مع كلّ يومٍ يمر يتبيّن أنّ التقدير الإستراتيجيّ الإسرائيليّ الذي أكّد على أنّ حزب الله هو العدّو الأوّل لإسرائيل كان صحيحًا ودقيقًا للغاية، وحتى هذه اللحظة ما زال كبار صنّاع القرار في تل أبيب، من المُستويين الأمنيّ والسياسيّ، يُحاولون الإجابة على السؤال المفصليّ: هل حزب الله بات مردوعًا من قوّة "إسرائيل" العسكريّة، أمْ أنّ "إسرائيل" هي التي أصبحت مردوعةً من حزب الله؟
وبحسب محافل سياسيّة وأمنيّة رفيعة المُستوى في الدولة العبريّة فإنّ الإجابة على السؤال صعبة، وفي أحسن الأحوال، تقول المحافل عينها إنّ الطرفين باتا مردوعيْن، كما نقلت اليوم الأحد صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة عن مصادر مطلعّة في تل أبيب.
علاوةً على ذلك، كشفت الصحيفة النقاب عن أنّ قلقًا عارمًا يسود شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان) في الجيش الإسرائيليّ من مواجهةٍ مستقبليّةٍ قاسيةٍ على الجبهة الشمالية، أيْ مع حزب الله اللبنانيّ. وبحسب الصحيفة، التي اعتمدت على مصادر سياسيّة وأمنية إسرائيليّة رفيعة المُستوى، فإنّه على خلفية معارضة البيت الأبيض زيادة المساعدات العسكريّة لـ"إسرائيل" لحمايتها من الصواريخ، حذّر رئيس الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة، الجنرال هرتسي هليفي، من حرب غير هينّة مع حزب الله.
كما أوضح الجنرال الإسرائيليّ إنّه خلال المواجهة القادمة ستشهد الجبهة الشماليّة تجربةً قاسيةً جدًا، بحسب تعبيره. وبيّن أيضًا أنه من ناحية الوضع تحسن، نحن أقوى من كل الجهات المحيطة بنا، ومن ناحية أخرى نحن في بيئة معقدة. بعبارة أخرى، الوضع قد تحسّن وتحولّ لمعقدٍ، على حدّ وصفه.
وتابعت الصحيفة العبريّة قائلةً، نقلاً عن المصادر عينها، إنّ أكثر ما يُقلق المجلس الوزاريّ الأمنيّ السياسيّ المُصغّر (الكابينيت) وكبار جنرالات الجيش الإسرائيلي هو مسألة إقامة إيران مصانع لإنتاج الأسلحة الدقيقة في لبنان، وهو الأمر الذي أقّر بوجوده قائد شعبة الاستخبارات العسكريّة الجنرال هليفي قبل عشرة أيّام في مؤتمر هرتسليا للمانعة القوميّة، حيث أكّد على أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران تُقيم في لبنان وأيضًا في اليمن مصانع لإنتاج الأسلحة المتطورّة والمتقدّمة، مُشدّدًا على أنّ "إسرائيل" لا يُمكن أنْ تسمح لنفسها أنْ تقف موقف المتفرج حيّال هذه المُستجدات، على حدّ تعبيره.
وأشارت الصحيفة العبريّة إلى أنّ جريدة “الجريدة” الكويتيّة، كانت أوّل مَنْ نشر عن هذا الموضوع، مُرجحةً أنّ هذا النشر تمّ بعد تسريبٍ إسرائيليٍّ. وقال الصحيفة الكويتيّة في تقريرها إنّ وسائل إعلام نقلت عن أحد مساعدي قائد الحرس الثوريّ الإيرانيّ قوله، إنّ طهران تنشئ مصانع للأسلحة والصواريخ لحساب حزب الله في لبنان، على عمق يزيد على 50 مترًا، فوقها طبقات مختلفة من المتاريس المتنوعة، حتى لا تستطيع الطائرات ضربها.
وأضاف التقرير إنّ المصنع ينتج أنواعًا مختلفة من الصواريخ، يصل مداها إلى أكثر من 500 كيلومتر، بينها صواريخ أرض - أرض وأرض - بحر وطوربيدات بحرية، تطلق من قوارب خفيفة وسريعة وغيرها من الأسلحة. ولا يقوم مصنع واحد بصناعة الصواريخ بشكل كامل، بل تُصنع كقطع مستقلة في مصانع مختلفة، وفي النهاية يتم تجميعها.
وقالت الصحيفة الكويتيّة أيضًا إنّ تقارير أشارت إلى أنّه تمّ تأسيس فرع خاص في جامعة الإمام الحسين في إيران، تابعة للحرس الثوريّ، يدرب لبنانيين وأجانب على صناعة الأسلحة. ويقول مصدر مطلع إنّه كان لا بدّ من إيجاد بديل، للمصانع المهددة أو التي دمرت، بمصنع الأسلحة في لبنان.
أمّا المصادر الإسرائيليّة، فقالت للصحيفة العبريّة إنّ الهدف من إقامة المصانع الإيرانيّة على الأراضي اللبنانيّة هو منع سلاح الجوّ الإسرائيليّ من استهداف قوافل الأسلحة الوافدة من سوريّة إلى حزب الله في لبنان، والتي بحسب المصادر الأجنبيّة، يتّم استهدافها من قبل المُقاتلات الإسرائيليّة.
ولفتت المصادر نفسها، كما قالت الصحيفة العبريّة، إلى أنّ الكابينيت الإسرائيليّ عقد جلسةً خاصّةً مؤخرًا لنقاش هذه القضية الخطيرة، ومن بين الاقتراحات التي تمّ تداولها كان توجيه إسرائيل ضربةً استباقيةً لحزب الله في لبنان، مع أنّ التفاهمات غير المكتوبة بين تل أبيب وحزب الله أنّ إسرائيل لا تُهاجم مواقع الحزب في لبنان، وذكّرت الصحيفة أنّه في المرّة الأخيرة التي قامت إسرائيل بالإغارة على مواقع حزب الله، ردّ الأخير بقصف القوّات الإسرائيليّة المرابطة في مزارع شبعا.
ولكنّ المصادر عينها حذّرت من أنّ الإقدام على خطوةٍ من هذا القبيل يحمل في طياتّه الكثير من المخاطر، ذلك أنّ مَنْ سيتخّذ هذا القرار عليه أنْ يتوقّع المثول أمام لجنة تحقيق رسميّة إسرائيليّة، في حال لم يتمكّن الجيش الإسرائيليّ من تحقيق حسمٍ سريعٍ وانتصار واضحٍ، على حدّ تعبيرها.
ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكريّ مطلّع على الأحداث، كما وصفته، قوله إنّ حرب لبنان الثالثة ستكون قاسيةً جدًا وأنّ إسرائيل ستنتصر فيها، ولكن الانتصار يتعلّق بالضربة الافتتاحيّة، على حدّ تعبيره، لافتًا إلى أنّ أسهل طريقة هي عدم اتخاذ القرار، لأنّ مَنْ سيتخذ القرار ستكون لجنة التحقيق في انتظاره، وبالتالي يجب أنْ يكون القرار مبنيًا على أسسٍ موضوعيّةٍ، وبعد الحصول على صورةٍ واضحةٍ من أذرع الاستخبارات الإسرائيليّة، كما أكّد.
* راي اليوم