دمشق-الكوثر:
- لو أن الرئيس السوري بشار الأسد، فك علاقة سوريا مع "حزب الله" ومع إيران، وحصلت سوريا على عشرات المليارات الخليجية السخية.. ألم يكن ذلك أفضل من هذا الدمار والقتل الذي جرى في سوريا الآن؟
الجواب:
- هذا النوع من الأسئلة، يشبه سؤال: (لو أن الفلسطينيين والعرب، ارتضوا بقرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود عام "1947".. ألم يكن ذلك أفضل للعرب وللفلسطينيين، مما جرى في فلسطين ومع فلسطين، بعدئذ؟)
- هذان السؤالان وأمثالهما، يجسدان نمطاً من التفكير الذي يؤمن بأن:
/ الشعوب لا قيمة لها،
/ وبأن الحق لا مكان له،
/ وبأن الكرامة والإباء والاستقلال لا محل لها من الإعراب،
/ وبأن الغاية الأسمى للبشرية، هي تحقيق الحاجات البيولوجية والفيزيولوجية،
/ وبأن التبعية للأعداء وتسليم زمام الأمور لهم، هي الطريق السليم للبقاء،
/ وبأن تماهي القيادات مع حقوق الشعوب، والتمسك بهده الحقوق، ليس شجاعةً بل هو حماقة،
/ وبأن التفريط بحقوق الشعوب والتنازل المسبق عنها، هو طريق النجاة والسلامة الوحيد.
- ولأن أصحاب هذا النمط من التفكير الانهزامي الاستسلامي، هم أصحاب الحل والربط في معظم أطراف النظام العربي الرسمي.. لذلك باتوا قادرين هم وزبانيتهم وأبواقهم، على طرح مثل هذه التساؤلات الخبيثة التي تهدف إلى:
1 - تبرئة ذمة الاستعمار القديم والجديد من المسؤولية الأولى والأخيرة عن الواقع القاسي والمؤلم الذي يعيشه الوطن العربي، منذ عقود عديدة وحتى اليوم.
2 - تبرئة ذمة الصهيونية و"إسرائيل" مما جرى في فلسطين من اغتصاب لها وتشريد لشعبها، وتحميل مسؤولية ذلك للقوى الوطنية والقومية واليسارية الشريفة التي رفضت الانخراط في المشروع الصهيوني.
3 - تبرئة ذمة "آل سعود" والملك الأردني "عبدالله الأول" وعدد آخر من الحكام العرب، من المسؤولية الأساسية عن نجاح المشروع الصهيوني، عبر انخراطهم الكامل ومشاركتهم الأساسية في عملية تأمين وتنفيذ وتحقيق المشروع الصهيوني في اغتصاب فلسطين وتسليمها لليهود كي يجعلوا منها "إسرائيل" الحالية بما لها من دور استعماري جديد، يستهدف الوطن العربي وباقي المنطقة.
4 - تحميل المسؤولية للذين رفضوا المشروع الصهيوني، ممن وقفوا ضده منذ اللحظات الأولى، وممن حملوا راية رفض هذا المشروع الاستعماري الجديد، وممن لا زالوا يحملون راية رفض ذلك المشروع، بدءاً من "جمال عبد الناصر" مروراً بـ"حافظ الأسد" وصولاً إلى "بشار الأسد".
5 - تعميم وترسيخ ثقافة الخنوع والإذعان، وتشويه وتسفيه ثقافة الصمود والتصدي للعدو ولمشاريعه التدميرية، عبر تسويق المقولات التي تؤكد بشكل متواصل أن الاستسلام أمام العدو، أقل خسارة بكثير من مواجهته.
6 - وهذا النمط من "التثقيف" الخبيث والمسموم، يهدف إلى افتراض السذاجة والتفريط لدى القوى الشعبية والنخبوية العربية التي رفضت التفريط والاستسلام، وافتراض الحنكة والحرص لدى الحكام والنخب العربية الذين انساقوا مع الاستعمار القديم والجديد، وجعلوا من أنفسهم أدوات طيعة له.
7 - والجانب الأهم في تعميم هذه "الثقافة" الخبيثة والمسمومة، هو افتراض حسن النية لدى قوى الاستعمار القديم والجديد عامةً ولدى "إسرائيل" خاصةً.. سواء لدى القول بأن العرب، لو كانوا قبلوا بقرار تقسيم فلسطين عام "1947"، لكانت "إسرائيل" توقفت عند ذلك الحد، ولكانت الحصة الفلسطينية الواردة في قرار التقسيم، بيد الفلسطينيين حتى الآن، ولما كانت الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، قد احتلت عام "1967". أو عبر القول بأن "الرئيس بشار الأسد" لو قبل بالعروض الخليجية والتركية والفرنسية، لما كان ما حصل في سوريا من دمار وقتل وخراب، قد حصل.
