بل نستطيع القول انه كان يتداول بين أهل العلم بل الخواص من أهل العلم وكان العلماء يتحاشون نسبة العلم الى أهل البيت وإذا حدثوا عن علي كنوا عنه بابي زينب أو قال الشيخ خوفا من سلطان بني اميه الذين حاربوا أهل البيت على مختلف الاصعده حتى حاولوا وبجد ان يُنسوا المجتمع ال بيت نبيهم وأرادوا اجتثاث حبهم من صدور الناس بل سعوا ان يزرعوا النصب والبغض في صدور المسلمين لعلي وال علي ومن هنا يبدأ الدور العظيم للصادق وأبيه في صناعة أمة من الناس يعرفون لمحمد وآله حقه وينشرون علومهم ويدينون بدين جدهم( ص )الحق ففتح سلام الله عليه جامعته في مسجد جده الأعظم واستثمر تنازع القوم على السلطة وشغلهم عنه حيث استوعبت مدرسته اكثر من ٤٠٠٠ آلاف طالب ومن مختلف الأمصار حتى قيل ان الأمصار ألقت بافلاذ أكبادها اليه يرتعون في حماه وينتهلون عذب نميره وساعده على ذلك افول الدولة الأموية و بداية نشوء الدولة العباسية حيث انتقل الى الحيرة ولمدة سنتين واتخذ من مسجد الكوفة منبراً علميا له مذكراً بجده الامير عليه السلام ملقيا فكره وفقهه وأخلاقه الى الظماء من شيعته ومحبيه حتى قال الحسن الوشاء الذي عاصر الرضا عليه السلام وجاء بعد الصادق بأكثر من ثلاثين سنة (ادركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كلهم يقول حدثني جعفر بن محمد الصادق ) ومن هنا تعرف تلك الثورة العلمية والثقافية التي فجرها الصادق عليه السلام فانتشرت إشعاعاتها في كل اقطاب العالم الاسلام وتركت اثرها العلمي والعملي والى يومنا هذا فما من مذهب من المذاهب الا وأخذ منها وتأثر بها فكانت مدرسة الاسلام الاولى بحق وكان له الدور الرائد في صناعة مجتمع شيعي مواليا لمحمد وال محمد صلى الله عليه وآله مجتمعا يرتبط بهم عاطفيا وعلميا واتباعا لمنهجهم وعلى مختلف المستويات فاستثمر سلام الله عليه حب الناس وعاطفتهم وميلهم لمحمد وآله( ص ) ليجعل منهم أمة ذات فقه واخلاق وعقيدة مستمدة من ال البيت وذلك من خلال نشر طلبته في اصقاع الارض وثقف عليه السلام بالرجوع الى أصحابه للأخذ عنهم وحرم الأخذ من غيرهم لأنهم من يمثله ويقول بقوله ومع هذا كان ملتفتا عليه السلام الى خطورة هذه الخطوة من حيث انها تؤدي الى إيجاد تكتل اجتماعي عقائدي خارج المجتمع المسلم مما ينتج عنه نوع من عزلة المجتمع الموالي لهم سلام الله عليهم فأوصى أصحابه وأهل العلم من خاصته ان يكونوا في أوساط المسلمين وان لا ينعزلوا عنهم أو ان لا يخلقوا نوعا من الموانع التي تودي الى ابتعاد سائر المسلمين عن منهج محمد وآله (ص ) و عليهم و ان يحضروا جنائزهم ويعودوا مرضاهم وان يكونوا في مساجدهم وعليهم ان يتسلحوا بسلاح الخير والاخلاق والمودة والرحمة وان يكونوا دعاةً بعلمهم وأخلاقهم فهم أهل الإمامة وأهل الدين وأهل العبادة والإيمان ولهذا صنع سلام الله عليه مجتمعا يتميز بخصائص منها:
١- انه مجتمع منفتح الى سائر المجتمعات التي حوله مع الحفاظ على خصائصه وأسسه ومن دون ان يتنازل عن اصوله ومبتنياته لكيلا يذوب في المجتمعات الاخرى بل يؤثر بها ولا يتاثر سلبا.
٢- انه مجتمع غير منطوٍ على نفسه ولا منعزل عن واقعه بل يتفاعل ويعيش الآلام والآمال التي يعيشها الآخرون وذلك لان الانطواء والانعزال يؤدي الى ريبة المسلمين وخوفهم ويزرع الشك في نفوسهم اتجاه التشيع ومع مرور الزمن يكثر اعداؤه ويتحاشاه الاخر ويبتعد عنه الناس فيعيش العزلة والتحجر وعدم التمدد فبالانفتاح على الاخر وصناعة الا يجابية يحصل الجذب والإعجاب وبالانغلاق والتحجر يحصل الانكماش وبعده الاندثار والانقراض.
٣- ركز الامام عليه السلام على مرجعية أهل البيت العلمية واكد على ربط الأمة بهم وان محبة أهل البيت ضرورة من ضرورات الاسلام لا يمكن تجاوزها وهي العنصر الذي يميز اتباعهم عن غيرهم وهذه المحبة محبة اتباع واقتداء وليست مجرد حب عاطفي.
٤- كان الامام عليه السلام ملتفتاً الى خطورة التثقيف على محبة أهل البيت والربط بهم وخطورته من كونه قابلا لان يتحول الى غلو ويتجاوز الحد المرسوم له ولهذا حذّر من الغلو وبعدة أنحاء منها رفض مقولات الغلو ومنها مواجهة رموزه وصدرت عنه نصوص كثيرة في هذا الاتجاه فوقى المجتمع الشيعي من الغلو والغنوصية فكون مجتمعا عارفا بان هم الرابط بينه وبين الله وهم من يمثل دين الله.
٥- أكد عليه السلام على تنزيه الأنبياء وثقف على ذلك بحيث اصبح منهج اتباعه الذب عن الأنبياء و التاكيد على عصمتهم . وهناك خصائص اخرى يمكن انتزاعها مما مر أعلاه فكان بحق مجددا لدين جده (ص) وناشرا لعلومه وحاملا لرايته وداعيا لدينه وجعل من ثقافة الاسلام كائنا حيّا له اثره في الواقع العملي والعلمي فسلام الله عليه يوم ولد و يوم مات ويوم يبعث حياً
السيد جاسم الناجي
قم ٢٥من شوال ١٤٣٨