وحسب تقرير للصحيفة "فقد قَلَبَ الملك سلمان تسلسل وراثة العرش في السعودية، في يونيو/حزيران 2017، عندما عيَّن ابنه الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عاماً، ولياً للعهد وخلفاً له في اعتلاء عرش المملكة ونحى ابن أخيه ووريث العرش السابق محمد بن نايف، الذي يتمتع بعلاقات عميقة مع المخابرات الأميركية ويراه المسؤولون الأميركيون كقوةِ استقرارٍ في المنطقة إلى حدٍ كبير.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين إن ولي العهد المُرقَّى مؤخراً، الأمير محمد بن سلمان، قد قيَّد تحركات محمد بن نايف، واستبدل حرسه بآخرين موالين للبلاط الملكي كي يضمن عدم اتخاذ بن نايف أية خطوات لحشد تأييد له، وفقاً للمسؤولين.
وقال أحدهم: "يريدون التأكد من عدم التدبير لمؤامرةٍ".
في المقابل، رد متحدث باسم الديوان الملكي في رسالةٍ مكتوبة قائلاً إنه "لا توجد أي قيود على حركة الأمير محمد بن نايف في أي مكان سواء داخل أو خارج السعودية".
وأضاف المتحدث، في البيان المُرسل عبر البريد الإلكتروني، أن الأمير استقبل ضيوفاً منذ التغييرات التي طرأت على قيادة المملكة.
وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد أكدت أن ولي عهد السعودية السابق الذي أطيح به الأسبوع الماضي مقيّد الحركة في قصره بجدة في وقت يحاول فيه ولي العهد الجديد تقوية سلطانه وتأمين نقل السلطة.
وكان مسؤولون سعوديون قد نفوا تقارير سابقة مماثلة وردت في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية. إلا أن مسؤولاً آخر قال "إنها فترة تغيير ولا يريد بن سلمان أن يخاطر وهي ليست إقامة جبرية وليست هي كذلك".
وكان الأمير بن نايف هو المسؤول الأمني الأول في البلاد ولمدة 15 عاماً. وأقام علاقة قوية مع المسؤولين الأمنيين الأميركيين والبريطانيين ونظر إليه حلفاء السعودية كشخصية موثوقة تدعو للاطمئنان، حسب تقرير لصحيفة القدس العربي.
أساليب إخماد المعارضين
ونقلت صحيفة" وول ستريت جورنال" عن مسؤولين سعوديين وأميركيين قولهم إن جهود الديوان الملكي لإخماد المعارضين داخل المملكة تشمل الرقابة وفي بعض الحالات، اختراق الحسابات الشخصية لبعض النشطاء والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي.
واستُدعِيَ بعض النشطاء والرموز الدينية، الذين يعتقد النظام أنهم يثيرون احتجاجات على شبكات التواصل الاجتماعي، بصفةٍ شخصية، لمقابلة مسؤولين في وزارة الداخلية، وقد قِيل لأحدهم إن عليه التزام الهدوء وإلا تعض للسجن، وفقاً لأشخاص مُطلِعين على الحدث.
ورفض المسؤول بالديوان الملكي الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالمحاولات الواسعة لخنق المعارضة، التي تحدث عنها أشخاصٌ مُطلِعون على الوضع داخل المملكة.
وتُعد الأحزاب السياسية داخل المملكة محظورة، وكذلك تعتبر الاحتجاجات وإنشاء النقابات غير قانونية، وتخضع الصحافة للرقابة، ويمكن لأي نقد للعائلة الملكية أن يؤدي إلى السجن.
ومنذ الربيع العربي في 2011، كثفَت المملكة جهودها للسيطرة على الانشقاقات عبر سن قوانين مشددة وإصدار أحكام بالسجن بحق مذنبين متهمين نبشر مشاركات على شبكة الإنترنت، تحمل إهانة للحكام وتهدد النظام العام.
وتأتي الحملة القمعية الأخيرة في أعقاب تغيير السلطة داخل المملكة وبعد اتخاذ السعودية خطوةٍ في يونيو/حزيران 2017 بهدف فرض حصار اقتصادي على دولة قطر المجاورة لها.
الأميركيون قلقون
وتثير هذه الملابسات قلق المسؤولين الأميركيين والمراقبين بشأن احتمالية حدوث مزيدٍ من الاضطرابات السياسية في ظل تقدم الملك سلمان في السن وتركز السلطة في قبضة ابنه الأمير محمد بن سلمان.
وفرض الحصار الاقتصادي على قطر من السعودية بقيادة محمد بن سلمان وحلفائها، بينما فضل محمد بن نايف اتخاذ نهج آخر أكثر اعتدالاً عبر القنوات الدبلوماسية. وساهمت اختلافات وجهات النظر في توقيت تغيير السلطة، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال.
