في المدينة المنورة وقرب المسجد النبوي الشريف ومرقد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، هنالك بقعة شريفة طاهرة أيضاً، هي مقبرة "بقيع الغرقد" المقدسة والتي بها مراقد الأئمة الأربعة المعصومين من أهل بيت النبوّة والرسالة (عليهم السلام)، وهم الامام الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين (ع)، والامام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، والامام محمد بن علي الباقر (ع)، والامام جعفر بن محمد الصادق (ع)، وكذلك مراقد كل من: ابراهيم بن رسول الله (ص) وسيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت الرسول الأعظم (ص) سيدة نساء العالمين (برواية)، وبعض زوجات الرسول (ص) من امهات المؤمنين وكذلك عمه العباس بن عبدالمطلب (س) وعماته، وكذلك اسماعيل بن الامام جعفر الصادق (ع)، ووالدة الامام علي أمير المؤمنين (ع) سيدتنا فاطمة بنت أسد (س) وكذلك زوجة الامام علي (ع) سيدتنا أم البنين (س)، ومرضعة النبي (ع) السيدة حليمة السعدية، وجمع من الصحابة وعلى رأسهم الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الانصاري (رض) الى جانب الشهداء والتابعين ...
"البقيع الغرقد" .. مقبرة مقدسة وأرض مشرفة وتربة وهي قطعة من الجنة لانها تضم في طياتها ابدان ذرية رسول الله (ص) واجساد جمع من اولياء الله (رض) .
بقيع الغرقد
أصل البقيع في اللغة يعني الموضع الذي أرم فيه الشجر من ضروب شتى، وبه سمي "بقيع الغرقد". والغرقد يعني كبار العوسج، فلذا سمي ب"بقيع الغرقد" لان هذا النوع من الشجر كان كثيرا فيه ولكنه قطع .
ويروى أن النبي الأكرم (ص) خرج لنواحي المدينة وأطرافها باحثا عن مكان يدفن فيه أصحابه حتى جاء البقيع، وقال (ص):"أمرت بهذا الموضع" وكان شجر الغرقد كثيرا، فسميت به.
ولقد كانت لهذه القبور قباب أضرحة وبناء، وكان لها صحن وحرم، وغيرها من المعالم التي تدل على قدسية أصحابها، فكانت عظيمة في أعين الناس، شامخة في قلوب المسلمين، محفوظة حرمتها وكرامتها، وقد كان الناس يتوافدون على هذه البقعة المقدسة لزيارة المدفونين فيها، عملاً بالسنة الاسلامية من استحباب زيارة القبور وخاصة قبور ذرية رسول الله (ص) واولياءا لله تعالى .
وبتحريك من الاستعمار البريطاني الخبيث وبتأثير من بعض الأفكار المنحرفة والمبادئ الباطلة التي لا تمت للاسلام المحمدي الأصيل بصلة، عمدت زمرة الوهابية التكفيرية المتطرفة وفي الثامن من شوال عام 1344هجري قمري ـ الموافق لـ25 نيسان / إبريل عام 1925ميلادي، عمدت الى هدم هذه القبور كليّاً وتسويتها بالأرض بزعم حرمة تعلية القبور وحرمة زيارتها عند هذه الفرقة الضالة والمنحرفة، حيث حولوا مقبرة "بقيع الغرقد" الى تراب ومدر وأحجار بعدما كان مفروشاً بالرخام ونهبوا كل ما كان فيه من فرش غالية وهدايا عالية، وسرقوا المجوهرات واللآلئ التي كانت داخل أضرحة أهل البيت عليهم السلام.
والوهابية فرقة ضالة مضللة منحرفة تكفيرية اجرامية دموية قام الاستعمار البريطاني في أواخر القرن الثاني عشر للهجرة الموافق القرن الثامن عشر الميلادي بابتداعها على يد محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1792) ومحمد بن سعود حيث تحالفا لنشر الدعوة السلفية، ما نتج عنه قيام الدولة السعودية الأولى، بتأسيسها لتواصل طريق شرخ الصف الاسلامي المحمدي الأصيل الذي يعتبره الاستعمارعدوه اللدود الأوحد وذلك تبعا لسيرة أسيادهم الذين أوجدوا السقيفة في يوم رحيل الرسول الأعظم (ص) وأغتصبوا القيادة والسيادة الاسلامية وبدأوا بتحريف الاسلام المحمدي الأصيل.
