انتهت ليل الأحد ــ الاثنين المهلة الممنوحة لقطر من قبل مقاطِعيها لتنفيذ «إملاءاتهم»، والتي بدت، منذ لحظة الإعلان عنها، أقرب إلى نوع من الهُزء؛ كونه لا يمكن تحقيق مطالب تقتضي تغييراً جذرياً في السياسات، في 10 أيام فقط، وعلى قاعدة «نفّذ ثمّ اعترض».
كان واضحاً، من خلال قائمة الـ 13 التي تقدمت بها السعودية والإمارات ومعهما مصر والبحرين، إلى الدوحة، عبر الكويت، أن المطلوب «إسكات» الأطراف الدولية التي ألحّت على المقاطِعين بإعلان أسباب «حربهم»، وتفويت فرصة «كسب الوقت» على قطر، من خلال تسريع مراحل الأزمة، ومنع دخولها فترة جمود تتيح للقطريين «تمييعها»، مثلما حدث عام 2014.
اليوم، يقف أطراف الأزمة على مفترق طرق خطير، تبدو فيه الدول المقاطِعة مستعدة لتصعيد «حربها» إلى أبعد الحدود، حتى لو أدى ذلك إلى إطاحة «مفخرة الصناعة الخليجية» (مجلس التعاون)، وتشديد الخناق الاقتصادي على «الشقيق»، مع ما فيه من تداعيات سلبية كبرى على القطريين خصوصاً والخليجيين عموماً. استعداد تُشتمّ منه رائحة بارود، وتُرى من خلاله سحائب نزاع، تعيد التذكير بـ«عاصفة» هبّت على الصحراء العربية عام 1990، ولم يعد تكرارها «توقعاً فلكياً»، في ظل «النزق» السعودي ــ الإماراتي المستجد، والذي يصعّب وضع الأحداث في نسق منطقي عقلاني.
في أول الإجراءات المتوقعة خلال الأيام المقبلة، يتم الحديث عن تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وهو ما لا ينفيه أي من المسؤولين أو الصحافيين السعوديين والإماراتيين الناشطين إعلامياً، على خط الأزمة. صحيح أن قراراً من هذا النوع يتطلب إجماعاً أو على الأقل تحقيق أغلبية في المجلس الأعلى لمجلس التعاون، بحسب النظام الأساسي للأخير، إلا أن الدول المقاطِعة قد لا تجد عظيم حرج في تجاوز النظام، وخصوصاً أن الكثير من بنوده لا تتجاوز كونها حبراً على ورق، كـ«النظام الأساسي لهيئة تسوية المنازعات»، الذي يحدّد اختصاصات تلك الهيئة وقواعد إجراءاتها، والذي لم يتمّ تفعيله في أي من الخلافات التي مرّت بها دول الخليج (الفارسي).
على المستوى الاقتصادي، تدور التكهنات حول مجموعة من الإجراءات، ستقطع، في حال تنفيذها، آخر ما تبقى من صلات مع الدوحة، وسيتجاوز تأثيرها المجال الخليجي إلى المجالين الإقليمي والدولي. في هذا الإطار، يقدّر مصرفيون أن تتلقى البنوك السعودية والإماراتية والبحرينية توجيهاً رسمياً بسحب ودائعها وقروضها ما بين البنوك، والتي تُقدّر بنحو 60 مليار ريال (16 مليار دولار) من قطر. إجراء سارعت الكويت، أمس، إلى إرسال إشارات رافضة له؛ إذ قال مصدر كويتي مسؤول، طلب عدم الكشف عن هويته لـ«رويترز»، إنه «لا نية لدى البنوك الكويتية لسحب ودائعها واستثماراتها في قطر»، موضحاً أن الإفصاحات التي أعلنتها عدة بنوك كويتية تأتي من باب إطلاع المستثمرين والأسواق على آخر التطورات بشأن المؤسسات التي يساهمون بها، وهو إجراء عادي ومنطقي في مثل هذه الظروف».
