عملية الجبارين في القدس، هي في سياق عمل منظم وتكتيكات مدروسة باعتقادنا.
اللافت أن ايا من التنظيمات الفلسطينية لم يتبن العملية، وهذا مخالف لعادة الفصائل الفلسطينية التي تسارع إلى تبني العمليات، والإعلان عن انتماء المنفذين لها.
عدم الإعلان من أي فصيل فلسطيني، قد يدفع البعض إلى تخمين أن يكون المنفذين الثلاثة ينتمون إلى تنظيم داعش أو أي تنظيم متطرف، وهذا ما كنت أخشاه وانا ابحث عن تفاصيل العملية ودوافع المنفذين ولأي جهة فلسطينية ينتمون، إلا أن وصلني ما يضحض هذا الاعتقاد، هو ما نشره المنفذون الشهداء على صفحاتهم في فيسبوك، فما وصلني عن صفحة محمد أحمد جبارين أحد منفذي عملية القدس مثلا، نشره لصورة قائد الثورة الاسلامية السيد علي خامنئي وهو يتناول طعامه مع كبار القادة الايرانيين، وفوقها تعليق الجبارين عن تواضع المرشد وزهده واصفا هذا بتواضع المؤمنين.
تذكرت العام 2010 عندما اندلعت ثورة تونس بعدها الثورة المصرية، وانطلق مصطلح (الربيع العربي) بقوة، يومها كنت في طهران، وتفاجأت أن القيادة الايرانية أطلقت على هذا التحرك اسم (الصحوة الإسلامية).
قلت في نفسي ماهذه السذاجة ؟!، ومادخل الصحوة الإسلامية بشباب 25 يناير في مصر ونقابات تونس. ولكن بعد قليل من الوقت تبين صعود الحركات والتيارات الإسلامية لتمسك الحكم في تونس ومصر وليبيا ، واكتشف أن الايرانيين كانوا يعرفون مبكرا ما لم يطلع عليه العامه والنخب على حد سواء.
تكرر هذا الأمر هذا العام، قبل شهور احتضنت ايران مؤتمرا تحت شعار “دعم الانتفاضة الفلسطينية” وكنت مشاركا فيه ، قال لي أحد الأصدقاء في طهران، عن أي انتفاضة تتحدث ايران ؟! وقتها كان الإيرانيون يتحدثون بجدية وإهتمام عن هذا الأمر ، لم أكرر اتهامهم بالسذاجة كما فعلت بالعام 2010، إنما اخترت أن انتظر نتائج هذا الشعار الذي بدأ في وقتها بعيدا عن الوقائع والظروف .
قال لي نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عندما سألته متى سنرى نتائج مؤتمر طهران، بأن النتائج تحتاج إلى شهور كي تصبح واقعا.
كل ماسلف يدفعني اليوم إلى ترجيح وجود رابط بين عملية القدس وحزب الله وإيران ، خاصة أن توجهات الثلاثي جبارين تبدو قريبة من محور طهران حزب الله دمشق، وأن "إسرائيل" سبق أن تحدثت عن قيام حزب الله بتجنيد شبان في فلسطين عام 48 عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقبل عام تحدث عن هذا الأمر وزير الأمن افغدور ليبرمان، وأشار إلى تزايد نشاط حزب الله في الضفة الغربية وداخل "إسرائيل"، وجرت بناءا على هذا الكلام حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية وأراضي 48 .
انسداد أفق الخيارات أمام الشعب الفلسطيني، إذ تبدو ملامح التطبيع العربي مع "إسرائيل" أكثر وضوحا وتجاه "عدو مشترك" هو ايران، دون أي اعتبار لقضية الشعب الفلسطيني، بينما حالة من الإحباط تسود الشارع الفلسطيني من الانقسام السياسي الفلسطيني وحالة العجز التي تعتري الفصائل الفلسطينية .
كل هذا يجعل خط محور طهران حزب الله الأقرب قادر على مليء الفراغ . أتذكر هنا كلمة قائد الثورة علي خامنئي في مؤتمر دعم الأنتفاضة بداية هذا العام عندما قال مخاطبا الفصائل الفلسطينية، ”من يترك الراية، فإن هناك من سيحملها ويكمل الطريق ”فهل سيعلن تنظيم فلسطيني جديد عن نفسه قريبا؟ إذا كان اعتقادنا صحيحا فهذا يعني أننا أمام منازلة اختار الإيرانيون أن تكون أخطر وأقسى من لعبة الضغوط على الجبهات ومناطق النفوذ في سوريا والعراق ولبنان، وأن ما شهدناه في القدس هو في سياق سوف يتدحرج ويتصاعد، وقد يقلب كل المعادلات القائمة حاليا في المنطقة ، ويوقف كل مشاريع التقارب العربي مع "إسرائيل". والله أعلم
بقلم : كمال خلف