فقد شهدت الجمعة الماضية مسيرات غاضبة في مختلف أرجاء فلسطين إنتهت بإستشهاد 3 فلسطينيين وإصابة قرابة 120 آخرين نتيجة للإصابة بالرصاص المطاطي، الإختناق بالغازات السامة والتعرض للدهس بسيارات الاحتلال ، فيما قتل 3 صهاينة في عملية بالسلاح الأبيض في رام الله. وخرجت مسيرات أخرى في لبنان، اليمن ، الأردن، مصر، تونس، تركيا، ماليزيا وبلدان أخرى عربية وأوربية في “جمعة الغضب” التي شهدت اتخاذ موقفين سياسيين مهمين؛ الأول هو ما قاله مدير المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، إسماعيل هنية الذي طالب باجتماع عاجل للقوى الفلسطينية في بيروت أو القاهرة للإتفاق على استراتيجية لمواجهة أحداث القدس، داعيا إلى مقاومة تطبيع العلاقات العربية الإسلامية مع المحتل، فيما لفت إلى أن الموضوع يتجاوز أمر البوابات الإلكترونية التي وضعت في المسجد الأقصى.
والثاني هو تجميد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني لأول مرة منذ عام 2000، مطالبا بإزالة البوابات الإلكترونية مقابل إعادة الاتصالات مع الكيان المحتل وعودة التعاون الأمني؛ وهنا يجب الإلتفات إلى أن عباس رهن عودة التعاون الأمني بموضوع البوبات أي أنه يحاول قيادة الإنتفاضة الشعبية نحو مطالب وهمية؛ في حين أن الشعب الفلسطيني يحتج من منطلق قلقه بشأن سلامة المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية وتهويد القدس والأراضي الفلسطينية.
ومن جانب آخر قد تؤدي خطوة عباس هذه إلى فتح أبواب جهنم السياسة الصهيونية والغربية بوجهه. فعباس قد أثبت أنه لا يتمتع بالقدرة على تحمل الضغوط السياسية، ومن هذا المنطلق إذا لم يكن الاحتلال ينوي إزالة الأبواب الإلكترونية لإضفاء صفة الشرعية على عباس، فإنه –أي الاحتلال- سرعان ما سيجعل عباس يتراجع عن هذا المطلب.
ويعد وقف التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني من المطالب الرئيسية لقوى المقاومة من أجل الدخول في المصالحة الوطنية، لذلك وبالنظر إلى تصريحات هنية فإن تعليق التعاون الأمني قد يُترجم إلى خطوة إيجابية للتقريب بين فتح وحماس إذا امتلكت السلطة الفلسطينية الإرادة للقيام بذلك.
لهيب الإنتفاضة وصمت عربي مذل
على الرغم من الصمت المذل الذي اكتفت به الحكومات العربية على مدى تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني والإعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، إلا أن صمت الأنظمة الرجعية في الخليج الفارسي مقابل الجرائم الصهيونية وإنتهاك حرمة المقدسات دخل هذه المرة مرحلة جديدة وغير مسبوقة في تاريخ العلاقات مع الكيان الصهيوني.
ويأتي هذا الصمت العربي مقابل جرائم الصهاينة نتيجة للتنافس بين البلدان العربية من أجل التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني وفتح قنوات للاتصال والتطبيع مع المحتل. في الحقيقة لقد حذفت الكثير من هذه البلدان القضية الفلسطينية من خططها ولم تعد تبالي بالقيم الدينية، التاريخية والرموز الإسلامية في فلسطين والتي تعد جزءا لا يتجزء من الثقافة الإسلامية.
وفي هذا الصدد كشفت وكالة بلومبيرغ نيوز الأمريكية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية في تقرير لها عن ازدياد الشركات الصهيونية الناشطة في السعودية وبلدان الخليج الفارسي. ونقلت بلومبيرغ عن مسؤولين إسرائيليين تأكيدهم أن أغلب المواد التي يصدرها الكيان إلى الدول العربية تتعلق بتقنيات الحرب الإلكترونية وأجهزتها بالإضافة إلى معدات الزراعة وتحلية المياه.
وتعد مقاربة النظام السعودي الحاكم تجاه جرائم الكيان الصهيوني من أهم أسباب صمت المجتمعات العربية تجاه الموضوع، حيث ينظر العالم العربي إلى السعودية على أنها القدوة الثقافية، وبالتالي دفعت عملية التقارب المتسارع بين نظام الرياض والكيان الصهيوني وتعزيز العلاقات بين الطرفين إلى صمت الحكومات العربية تجاه ما يحصل في القدس. ويأتي هذا في حين تصب السعودية جام غضبها وتوجه سهام حقدها نحو عدد من البلدان الإسلامية المجاورة وتتعامل معهم بلهجة شديدة من أجل التعتيم على تطبيعها العلاقات مع الكيان الصهيوني وصمتها تجاه جرائم هذا النظام.
ومنذ أن تاكد كيان الاحتلال من تهميش البلدان العربية لموضوع فلسطين والمقدسات الإسلامية، زاد من سرعة خطواته الرامية لتهويد المسجد الأقصى وبناء المعبد المزعوم، فسيطر على الحرم الإبراهيمي بالكامل، محولا إياه إلى كنيس يهودي، وفرض قيودا شديدة على دخول المصلين المسلمين.
وأسس كيان الاحتلال كنيس يهودي كبير تحت المسجد الأقصى، ومنع رفع الأذان في الأقصى والمسجد الإبراهيمي والمساجد الأخرى، وأخذ يجبر جميع الرؤساء الأجانب الذين يزورون الكيان على زيارة حائط المبكى، كما نفذ خطة تقسيم المسجد الأقصى.
ويمارس المحتلون الصهاينة عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى بكل قوة ويقومون بهدم أسس المسجد، كما انتهك الصهاينة ومتزعمهم حرمة المسجد الأقصى مرات ومرات وفي مناسبات مختلفة. وبلغت الانتهاكات في عام 2014 للميلاد 450 انتهاكا تمت تحت حراسة أمنية مشددة من قبل شرطة الاحتلال. وفي النهاية قام رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو باقتحام المسجد الأقصى بنفسه مما أدى إلى اندلاع إنتفاضة القدس، ويتم كل هذا في حين يفرض الصهاينة قيودا مشددة على إقامة الطقوس الدينية الإسلامية في الأقصى وبصورة خاصة صلاة الجمعة.
وأدى ذل الأنظمة العربية وضعفها أمام الصهاينة إلى ألا يولي الكيان المحتل أي أهمية لتعليقاتهم السياسية ومطالباتهم بفك الحصار عن الأقصى، فيما أصبح اتساع نطاق انتفاضة الشعب الفلسطيني الجديدة هو مصدر القلق الوحيد للكيان، والتهديد الوحيد لأمن الصهاينة ووجودهم؛ وقد أدت الانتفاضة الفلسطينية السابقة إلى مقتل 1069 صهيونيا وجرح قرابة 4500 آخرين، واليوم ما يزال النضال المسلح الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني مقابل جرائم الاحتلال.
IUVMPRESS