وأثارت خطوة تصعيد ولي عهد جديد للعرش، الذي يدعم منهجاً جديداً في السياسة الخارجية أكثر عدوانية، قلق مسؤولين أميركيين لأنهم لطالما اعتبروا السعودية مصدراً للاستقرار في الشرق الأوسط.
وكان محمد بن نايف شخصاً موثوقاً به بالنسبة لهؤلاء المسؤولين الأميركيين. غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أظهر تأييده لمحمد بن سلمان عبر لقائه مرتين في الرياض والسعودية قبل ترقيته لتولي منصب ولي العهد.
ولم يستجب البيت الأبيض لطلب الإدلاء بتعليقٍ بشأن الموضوع.
وقال ستيفن سايمون، الذي عمل على ملفات أمن الشرق الأوسط عندما كان مدير مجلس الأمن القومي خلال إدارتي كلينتون وأوباما: "كان محمد بن نايف ونظراؤه الأميركيون يتوافقون في رؤاهم بشأن العديد من الأمور".
وأوضح دبلوماسي سابق عن الأمير المعزول أن "جميع الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة والسعودية كانت تعتمد عليه".
اختراقات
ودفعت الانتقادات المُثارة بشأن تصعيد الخلاف مع قطر المسؤولين السعوديين إلى تكثيف جهودهم لمراقبة اتصالات المعارضين ووضع حدٍ للانتقادات العلنية خلال الشهر الماضي (يونيو/ حزيران 2017) وفي الأسابيع السابقة لتغيير السُلطة.
واستخدم المسؤولون، الذين يعملون لصالح محمد بن سلمان، تقنية تابعة لشركة Hacking Team، وهي شركة إيطالية تزود الحكومات بوسائل رقابة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الحدث.
ولم ترد شركة Hacking Team على الاتصالات والرسائل الإلكترونية، التي أرسلتها الصحيفة للحصول على تعليقها.
لماذا توقف المعارضون عن استخدام الشبكات الاجتماعية؟
وتوقف بعض المعارضين عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فيما قال الشيخ بدر العامر لمتابعيه في 14 يونيو/حزيران 2017 إنه سيتوقف عن نشر مشاركات على موقع تويتر وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي إلى أجلٍ غير مسمى.
ويأتي هذا الإعلان بعد نشره تغريدات تفيد بأن العديد من علماء الدين والمفكرين يصدقون قول قطر بأنها لا ترعى الإرهاب.
كما قال إبراهيم المديميغ، المستشار القانوني السابق لدى حكومة المملكة، في 27 يونيو/حزيران 2017 إنه سيترك تويتر مؤقتاً لأسبابٍ صحية، بينما عبَّر عن آماله بأن تفرج القيادة السعودية الجديدة عن الأشخاص المسجونين بسبب آرائهم السياسية.
وهناك مسؤول هام قد شارك في الجهود المبذولة لقمع احتجاجات شبكات التواصل الاجتماعي وهو موظف لدى ولي العهد الجديد، يدعى سعود القحطاني، وفقاً لنشطاء وصحفيين.
وأطلق القحطاني، الذي يعمل مستشاراً لدى الديوان الملكي وحصل على لقب وزير في 2015، حملة على موقع تويتر ضد قطر تزامناً مع فرض الحصار عليها في بداية يونيو/حزيران 2017، متهماً قطر بالتدبير لاغتيال الملك عبدالله منذ سنوات.
وشارك أيضاً مسؤولون في وزارة الداخلية السعودية بشكل مباشر في جهود قمع الأصوات المعارضة. ومنذ أسابيع قليلة، استدعى مسؤولو وزارة الداخلية صحفيين، ونشطاء، ورجال دين، وآخرين ممن يعتقد النظام أنهم يعارضوه بشكل علني، لحضور اجتماعات، وطُلِبَ منهم خلالها التوقف عن التعبير عن آرائهم، وفقا لأشخاص مطلعين على هذه الاجتماعات.
واستمرت حملة القمع مع نهاية شهر رمضان، ثم في 21 يونيو/حزيران، حدثت تغييرات السلطة بترقية ابن الملك وعزل ابن أخيه.
وتلت تغييراتِ السُلطة سلسلةٌ من الإجراءات، أسَّسَت قاعدةً لدعم نفوذ الأمير الشاب محمد بن سلمان، الذي يقود خطةً لإعادة هيكلة الاقتصاد، وتشمل بيع أسهم شركة النفط الحكومية في البورصة في عام 2018.
المصدر: هاف بوست عربي