محلاتهن في الساحل الأيسر للموصل، بعد أيام قليلة من انتهاء وجود تنظيم "داعش" الإرهابي، وأعادت واجهة التجميل لصالونها سابقا كان يذعر منها الدواعش لتنافيها مع أفكارهم المتطرفة.
عندما دخل تنظيم "داعش" الإرهابي، مدينة الموصل "مركز نينوى، شمال العراق، في منتصف عام 2014"، استدعى كل المحال التجارية ومن ضمنها صالونات الحلاقة النسائية والرجالية أيضا، واجتمع بهم في جامع بالمدينة، وأخبرهم الاستمرار بعملهم وكأن شيئاً لم يكن في محاولة منه لخداعهم وكسب ثقتهم به واطمئنانهم منه.
وتقول الحلاقة، "أم سمير"، لكن سرعان ما صب تنظيم "داعش" الإرهاب، جام تركيزه على "صالونات النساء"، وطلب منا أن نمحي الصور من واجهات محلاتنا.
بعد منع الواجهات، عمم تنظيم "داعش" قرارا يحرم فيه صبغة الشعر باللون الأسود واعتبرها إثم ومن الكبائر.
وأضافت أم سمير، فرض تنظيم "داعش" عقوبتين على من تصبغ شعرها باللون الأسود، بحلق رأسها وجعلها "قرعاء"، وعلى العاملة التي تنجز اللون للزبونة، بقطع أصابعها كلها.
وأبقى التنظيم استخدام بقية صبغات الشعر بألوان الأحمر، والأصفر، والبني، بعد تحريمه الأسود، لكنه منعها فيما بعد كلها، معتبرا استخدامها يغير "خلق الله" وتلاعب بملامح النساء اللواتي لم يسمح أساسا بظهور وجوههن وعيونهن في الشارع وعند باب وباحة المنزل.
بعد أيام قليلة من قراري منع الصور والصبغ الأسود، جاءت نساء تنظيم "داعش" من اللواتي يخدمن بما يسمى "ديوان الحسبة" وكأنهن غربان اقتحمن الصالونات، وأمرن المالكات والعاملات بتغيير أسماء المحال فورا وإزالة كل اسم أنثوي منها ومنها "بنت العز، وبنت الدلال، وبنت الأكابر" كلها ممنوعة، حسبما أفادت "أم سمير" في حديثها لنا.
وأصبحت أسماء الصالونات بدون بنات ـ الأكابر، العز، لكن الأمر لم يعجب الدواعش أيضا، وبقيت الأنوثة عورة يجب أن تمحى من الوجود، وأصدروا قرارا ً برفع كل الأسماء وإبقاء المحال بائسة محيت صورها برذاذ علب "بخ الألوان"، وأزيلت عناوينها، وصارت ركن مخيف في واجهة عمارة تجارية.
وبغضون شهرين بالتقريب، جاء القرار الأخير من "داعش"، بخصوص الصالونات إلا وهو إغلاقها بشكل نهائي لا مجال للتفاوض به أبدا، ومن لا تكترث لذلك تعاقب عقابا شديدا مع زوجها كونه سمح لها بالعمل ولم يجبرها على تطبيق الأمر.
ومن القرارات الصارمة الجائرة التي فرضها تنظيم "داعش" على المتجملات، منعهن من نتف الحاجب، وشعر الوجه والمعروفة بالعراق بتسمية "الحفافة"، ووعد بقطع يد كل من تزيل الزائد من حاجبيها والعاملة على ذلك".
وكانت نساء وعناصر حسبة "داعش" على الدوام تترصد الصالونات، ويتصيدون من تخرج من المحل ويطبقون الويل لكل من يضبطونها ووجها منتوف الشعر لاسيما حاجبيها ليعاقبونها بقطع أصابعها وأصابع التي أزالت لها الزغب الزائد بالخيط وهو الوسيلة السائدة في العراق.
وأكملت أم سمير، منع الدواعش أيضا استخدام كلمة "بوتيك" التي لجأت إليها بعض صالونات الحلاقة النسائية، كتسمية لها، قبل أن تغلق، كونها مفردة إنجليزية.
وتداركت، لكن لم يتمكن تنظيم "داعش" من تطبيق عقوباته المذكورة أعلاه، كون الصالونات طبقت الأوامر تجنبا للوقوع بمشاكل معه، ولأن القرارات صدرت تباعا بشكل متسارع، وخلال وقت قصير أغلقت كل هذه المحلات أبوابها.
