العراق في الحسابات الأمريكية
عدة مسائل يجب الإشارة إليها فيما يخص أهمية العراق في السياسة الأمريكية:
أولاً: أصبح العراق الدولة المحورية بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية التنفيذية منذ العام 2003. مما جعل واشنطن تمارس وبكل ما لديها من إمكانات مادية وغير مادية، للسعي من أجل التدخل بأدق تفاصيل المشهد السياسي والأمني والاقتصادي العراقي.
ثانياً: أدى الإحتلال الأمريكي للعراق ومن خلال سياسات هادفة، الى وجود دولة هشة وعاجزة عن تسيير شؤون البلاد، بالإضافة الى وجود قوى وأحزاب متناحرة، تؤمن بالرهان على الخارج. وهو ما سعت أمريكا لترسيخه عبر سياسات عديدة بهدف إبقاء الحاجة لها.
ثالثاً: بعد أن وصلت واشنطن الى قناعة بكلفة البقاء في العراق، سعت الى تأمين مرتكزات لإدارة العلاقة الأمريكية العراقية كما تشتهي المصلحة الأمريكية. حيث قامت بإعادة تنظيم العلاقة بين بغداد وواشنطن على قاعدة حاجة الأولى للثانية، وسعت أيضاً للتدخل في ترتيب العلاقات بين أطراف العملية السياسية الداخلية، والتمهيد لسحب قواتها بالكامل من العراق.
رابعاً: على الرغم من هذه القناعة لم تكتف واشنطن عن السعي للسيطرة على مقدرات العراق من النفط والاستفادة من الموقع الجيوسياسي والجيوعسكري الإستراتيجي للعراق بهدف تفعيل دور الدول الحليفة لها.
مؤسسات أمريكية تعترف بإفشال إيران للمخطط الأمريكي في العراق عبر محاربة الإرهاب
بعد فضح الأهداف الحقيقية للسياسة الأمريكية تجاه العراق، يمكن الإستناد الى تقرير تعترف فيه مراكز القرار الأمريكي عن حجم الفشل الذي ألحقته إيران بالمشروع الأمريكي.
ففي تقريرها الصادر عام 2016 والذي حمل عنوان "حرب الإستنزاف وقدرة أمريكا على الثبات في الحروب الصعبة"، أكدت مؤسسة "راند" الأمريكية للدراسات والأبحاث أن السياسات الإيرانية تمكَّنت من إفشال خطط أمريكا في المنطقة لا سيما في العراق. واعترفت المؤسسة في تقريرها أن إيران تمكنت عبر خططها الإقتصادية والسياسية والعقائدية والدبلوماسية من إفشال المُخطط الأمريكي في العراق بعد غزو واشنطن لهذا البلد عام 2003.
وأضاف التقرير أن تدابير كل من روسيا وإيران والصين تمكنت من إفشال المخطط الأمريكي دون الحاجة لإستخدام أي من الوسائل أو السياسات العسكرية. فيما اعترف التقرير بأن جوهر الدعم الإيراني للعراق كان عبر تقوية بنيته العسكرية لمواجهة الجماعات الإرهابية. وهو ما ظهر من خلال المساعدات التي قدمتها إيران الى العراق في المجال العسكري لتمكينه من الإعتماد على نفسه فيما يخص بناء القوة التي تجعله قادراً على مواجهة التهديدات الإرهابية.
ولم يُخف التقرير الجانب الإنساني في الدعم الإيراني للعراق، حيث أشار التقرير الى أن إيران قدّمت مختلف أنواع الدعم للعراق منذ العام 2003 وحتى الآن، وشمل هذا الدعم إستثمار مئات ملايين الدولارات لتطوير البنى التحتية في العراق، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي تقدمها طهران بشكل مباشر وغير مباشر إلى هذا البلد.
ماذا يعني الإعتراف الأمريكي؟
إن مؤسسة "راند" الأمريكية للدراسات والأبحاث هي أحد أهم مراكز صناعة الفكر والتابعة لأجهزة القرار الأمريكي. والتي خرجت بالنتائج أعلاه. فيما يمكن تحليل هذه الإعترافات بقول التالي:
أولاً: سعت واشنطن الى ابتزاز العراق عبر الوعد بتقديم المساعدات المالية له، وهو ما استطاعت إيران المساعدة في منعه من خلال تعزيز الروابط والمصالح المشتركة بين البلدين والتي أخذت طابع العلاقة الإقتصادية والتجارية.
ثانياً: في وقت سعت فيه واشنطن لتعميق الخلافات بين أبناء المجتمع العراقي، بهدف هدم أسس التلاحم المدني، عملت ايران على ترسيخ أسس المجتمع المدني العراقي بهدف التأسيس لمجتمع ديمقراطي، قادر على إدارة شؤون البلاد.
ثالثاً: لم يعد خفياً أن سياسات واشنطن خلال فترة الإحتلال وبعده، هدفت لتدمير القوة العسكرية العراقية الأمر الذي كلَّف العراق الكثير في بداية حربه على الإرهاب، بالإضافة الى حاجته للخارج. وهو ما أحبطته إيران، من خلال إعادة بناء القوة العسكرية والأمنية العراقية، وتعزيز ثقتها بنفسها وقدراتها القتالية. وكان من أهم ما أنتجه العراق في هذا المجال قوات الحشد الشعبي العراقية والتي ضمَّت تحت كنفها كافة أطياف الشعب العراقي وباتت اليوم إحدى نقاط القوة التي يمتلكها.
إذن، لم تُخف واشنطن الحقائق خلف نقمتها على الجانب الإيراني. بل لم تخف الحقائق خلف سلوكها العدواني تجاه المنطقة ودولها. وإن كانت إيران مُخطئة، فهي بعين أمريكا مخطئة لأسباب تتعلق بإفشالها المخططات المتتالية الهادفة لإخضاع الدول. الأمر الذي كان العراق أحد نماذجه.
المصدر: الوقت