وليس خافياً على أحد ما تقوم به هذه الحركة التكفيرية الضالة والمنحرفة من استباحة دماء المسلمين وهتك حرماتهم ومقدساتهم في جميع ربوع العالم الاسلامي خاصة ما يشهده العراق وشعبه المظلوم كل يوم من انفجارات ارهابية تقطع أوصال المواطنين الشيعة الأبرياء وكذلك ما يعانيه أتباع أهل البيت (ع) على يد هذه الزمرة النفاقية في السعودية ذاتها وفي صعدة باليمن حيث تشن ضدهم الحرب الطاحنة.
ولم يتحفظ الوهابيون في تبيان آرائهم، بل شرعوا بتطبيقها على الجمهور الأعظم من المسلمين بقوة الحديد والنار والارهاب والارعاب.. فكانت المجازر التي لم تسلم منها بقعة في العالم الإسلامي طالتها أيديهم، من العراق والشام وحتى البحر العربي جنوبا والأحمر والخليج الفارسي غربا وشرقا.
ولقد انصب الحقد الوهابي في كل مكان سيطروا عليه، على هدم قبور الصحابة وخيرة التابعين وأهل بيت النبي (ص) الذين طهرهم الله عزوجل من الرجس تطهيرا.. وكانت المدينتان المقدستان (مكة المكرمة والمدينة المنورة) ولكثرة ما بهما من آثار دينية، من أكثر المدن تعرضا لهذه المحنة العصيبة والمأساة النازفة، التي أدمت قلوب المسلمين وقطعتهم عن تراثهم وماضيهم التليد.
* الهدم الأول:
كانت الجريمة التي لا تنسى، عند قيام الدولة السعودية الأولى حيث قام آل سعود بأول هدم جزئي للبقيع وذلك عام 1220هـ .ق وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين، فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.
وفي هذا الاطار يكتب أحد الرحالة البريطانيين حين وصف المدينة المنورة بعد تعميرها بأنها تشبه اسطنبول أو أية مدينة أخرى من المدن الجميلة في العالم، وكان هذا في عام 1877 - 1878م أي قبل تعرض المدينة المنورة المباركة لمحنتها الثانية على أيدي الوهابيين العتاة.
* الهدم الثاني:
بعد ما استولت الوهابية وآل سعود مرة اخرى على مكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة وضواحيهما، وذلك بعد قيام دولتهم الثالثة عام 1344 هـ، بدأوا يفكّرون بوسيلة ودليل لهدم المراقد المقدّسة في البقيع، ومحو آثار أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة .
وخوفاً من غضب المسلمين في البلاد الاسلامية خاصة الحجاز(شبه الجزيرة العربية)، وتبريراً لعملهم الإجرامي المُضمر في بواطنهم الفاسدة، استفتوا علماء المدينة المنورة حول حرمة البناء على القبور .
فكتبوا استفتاءً ذهب به قاضي قضاة الوهابيين "سليمان بن بليهد" مستفتيا علماء المدينة، فاجتمع مع العلماء أولا وتباحث معهم، وتحت التهديد والترهيب وقّع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحرمة البناء على القبور، تأييداً لرأي الجماعة المنحرفة والمتطرفة التي كتبت الاستفتاء .
واستناداً لهذا الجواب اعتبرت سلطات آل سعود ذلك مبررا مشروعا لهدم قبور الصحابة والتابعين ـ وهي في الحقيقة إهانة لهم ولآل الرسول (ص) ـ فتسارعت قوى الشرك والتكفير والضلالة والوهابية الى هدم قبور آل الرسول (ص) في الثامن من شهر شوال من العام ذاته فهدّموا قبور الأئمة الأطهار(ع) والصحابة في البقيع، وسوّوها بالأرض، وشوّهوا محاسنها، وتركوها معرضاً لوطئ الأقدام، ودوس الكلاب والدواب .
وبعدما انتشر خبر تهديم القبور، استنكره المسلمون في جميع بقاع العالم، على أنّه عمل إجرامي يسيء إلى أولياء الله، ويحطّ من قدرهم، كما يحطّ من قدر آل الرسول (ص) وأصحابه .
