الرد الصهيوني على اليد العربية الممدودة "للتسوية" جاء بصورة عنجهية ومناسبة لهذه الدولة المارقة، فقد أطلق رئيس وزراء حكومة الاحتلال آنذاك" أرئيل شارون"، العنان لجيش الاحتلال لإعادة احتلال الضفة الغربية، وحصار رئيس السلطة الفلسطينية في ذلك الوقت، ياسر عرفات، في مقره بالمقاطعة في رام الله.
أما وزير"الأمن الإسرائيلي" في حينه، بنيامين بن إليعزر، والذي كان من قادة حزب العمل، فقد رد على المبادرة العربية في لقاء مع صحيفة (معاريف) العبرية، حيث قال بالحرف الواحد: إن مبادرة التسوية العربية هي أكبر إنجاز حققته الحركة الصهيونية منذ تأسيسها رسميًا في العام 1896.
وعاد العرب مرةً أخرى في مؤتمر القمة في الرياض، وأقروا مبادرة التسوية مرة أخرى، ولكن "إسرائيل" واصلت تعنتها ورفضها للمبادرة، وما زالت ترفضها، لأنها، على ما يبدو، تعتقد أنه يمكنها الحصول على تسوية مع مَنْ تطلق عليهم "عرب الاعتدال"، دون أن تدفع أي ثمن، معولة على أن الخشية المشتركة لها ولهم، أي"التمدد الإيراني" كفيلة بتحسن العلاقات.
رئيس الموساد الأسبق، شفتاي شافيط، عبر في صحيفة (هآرتس) العبرية عن قلقه العارم حيال مستقبل المشروع الصهيوني، لا سيما الأخطار المتزايدة ضد وجود "إسرائيل" من ناحية، وما تعانيه الحكومة من تخبط وشلل استراتيجي وسياسي من ناحية أخرى.
وأضاف: تعتمد دولة إسرائيل على الولايات المتحدة بشكل كبير، وأوروبا السوق الأكبر بالنسبة "لإسرائيل" تعبت من عناد الأخيرة، وهي تتجه فعلياً لتطبيق العقوبات ضد الدولة العبرية.
ورأى أنه لوقف هذا التدهور في المشروع الصهيوني، تحتاج "إسرائيل" أولًا إلى وقف هذا التدهور والعدول عن المسار الذي تسلكه الآن، وبالإضافة إلى ذلك اقترح النظر إلى مبادرة الجامعة العربية لعام 2002، والتي وضعتها جزئيا السعودية، لتتخذها الحكومة الإسرائيلية قاعدة للحوار مع الدول العربية المعتدلة، بقيادة السعودية ومصر، على حد تعبيره.
وشدد على أن إعلان كهذا بالطبع يحتاج إلى تمهيد دبلوماسي من جانب الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يمكن أن يتم وفق اعتقاده بثلاث خطوات: الأولى، تحديد إستراتيجية تفاوض مستقبلية، مع موقف واضح لكل النقاط الواردة في مبادرة 2002. الثانية، فتح قنوات حوار غير علنية مع الولايات المتحدة لمناقشة الفكرة والالتزام بخطوط "إسرائيل" الحمراء وما يمكن أن يساهم به الأميركيون في هذه العملية، والثالثة، فتح قناة تفاوض أميركية إسرائيلية سرية مع السعودية للتوصل إلى اتفاقات بخصوص النقاط التي ستتناولها المحادثات، وتنسيق التوقعات بشأن ما يمكن التوصل إليه. وحين تؤتي هذه القنوات السرية أكلها، أضاف شافيط، سيتسنى "لإسرائيل" أنْ تعلن عن رغبتها في بدء محادثات في إطار مبادرة الجامعة العربية.
ولفت إلى أنه يثق بشدة بأن الولايات المتحدة والسعودية، كل لأسبابه الخاصة، سيتفاعل إيجابيًا مع هذه المبادرة الإسرائيلية، موضحًا أن خطوة كهذه ستغير من مسار الانحدار الذي انزلقت له "إسرائيل". وتابع قائلاً إنه لا يمكن إنكار قدرة عمليات التسوية على فتح الأفاق، ولنتذكر اتفاقية أوسلو على سبيل المثال، بغض النظر عن تحفظاته الشخصية عليها، فالاتفاقية إذ فتحت "لإسرائيل" الأبواب وأتاحت خيارات غير مسبوقة للتفاعل في شتى المجالات، لا سيما الاقتصاد.
مضافًا إلى ذلك، رأى رئيس الموساد الأسبق، أنه سيكون من السذاجة بالطبع الإيمان بأن تلك العملية ستحقق التسوية المرجوة منذ عقود، ولكنه عبر عن يقينه بأنها ستولد آليات لتبادل الثقة، وربما اتفاقات أمنية أيضًا في وقت لاحق، بين طرفي الصراع ليستطيعا التعايش معًا.
ووفقًا له، سيعتمد التقدم في المحادثات بالطبع على هدوء الوضع الأمني، والذي يجب أن يلتزم به الطرفان، و"سنجد مع الوقت أن الطرفين يتجهان إلى تنازلات متبادلة تعزز فكرة الجوار المشترك". وأشار إلى أنه إذا ما تشكلت تلك الثقة، وهو أمر مرجح تحت قيادة أمريكية سعودية، سيكون ممكنًا بدء الحديث عن حل نهائي للصراع.
وخلص إلى القول إن مبادرة كهذه تتطلب بالطبع قيادة صادقة وشجاعة، وهي قيادة يصعب أنْ نجدها في هذه اللحظة. ولكن إذا ما أدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي شدة الأخطار التي تواجه الدولة، وحماقة المسار الحالي، وفداحة ما يمكن أنْ تؤدي له السياسات النابعة من اليمين الصهيوني الديني المتطرف، الذي يضرب الصهيونية الأصلية ذاتها، قد يكون ممكنًا أنْ يتحلى بالشجاعة والعزم للقيام بتلك الخطوة، على حد قول شافيط.
المصدر: رأي اليوم
/ F