إعدام الواشمات
تعرفين أن تنظيم "داعش" حرم استخدام جهاز التاتو الخاص برسم الحاجب للتي لا تمتلك حاجبا أو حاجبيها خفيفين غير واضحين، وعقوبته الإعدام مباشرة، ولم يكن الجهاز هذا متوفرا إلا عند قلة قليلة من الصالونات الراقية في الأحياء التي يسكنها غالبية من الأغنياء.
وأذكر مرة ضبطت نساء حسبة "داعش"، واحدة من مالكات الصالونات، تمتلك جهاز تاتو، اعتقلوها وأخذوا كل أموالها وبيتها ومصوغاتها الذهبية، وخرجت بأعجوبة من السجن بعد نحو 6 أشهر.
وتشير أم سمير إلى أن الحلاقة لم تسجن لوحدها بل اعتقلوا زوجها أيضاً معها، ولما ذهب زوج ابنتها للاستفسار عنها ومعرفة العقوبة التي فرضت عليها، اعتقله التنظيم هو الآخر أيضا.
ولسوء الحظ، تبين أن زوج ابنها كان إعلاميا معروفا يعمل في قناة الموصلية الفضائية، وبعدما دقق الدواعش اسمه، ظهر اسمه من المطلوبين للتنظيم الذي لم يترك صحفيا واحدا على قيد الحياة ونفذ الإعدام به بعدما دققوا اسمه.
وأخرى ضبطتها نساء "داعش"، وهي تضع تاتو لاصقا مؤقتا على جسد فتاة، في سوق النبي يونس الشعبي الشهير في الساحل الأيسر للموصل، وأيضا اعتقلت وقصت أصابعها، ولا أعرف مصير الفتاة التي لصق الوشم على جسدها.
استمرار تمرد الجمال
لم تكترث عدة صالونات نسائية لقرار منعها وإغلاقها من قبل "داعش"، وبقيت تعمل في العلن لأن الناس في بادئ الأمر لم تكن تخاف التنظيم والذي لم يكن له ذلك الحكم القوي الشرس.
ولم يرضخن لأوامر تنظيم "داعش" الذي حرص على تدمير وجود المرأة وحقوقها بالكامل، وجعلن من عمل صالوناتهن سرياً بواجهة منقبة بالخمار الداعشي.
وأكدت أم سمير أن الصالونات صارت مداخلها للخياطة النسائية المتمثلة بتفاصيل النقاب الذي فرضه التنظيم على نساء الموصل في أول قرار له عند استيلائه على المدينة، أو لبيع المستحضرات، وداخلها الصالون محفوظ ويعمل بشكل سري، مجهز بكافة المستلزمات ولا تدخله إلا التي تعرفها المالكة ومن الزبونات المعروفات.
دهاء الداعشيات
عمل الصالونات النسائية السري لم يدم طويلا، بسبب دهاء الداعشيات اللواتي كن يترددن بشكل مستمر على المحلات النسائية، وأقنعن إحداهن بأنهن مدنيات ولسن من نساء التنظيم، حتى سمحت لهن وأدخلتهن لمشغلها الخلفي ولما أنجزت عملها لهن قمن باعتقالها.
"الكبسات" أي ضبط مالكات الصالونات، من قبل تنظيم "داعش" تكررت عدة مرات، وكانت عقوبة من يتم ضبطها هو السجن والجلد بأكثر من 150 جلدة، ومصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة بالكامل.
ومن اللواتي وقعن في فخ الداعشيات، مالكون لصالون، حسبما أذكر، اسمه "نوسة" في حي الزهراء، جلدوها، وسجنوها مع زوجها، كما صادروا سيارتهم وبيتهم وكل أملاكهم حتى الصالون.
وأخرى صادروا أموالها في حي السكر، وبعد الحالتين، خافت كل مالكات الصالونات وأغلقت 99 % من هذه المحلات، ومن بقيت تعمل لديها علاقات قوية بتنظيم "داعش" كأن تكون لديها عم أو خال وأب، وأخ أو أخت بالتنظيم، وهي تعمل فقط للداعشيات لا غير.