ونشرت جريدة أُمّ القرى بعددها 69 في 17 / شوال 1344 هـ.ق نص الاستفتاء وجوابه ـ وكأن الجواب قد أُعدّ تأكيداً على تهديم القبور ـ وحددت تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة بتاريخ 25 / رمضان 1344 هـ، امتصاصا لنقمة المسلمين، إلا أن الرأي العام الاسلامي لم يهدأ حتى يومنا هذا، لا في داخل الحجاز ولا في العالم الإسلامي، وتوالت صدور التفنيدات للفتوى ومخالفتها للشريعة الإسلامية .
فاصبح "البقيع الغرقد" ذلك المزار المهيب قاعا صفصفا لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن أن تعرف صاحبه.
*العزم على هدم قبر الرسول (ص):
وتشير الوثائق والقرائن الى أن الوهابيين لم يكتفوا بتلك الجرائم بل حاولوا مرارا هدم قبر الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبته وبدأوا في محاولات مشبوهة للمساس بالقبر النبوي الشريف لكنهم لم يتمكنوا من الاستمرار فيها، حيث أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم (ص) لكن تظاهر المسلمين في الهند ومصر وبعض بلاد افريقيا والذين هاجوا وماجوا واقاموا المظاهرات المعادية للدولة قد اثار مخاوف البريطانيين من انفلات الامر من ايديهم لهذا فقد اوعزوا الى عميلهم العالم الوهابي ان يقول للناس إني رأيت البارحة رسول الله (ص) في المنام فأمرني ان اترك قبره، فقلت يا رسول الله لماذا ؟ قال: لأن المصلحة في بقاء قبري الى حين وبذلك أجاب عن الوهابيين الملتفين حوله الذين كانوا يقولون إن كانت القبور بدعة فلماذا بقاء قبر رسول الله (ص) وإن لم تكن بدعة فلماذا هدم تلك القباب الأخر للأئمة وأولاد النبي وأصحابه وزوجاته ومن إليهم ؟
وهذه القصة معروفة ومشهورة في أمر توقفهم عن هدم قبر وقبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم يحنّون إلى العمل على هدمهما إلى الآن , لكن خشيتهم من العواقب الوخيمة لهذا العمل تحول دون ذلك .
ولكن محاولاتهم الخبيثة والمشبوهة لاتنقطع فقد افتوا بحرمة الاسراج (الإضاءة) عند القبور، ومنعوا الاسراج حتى عند قبر النبي الأكرم (ص) في عام 1346 هجرية، ثم تراجعوا عن ذلك بسبب كثرة البلبلة التي كان يحدثها الزوار والمناوشات التي كانت تحدث بينهم وبين الزائرين من مختلف بقاع العالم الاسلامي .
الا انهم غيروا رأيهم بسبب حدوث ردود فعل إسلامية قوية من مختلف البلدان الإسلامية.
قل للذي افتى بهدم القباب انك سوف تصلى يوم القيامة نارا
اوتعلم اي القباب قد هدمتها هي للملائكة لا تزال مزارا
* الجريمة كما وصفها الغربيون:
يقول الرحالة السويسري "لويس بورخارت" والذي اعتنق الاسلام وسمى نفسه ابراهيم:"تبدو مقبرة البقيع حقيرة جدا لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها. وقد تكون أقذر واتعس من أية مقبرة موجودة في المدن الشرقية الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها، فهي تخلو من اي قبر مشيد تشييدا مناسبا، وتنتشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب. يحد كل منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها.. ويعزى تخريب المقبرة الى الوهابيين".
ثم يصف هذا الرحالة قبورة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقبر العباس (عليه السلام) وعمات النبي (صلى الله عليه وآله) بالقول (فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحفر عريضة ومزابل!
أما "جبل أحد" فيقول عنه هذا الرحالة بأنه "وجد المسجد الذي شيد حول قبر حمزة (رض) وغيره من شهداء أحد مثل مصعب بن عمير وجعفر بن شماس وعبد الله بن جحش قد هدمه الوهابيون.. وعلى مسافة وجد قبور اثني عشر صحابيا من شهداء أحد وقد خرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها".
وقد وصف الرحالة الغربي "ايلدون رتر" المدينة المنورة بعد الجريمة الثانية التي نفذها الوهابيون عند استيلائهم على المدينة وقتلهم الآلاف من الأبرياء، يقول:"لقد هدمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل على قبور آل البيت النبوي.. وأصحاب القبور الأخرى نفس المصير فسحقت وهشمت".