إلى جانب ذلك، لا يظهر مستبعداً أن تلجأ الدول المقاطِعة إلى تخيير الشركات الكبرى بين التخلي عن أصولها القطرية، وبين منعها من مواصلة استثماراتها في الخليج (الفارسي) (قال السفير الإماراتي في موسكو، عمر غباش، لصحيفة «ذي غارديان» البريطانية، إن من بين الاحتمالات «فرض شروط على شركائنا التجاريين، وإخبارهم بأنك إذا كنت تريد العمل معنا فإن عليك اتخاذ خيار تجاري»)، وهو ما سيحمل تلك الشركات، على الأرجح، على تفضيل الخيار الأول؛ كونها لن تجازف بعلاقاتها بأبو ظبي والرياض لمصلحة الدوحة، التي «إذا ما قارنا حجمها الديموقراطي والمالي، فإنها ستكون على الدوام الأضعف»، بحسب تعبير الخبير في مجموعة الأزمات الدولية، روبرت بليشير. على المستوى الإعلامي، ثمة توقعات بأن تعمد السعودية، بعدما حظرت، ومعها الإمارات، المواقع القطرية أو المحسوبة على قطر لديهما، إلى إيقاف بث قناة «الجزيرة» على قمرَي «عرب سات» و«نايل سات»، وهو ما لن يتطلب أكثر من أمر توجّهه الرياض إلى مسؤولي القمر الأول، وإيعاز تبعث به إلى مسؤولي القمر الثاني.
على خط مواز، يحضر العمل على تهيئة الأرضية لانقلاب داخلي في قطر، يقي السعودية والإمارات كلفة التدخل العسكري، خياراً جدياً، بل ومفضلاً، في أوساط الدول المقاطِعة. وفقاً لما تتداوله هذه الأوساط، فإن ثمة اقتناعاً بأن الدوحة لن «تستقيم سياسياً»، وفقاً لما تشتهي الرياض وأبو ظبي، إلا إذا تمّ إخراج الأمير السابق، حمد بن خليفة، وذراعه اليمنى، حمد بن جاسم، من الحياة السياسية، وهذا ما لن يتم إلا بانقلاب شامل يطيح الهيكلية القائمة حالياً، لاقتناع حكام الدول المقاطِعة بأن الأمير تميم لا يفعل أكثر من تنفيذ السياسات المملاة عليه من قبل والده، ومن قبل وزير الخارجية، رئيس الوزراء السابق. لكن، ما الذي يمكن للمقاطِعين أن يفعلوه لتحقيق ذلك؟ هل سيعمدون إلى اللعب على الوتر القبلي، وتأليب العشائر القطرية على أميرها؟ خيار وارد، لكنه، حتى الآن، يبدو غير ذي جدوى، في ظل «اللحمة الوطنية» التي ولدتها مقاطعة قطر، فضلاً عن أن اللجوء إليه سيكون أشبه بالدخول في حقل ألغام، يبدأ في قطر، لكنه سيمتد إلى السعودية وغيرها من مناطق الجزيرة العربية، لأسباب تتصل بالطبيعة القبلية الشديدة التعقيد.
ثم ماذا لم لو تفلح محاولات إخراج «الحمدَين» من دائرة القرار السياسي؟ هل سيرسل السعوديون وحلفاؤهم جيوشهم إلى الدوحة لإنهاء الأمر على شاكلة ما انتهى إليه في ميدان رابعة العدوية، مثلما هدد قبل أيام أحد الكتّاب السعوديين المقربين من البلاط؟ إلى الآن، يستبعد المسؤولون السعوديون والإماراتيون الخيار العسكري، «فهذه ليست الطريقة التي ننظر بها للأمور» بحسب تعبير السفير الإماراتي في روسيا، عمر غباش، لكن استمرار الشحن السياسي والإعلامي، مصحوباً بإجراءات عسكرية مضادة لإجراءات دول المقاطعة، قد يجعل من أي خطوة غير محسوبة شرارة لاشتعال بؤرة توتر جديدة في المنطقة.
في هذا السياق، يبرز استمرار وصول القوات التركية إلى قطر كعامل مطمئن للقطريين ومثير للقلق على مستوى الإقليم؛ إذ يبدو إصرار أنقرة على تعزيز وجودها في الدوحة تجلياً لاستشعارها بأنها المقصودة والمستهدفة من وراء «الحرب على قطر». وبعدما أعلنت وزارة الدفاع القطرية، في 18 حزيران الماضي، وصول طلائع القوات التركية إلى الدوحة، وإجراءها أول تدريباتها العسكرية في كتيبة طارق بن زياد، أكدت الوزارة، أول من أمس، وصول تعزيزات تركية إضافية إلى العاصمة، «في نطاق التعاون العسكري بين البلدين، وتفعيلاً لبنود الاتفاقات الدفاعية بين قطر وتركيا».