8 - والحقيقة، هي أن قبول الفلسطينيين والعرب بقرار التقسيم حينئذ، كان يعني:
أولاً: شرعنة الاغتصاب والاحتلال الاستيطاني الدائم.
ثانياً: تسهيل مهمة الاحتلال والاغتصاب الصهيوني الاستيطاني، وتعبيد الطريق له، واختصار الزمن أمامه في تحقيق وتنفيذ المشروع الصهيوني الذي يقول (أرضك يا إسرائيل، من الفرات إلى النيل). لا بل، لو حدث ذلك وقبل العرب بقرار التقسيم، واستسلم الشعب الفلسطيني لجلاده الإسرائيلي.. لكان مشروع "إسرائيل من الفرات إلى النيل" قد تحقق كما تحقق اغتصاب فلسطين، ولكان الوضع العربي "السيء الآن" أسوأ بكثير مما هو عليه الآن.
9 - ولو قبل الرئيس "بشار الأسد" بـ"الإغراءات!!!!" الخليجية والتركية والفرنسية، لكانت سوريا الحالية قد زالت من التاريخ، ولكان قد سهل لهم ولأسيادهم في المحور الصهيو-أمريكي قبلهم، تحويلها إلى عشرات الكانتونات المتصارعة والمتقاتلة والمتذابحة، إلى أن تنتهي سوريا الحالية.. وذلك على عكس عمليات التسويق المخادعة والمنافقة التي تقول بأن سوريا كانت ستصبح "هونغ كونغ" العرب و"سنغافورة" وغيرها.
10 - كيف؟ ولماذا؟
أولاً: لأن الوعود الاستعمارية هي وعودٌ عرقوبية.
وثانياً: لأن الغاية من تلك الوعود، هي الاستفراد بسوريا من خلال فصلها ليس فقط عن حلفائها وأصدقائها، بل فصلها عن تاريخها وعن مبادئها وعن قيمها وعن مصالحها وعن طموحات أبنائها.
وثالثاً: وعندما يجري الاستفراد بسوريا، تجري مساعدتها مالياً، سنوات قليلة إلى أن يجري التحكم والسيطرة الكاملة عليها من قبل المحور الصهيو-أطلسي وأذنابه الأعرابية الوهابية الإخونجية، ثم يجري تفكيكها وتفتيتها، كما جرى في يوغسلافيا.
أي أن القبول بما يريده المحور الصهيو-أطلسي، لا يعني نجاة سوريا مما حل بها الآن، كما يقول البعض، بل كان يعني تسليم سوريا، بالتراضي، لذلك المحور الاستعماري ولأذنابه، لكي يفعلوا بها كما يريدون. وما يريدونه لسوريا، هو السحق والمحق، شعباً ودوراً، لأن سوريا تشكل عقدةً للاستعمار القديم والجديد، لا حل لها عندهم إلا بالقطع، ليس فقط لأنها منبع الحضارة والتاريخ وقلب العالم، بل لأنها أيضاً قلب العروبة النابض وذراعها الصلب، ولأنها حاضرة الاسلام القرآني المحمدي المستنير، ولأنها قلعة المسيحية المشرقية الأصيلة.. ولذلك كانت سوريا ولا زالت تشكل عقبةً كبيرةً أمام المشاريع الاستعمارية القديمة والجديدة، فقاموا بتقسيمها وتفتيتها منذ مئة عام، من خلال سايكس بيكو، والآن يريدون تفتيتها وتفكيكها من جديد، لكي ينتهوا وإلى الأبد من هذه العقبة الكأداء التي تقف أمام أطماعهم.
- ولأن أسد بلاد الشام: الرئيس بشار الأسد، هو الممثل الشرعي والقانوني والأخلاقي والمبدئي والنضالي، لسوريا ولشعبها.. وقف كالجبال الراسخات أمام ذلك المشروع التدميري لسوريا، بشقيه الإغرائي الاحتوائي، والإرهابي المتأسلم.. ومهما كانت الخسائر الحالية نتيجة مواجهة ذلك المشروع الاستعماري، والتي يمكن تعويضها عند انتهاء الحرب - كما جرى ويجري لدى جميع الشعوب الحية عندما تنتهي الحرب عليها - فهي أقل بكثير مما ستكون عليه، لو جرى تسليم القرار السوري لأعداء سوريا، أو لو تحققت لهم هزيمة سوريا الأسد.
المصدر: شام تايمز