* بناء القبور في القرآن الكريم :
لو تتبعنا القرآن الكريم ـ كمسلمين ـ لرأينا أنّ القرآن الكريم يعظّم المؤمنين ويكرّمهم بالبناء على قبورهم ـ حيث كان هذا الأمر شائعاً بين الأُمم التي سبقت ظهور الإسلام ـ فيحدّثنا القرآن الكريم عن أهل الكهف حينما اكتشف أمرهم ـ بعد ثلاثمائة وتسع سنين ـ بعد انتشار التوحيد وتغلّبه على الكفر .
ومع ذلك نرى انقسام الناس إلى قسمين: قسم يقول: ( ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ) تخليداً لذكراهم ـ وهؤلاء هم الكافرون ـ بينما نرى المؤمنين ـ التي انتصرت إرادتهم فيما بعد ـ يدعون إلى بناء المسجد على الكهف، كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى، بجوار قبور أُولئك الذين رفضوا عبادة غير الله .
فلو كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك، فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين ؟! ولماذا ذكر القرآن اقتراحهم دون نقد أو ردّ ؟! أليس ذلك دليلاً على الجواز، ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً ).
فهذا تقرير من القرآن الكريم على صحّة هذا الاقتراح ـ بناء المسجد ـ ومن الثابت أنّ تقرير القرآن حجّة شرعية .
إنّ هذا يدل على أنّ سيرة المؤمنين الموحّدين في العالم كلّه كانت جارية على البناء على القبور، وكان يُعتبر عندهم نوعاً من التقدير لصاحب القبر، وتبرّكاً به لما له من منزلة عظيمة عند الله، ولذلك بني المسجد وأصبحت قبور أصحاب الكهف مركزاً للتعظيم والاحترام .
ولا زالت هذه الحالة موجودة حتّى في وقتنا الحاضر، لقبور العظماء والملوك والخالدين، فهل توجد أخلد وأطهر من ذرّية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيرا .
لعـمري إنّ فاجعة البقيـع يُشيبُ لهولها فؤاد الرضيع
وسوف تكون فاتحة الرزايا إذا لم يُصحَ من هذا الهجوع
أما من مسـلم لله يرعـى حقوق نبيّـه الهادي الشـفيع
* الجريمة النكراء وتناقضها مع القيم:
عملية هدم المراقد المطهرة في "البقيع الغرقد" تتناقض مع كل القيم؛ فهي تحمل طابع التناقض مع ذاتها أولاً، ومع القيم الدينية ثانياً، ومع الحالة الحضارية ثالثاً، ومع واقع الأمّة الإسلامية وتاريخها رابعاً.
1. التناقض الذاتي في جريمة هدم المراقد في البقيع: إذا كان هدم القبور واجباً شرعياً، فلماذا هدمت بعضها دون بعضها الآخر؟
2. التناقض مع القيم الدينية: ان هذه البيوت التي هدموها هي من البيوت التي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه؛ قال السيوطي ـ وهو من كبار علماء أهل السنة ـ في كتابه (الدر المنثور): عندما نزل قوله تعالى: "في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدوّ والآصال رجال لا تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله و...." قام رجل وقال: يا رسول الله ما هي هذه البيوت؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنها بيوت الأنبياء. فقام ابو بكر وأشار إلى بيت عليّ وفاطمة سلام الله عليهما وقال: هل هذه منها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم، من أفاضلها.
وإننا نسأل القوم: هل يكون رفع هذه البيوت ـ التي أمر الله عزوجل برفعها ـ بهدمها وتحويلها إلى يباب؟ وهل يعتبر هدم قبور هذه الصفوة تعبيراً عن المودّة التي أمر الله تعالى المسلمين لأصحابها حيث قال: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى"؟! أم هو التعظيم الذي أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: "ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".
إنه من الواضح جداً أنّ هذه العملية تتناقض مع القيم الدينية والثوابت القرآنية أيضاً.
3. التناقض مع الحالة الحضارية:إذا لاحظنا الأممم المتقدمة وكذا الحضارات الحاكمة اليوم، لرأيناهم يهتمّون بتاريخهم اهتماماً كبيراً ويحاولون الاحتفاظ بأيّ أثر من عظمائهم.
وهذا ديدن الأمم المتحضّرة كلّها، في الغابر والحاضر، فهي تهتمّ بآثار عظمائها وتحاول تخليدها والاحتفاء بها. فمما ينقل في هذا المجال أن المسيحيين بنوا كنيسة وسمّوها كنيسة الحاضر فوق أرض يزعمون أن حافر دابّة عيسى لامستها.