تجمل الداعشيات
استثنى تنظيم "داعش" نساءه المحليات والأجنبيات والعربيات اللواتي يطلق عليهن "المهاجرات" من قرارات منع تجمل المرأة في الموصل، تحت ذريعة أنهن "نساء المسلمين" مثل "زوجات الأنبياء" لهن مكانة خاصة.
واستذكرت "أم سمير" كيف أن نساء تنظيم "داعش" كن عندما يأمرن الصالونات بتطبيق القرارات، يقلن بما معناه: إن عناصر التنظيم يقاتلون، ويريدون أن يستمتعوا بملامح جميلة لزوجاتهم ولهن كل شيء مباح من صبغات شعر وماكياج.
وكانت الداعشيات يترددن دائما على صالونات سرية خاصة للعمل على تجميلهن في منازل بأحياء شعبية مكتظة منها القاهرة، والزهراء والزنجلي، ولديهن في هذه المناطق حلاقات منزليات استخباراتيات يضربن عصفورين بحجر وهما: تجميل نساء التنظيم ومده بمعلومات تفصيلية عن المدنيين.
وذكرت أم سمير أن الداعشيات لاسيما الأجنبيات، كن شقراوات، ولا يحتجن من الصالونات فقط نتف شعر الوجه الذي يعاقب التنظيم المدنيات عليه بقطع أصابعهن بالسيف والساطور.
تجميل العرائس
استقر عمل الحلاقات في بيوتهن فقط، ولا يدخلن أية امرأة غريبة أبدا، ولا ينجزن العمل إلا عند الضرورة للعرائس فقط، سواء تذهب الأخيرة للحلاقة في بيتها، أو تأتي هي لبيت العروس وتنجز لها تسريحة شعر وتثبت الطرحة مع الماكياج وتذهب بسرعة خوفا من مداهمات للدواعش.
وبشأن أسعار العمل، أفادت "أم سمير" بأنها انخفضت إلى النصف تماماً، بسبب عزوف الزبونات عن قصد الحلاقات في بيوتهن خوفا من الداعشيات المترصدات لكل حركات النساء في المدينة، ومن تأتي تأخذ منها الحلاقة أي دينار تدفعه.
والأسعار كالآتي: إزالة شعر الوجه كاملا "الحفافة" بخمسة آلاف دينار، والحاجب والشارب بألفين أو ثلاثة آلاف، وصبغ الشعر على عدد العصارات المستخدمة وطول الشعر، والعصارة الواحدة بألفين دينار فقط، وهي تدخل الأسواق ومتوفرة كونها تدخل من قبل التنظيم الإرهابي نفسه عبر سوريا.
زوال "داعش"
مع فرحة تحرر الساحل الأيسر للموصل، في معركة خاضتها القوات العراقية منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، للقضاء على "داعش"، عاودت بعض صالونات الحلاقة عملها وفتحت أبوابها مرة أخرى، وتشجعت الأخرى حتى قبل انتهاء وجود التنظيم في الساحل الأيمن من المدينة والذي حرر هو الآخر بالكامل في العاشر من الشهر الجاري.
وفي ختام حديثها، أكدت لنا "أم سمير"، أن أكثر من 40 صالون حلاقة نسائية، أعيد افتتاحه في الموصل، كلها في الساحل الأيسر، ورجعت واجهاتها مثل السابق بل أكثر تطورا من قبل مع زوال التنظيم الإرهابي وملامحه من المدينة.
وحسب فتاتين موصليتين تحفظن الكشف عن اسميهما أخبرتا مراسلتنا، أنهما عزفتا مثل الكثيرات من فتيات ونساء المدينة، عن شراء مستحضرات التجميل، واللجوء إلى الحلاقات في بيوتهن خوفا من ملاحقة الداعشيات لهن، وأمضين أغلب الأوقات في بيوتهن، تجنبا لنظرات وإهانات الدواعش لهن بتوبيخهن على حذافير النقاب.
والحال تبدل، وأصبحت للنساء والفتيات حرياتهن المطلقة بعد الخلاص من "داعش"، السافرات اللواتي ارتدين الخمار عنوة، قمن بخلعه، وأصبحت مستحضرات التجميل متوفرة في الأسواق وعليها إقبال ليس بالقليل بعد أن كانت محرمة وممنوعة من قبل التنظيم الإرهابي الذي خسر كل مناطق سطوته في العراق، وما تبقى له سوى أقضية قليلة شمالي وغربي البلاد.
* وكالة أوقات الشام الإخبارية