وإلى جانب تعويلها على الوجود التركي، أكد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، السبت، أن إغلاق قواعده «أمر غير وارد»، تواصل الدوحة محاولاتها استمالة الجانب الأميركي إلى صفها، منتهجة ما يسميها البعض «دبلوماسية الاستثمار». وعمدت الإمارة، الأسبوع الفائت، إلى التذكير بروابطها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، عبر إضاءة برج «إمباير ستايت بيلدينغ» في نيويورك بلونيها الوطنيين. كما أضاءت باللونين نفسيهما أيضاً ناطحة السحاب الأشهر في وسط مانهاتن، احتفالاً بالذكرى العاشرة لبدء رحلات جوية بين البلدين. وتمتلك قطر 10% من حصص المبنى المرتفع على طول 100 طبقة وطبقتين، اشترتها قبل حوالى عام بـ 622 مليون دولار. وكانت الدوحة قد أعلنت، قبل أسبوعين، أن شركتها الجوية العامة تعتزم شراء 10% من رأسمال شركة «أميريكان إيرلاينز»، أكبر شركة طيران في العالم. جاء ذلك بعدما وقّع القطريون مع الأميركيين عقداً بقيمة 12 مليار دولار لشراء 36 مقاتلة من طراز «إف - 15» من إنتاج شركة «بوينغ». لكن، هل سيفلح ذلك كله في إقناع واشنطن بكبح لجام حلفائها السعوديين والإماراتيين؟ حتى الآن، لا يظهر أن واشنطن تبذل جهوداً حقيقية لحل الأزمة. باستثناء ما تبديه تكراراً من دعم لجهود الوساطة الكويتية، ضخت آخر جرعاته، أول من أمس، في اتصال هاتفي بين وزير خارجيتها ريكس تيلرسون، ونظيره العماني يوسف بن علوي، تتعامل الولايات المتحدة مع النزاع على قاعدة «أمطري حيث شئت، فسوف يأتيني خراجك».
بورصة قطر في أدنى مستوياتها
قبيل ساعات من انتهاء المهلة التي حدّدتها دول المقاطعة الأربع للدوحة، هبط مؤشر بورصة قطر إلى أدنى مستوياته في 18 شهراً. وتراجع المؤشر 2.3 في المئة، إلى 8822 نقطة، مبدداً معظم المكاسب التي حققها في 22 حزيران، والتي بلغت 2.9 في المئة في آخر جلسة تداول، قبل أن تغلق السوق لمدة أسبوع في عطلة عيد الفطر. ويأتي ذلك في وقت يواجه فيه الريال القطري ضغوطاً في أسواق الصرف العالمية بسبب نقص السيولة، ما دفع بنوكاً وشركات إلى إيقاف التعامل به. وعلى الرغم من تلك الضغوط، إلا أن قطر تواصل تطميناتها إلى أن سعر صرف الريال القطري «لم ولن يتغير»، معتبرة ما يُشاع، في هذا الشأن، مجرد «تضخيم إعلامي لأغراض سياسية». وبحسب مسؤولين مصرفيين قطريين، فإن الريال القطري «مسنود بميزان مدفوعات واستثمارات خارجية كبيرة، واحتياطي ضخم من العملات الصعبة وبأضعاف النسب المطلوبة، وهو ما يضعه في موقع قوي جداً».
الدول المقاطعة لقطر وافقت على طلب الكويت تمديد المهلة لقطر 48 ساعة وتقول إنها ستدرس رد قطر بعد تسليمه إلى الكويت. وزير الخارجية القطري يتوجه الأربعاء إلى الكويت ليلتقي أميرها حاملاً رسالة خطية من نظيره القطري تميم بن حمد تتضمن رد الدوحة على المطالب التي قدمتها السعودية والبحرين ومصر والإمارات.
وزارة الخارجية السعودية جددت في آخر تعليقاتها على الأزمة الخليجية، أنها "ترفض دعم قطر للإرهاب والتطرف وتعريض أمن المملكة والمنطقة للخطر"، مشددة على أن "مقاطعة قطر جاءت من أجل توجيه رسالة إلى الدوحة، مفادها لقد طفح الكيل" ومذكرة بما قاله وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في واشنطن في 27 حزيران/يونيو الماضي من أن "المطالب المقدمة غير قابلة للتفاوض أو النقاش".
فإلى أين تتجه الأزمة الى حل قريب أم حرب مفتوحة؟!
وكالات