لاشك أنّ التعامل مع أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا النحو وهدم مراقدهم والمنع من زيارتها، يعبّر عن حالة غير حضارية.
4. التناقض مع واقع الأمّة وتاريخها: لقد كانت المراقد موجودة في مكّة المكرمة والمدينة المنوّرة حتى في أيّام حكم الرسول صلى الله عليه وآله ولم نسمع أنه أمر بهدمها أو نهى عن زيارتها، بل عدّت جزءاً من الشعائر المهمّة، ففي مكة قبر لهاجر زوجة النبي ابراهيم سلام الله عليهما وكذلك قبر ابنه اسماعيل سلام الله عليه، وفوقه بناء وهو المسمى اليوم بحجر اسماعيل، وهكذا قبور كثير من الأنبياء سلام الله عليهم.
يقول ابن تيمية ـ وهو من كبرائهم حيث أتخذوه اماماً لحركتهم الضالة ـ في كتابه "الصراط المستقيم":(عندما تمّ فتح القدس كانت لقبور الأنبياء هناك أبنية، ولكن ـ يدّعي أنّ ـ أبوابها كانت مغلقة حتى القرن الرابع الهجري).
ونحن نسأل: إذا كانت هذه الأبنية ـ كما تزعمون ـ بدعة وضلالة فلماذا لم يهدمها المسلمون؟ ولماذا لم يأمر عمر أو صلاح الدين مثلاً بهدمها؟
وهل هذا إلا تناقض مع الواقع التاريخي لهذه الأمّة طيلة ألف عام؟
* أهم المراقد والمعالم التي هدمها الوهابيون وآل سعود في البقيع :
11- مراقد الأئمة الأربعة: الحسن السبط، وزين العابدين، ومحمد الباقر، وابنه جعفر بن محمد الصادق عليهم الصلاة والسلام، وقبر العباس ابن عبد المطلب عم النبي، وبعد هدم هذه القباب تم ازالة الأضرحة وتسويتها بالارض .
2- قبة أهل البيت عليهم السلام المحتوية على ضريح سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله عليها
3- قبة مرقد سيدنا إبراهيم عليه السلام، ابن النبي الاكرم (ص) وضريحه.
4- قبة مراقد أزواج النبي (ص) وأضرحتهن.
5-قبة مراقد عمات النبي (ص) واضرحتهن.
6- قبة مرقد مرضعة النبي الاكرم (ص) السيدة حليمة السعدية.
7- قبة مرقد إسماعيل ابن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) وضريحه.
8- قبة مرقد الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري وضريحه.
9- قبة مرقد سيدتنا فاطمة بنت أسد أم امير المؤمنين (ع) وضريحها .
10- قبة مرقد سيدنا عبد الله والد النبي (ص) .
11- قبة مرقد سيدنا حمزة بن عبد المطلب عم الرسول الاكرم (ص) خارج المدينة المنورة عند جبل احد .
11- قبة مرقد علي العريضي ابن الامام جعفر بن محمد الصادق خارج المدينة .
12- قبة مرقد زكي الدين وضريحه خارج المدينة .
13- قبة مرقد الصحابي مالك أبي سعد من شهداء أحد داخل المدينة.
14- موضع الثنايا خارج المدينة .
15- مشهد مصرع سيدنا عقيل بن أبي طالب (ع).
16- بيت الأحزان لسيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام.
17- قبر سيدتنا ام البنين عليها السلام .
*المساجد التي هدمها الوهابيون في الثامن من شوال في المدينة المنورة :
مسجد الكوثر، ومسجد الجن، ومسجد أبي قبيس، ومسجد جبل النور، ومسجد الكبش... إلى ما شاء الله من المآثر والمقامات وسائر الدور والمزارات المحترمة التي هدمت ولم يكتف الوهابيون بكل ذلك اذ قاموا وبامر من الحاكم من آل سعود آنذلك، بعملية مماثلة في مكة المكرمة، فقاموا بهدم قبة مرقد جد الرسول الاعظم (ص) سيدنا عبد المطلب، وقبة مرقد أبي طالب والد الامام علي بن ابي طالب (ع)، وقبة مرقد سيدتنا خديجة أم المؤمنين (س)، كما قاموا بتخريب المنزل الذي شهد مولد الرسول الاعظم (ص) .
كما قام الوهابيون وبامر من الحاكم بهدم المنزل الذي شهد مولد سيدتنا فاطمة الزهراء (ع).
* وفي جدة:
هدموا قبة مرقد سيدتنا وام البشر حواء وتسوية ضريحها مع الارض .نعم هذه هي جرائم الوهابيين التي خلدها لهم التاريخ كشاهد على عظيم جنايتهم وجناية ال سعود بحق الاسلام وبحق رسول الله صلى الله عليه واله وبحق ابنائه الائمة الاطهار ونسائه وعماته واعمامه واصحابه، وجاء تفجيرعناصر القاعدة الوهابيين واعوانهم البعثيين لمرقدي العسكريين في سامراء في 22 شباط 2006 وفي 15 حزيران عام 2007 ليذكر العراقيين والمسلمين بجرائم العصابة الحاكمة في الجزيرة العربية باسم الاسلام والتشيع وباستخدام مذهب تكفيري أورثه لهم رجل ضال يدعى ابن تيمية الذي كان يكفر كل المسلمين، فقام اربعة من كبار علماء المذاهب السنية الاربعة في مصر في ظل الحاكم العثماني باصدار فتوى بتكفيره كونه لايتوب عن تكفير المسلمين وسجن في سجن القلعة في القاهرة الى ان مات فيه عام 728 للهجرة .
وليت شعري أين كان علماء المدينة المنوّرة عن منع البناء على القبور ؟ ووجوب هدمها قبل هذا التاريخ ؟! ولماذا كانوا ساكتين عن البناء طيلة هذه القرون ؟! من صدر الإسلام، وما قبل الإسلام، وإلى يومنا هذا !
ألم تكن قبور الشهداء والصحابة مبني عليها ؟ ألم تكن هذه الأماكن مزارات تاريخية موثّقة لأصحابها، مثل مكان: مولد النبي (ص)، ومولد فاطمة (ع)، وقبر حوّاء أُمّ البشر والقبّة التي عليه، أين قبر حوّاء اليوم ؟ ألم يكن وجوده تحفة نادرة ؟ يدلّ على موضع موت أوّل امرأة في البشرية ؟ أين مسجد حمزة في المدينة ؟ ومزاره الذي كان ؟ أين ... ؟ وأين ... .
كان الهدف على وجه التحديد ليس الحجارة المشيدة فوق القبور وان كان ادعائهم الباطل بان القبور محرمة الا انهم في الحقيقة يستهدفون رسالة أصحابها وأهدافهم السامية ومناهجهم الربانية التي من شانها أن تهدي البشرية وتعرفها جادة الصواب فمثل هؤلاء لا يريدون النور للعالم ولا يريدون للعقول أن تتفتح لذلك يسعون الى هدم وطمر كل شيء من شأنه هداية العالم فقد ظنوا وخاب ظنهم أنهم بهدم القبور يمحون ذكر أصحابها ولكنهم لا يعلمون أنهم حجج الله سبحانه وتعالى البالغة وأنهم نوره الحق الذي لا تخفيه ظلمات الجهل فقد خاب سيعهم وحصدوا شر أعمالهم بخزيهم ولعنهم في الدنيا ولهم سوء العذاب يوم القيامة .
بالمقابل علينا الى جانب أحياء هذه المصيبة عاطفياً ان يكون لنا رد فعل معاكس لحقيقة أهدافهم البغضية فهم يريدون ان يخفوا نور آل محمد الأطهار وعلومهم ومناهجهم والواجب علينا ان ننشر علومهم ونعرف العالم من هم آل محمد الأطهار وماهو سلوكهم ومنهجيتهم وخلقهم ليعلموا اننا لسنا بغافلين عن مخططاتهم الخبيثة ولسنا عبارة عن اناس تحركهم المشاعر فقط .
وختاماُ .. المسلمون كافة وخاصة اتباع اهل البيت عليهم السلام مدعوون اليوم الى الاحتجاح على استمرار هدم قبور ائمة اهل البيت ومطالبة الحكم السعودي بعدم اعتراض بناء مراقد أئمة أهل البيت عليهم السلام دون تأخير .
تباً لأحفاد اليهـود بما جَنـوا لم يكسـبوا من ذاك إلاّ العارا
هتكوا حريـم محمّد فـي آله يا ويلهـم قد خالفـوا الجبارا
هَدَموا قبور الصالحين بحقدهم بُعداً لهم قد أغضبوا المختارا
اعداد: جميل ظاهري