وتكاد القريتان أن تكونا المكانين الوحيدين اللذين يحملان اسم "إسلام" للدلالة على بقعة جغرافية في كافة أرجاء القارة العجوز.
وتبعد القريتان عن مدينة زادار الكرواتية المطلة على البحر الأدرياتيكي غربي البلاد مسافة 20 كيلومتراً، وتفصل بين القريتين مسافة ثلاثة كيلومترات فقط.
وتلك المنطقة فتحها العثمانيون عام 1547، لتشكل حدودها الغربية مع البنادقة (نسبة لمدينة البندقية الإيطالية اليوم)، وأطلق العثمانيون عليها اسم "سدّ الإسلام" حيث شكل المسلمون الغالبية العظمى لسكان تلك المنطقة، وفق المراجع التاريخية.
صمود اسم القريتين
واستطاع أهل البندقية عام 1647 استعادة منطقة "سدّ الإسلام" من العثمانيين، لتسود فيها المسيحية من جديد، ويهاجر من تبقى من سكانها المسلمين.
وشهد القرن الثامن عشر للميلاد نزاعاً مسيحياً بين الأرثوذكس والكاثوليك في كرواتيا، وانعكس ذلك على سكان منطقة "سد الإسلام" ليتم فصل مناطقهم، ليطلق على منطقة الكاثوليك اسم قرية "إسلام لاتين" وعلى الأرثوذوكس "إسلام غريك" والتي تعني إسلام يونان.
وعلى الرغم من تعاقب الدول التي حكمت المنطقة بعد العثمانيين، وآخرها النزاع الديني الذي شهدته جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، لم تسقط كلمة "إسلام" عن اسم القريتين، ولعل السبب الأبرز في ذلك هو النزاع بين الأرثوذوكس والكاثوليك.
والمؤرخ الكرواتي دامير ماغاس، سرد في حديثه تاريخ القريتين، مبيناً أن المنطقة شكلت الحدود الفاصلة بين الدولة العثمانية والبنادقة (الإيطاليين)، وكانت ذات أهمية استراتيجية، وغالبية السكان (آنذاك) من المسلمين، مع وجود أقلية من المسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك فيها.
محاولات لتغيير الاسم
ومع خروج المنطقة من سيطرة العثمانيين، غادر سكان المنطقة المسلمون أيضاً، ليُجلب مكانهم مسيحيون من المناطق الداخلية.
وبين المؤرخ الكرواتي أنّ العديد من الأشخاص في فترات زمنية متفاوتة تقدموا بطلبات من أجل تغيير اسم قريتي "إسلام غريك" و"إسلام لاتين" ووضع اسمين لهما يعودان للفترة التي سبقت مجيء العثمانيين.
وفي هذا الصدد أوضح: "لم يقبل سكان أي من القريتين تغيير اسمي قريتيهما، هم تعودوا عليهما ولا يريدون تغيير اسم ظل ملاصقاً للقرية عبر مئات السنين".
وفي قرية "إسلام غريك"، التي يبلغ عدد سكانها 280 نسمة يبين أحد سكانها ويدعى ماركو وانجاك (60 عاماً)، أن البيوت القديمة في القرية يطلق عليها اسم "البيت التركي" مع وجود مقابر عثمانية قديمة.
وقال وانجاك: "ذهب الأتراك وبقيت منازلهم ومقابرهم، يوجد في القرية أيضاً بيت قديم كان يستعمل كمسجد لسكان القرية المسلمين، البعض هنا ربما لا يرتاح لاسم الإسلام ملتصقاً باسم قريته، وقد حاولوا عدة مرات تغيير الاسم، بالنسبة لي هذه قريتي ومسقط رأسي ولا أرى حرجاً من أن تحمل اسم الإسلام".
وأوضح وانجاك أنّ العلاقات طيبة بين القريتين بشكل عام، على الرغم من حدوث احتكاكات بينهما بين الحين والآخر.
وفي قرية" إسلام لاتين" -غالبية سكانها من الكاثوليك-، أكد سريكو سالين (68 عاماً) أن أصلهم من منطقة "دوبروفنيك" (بكرواتيا)، ولكنه ولد وترعرع في هذه القرية، قدم أجداده إليها بعد انسحاب العثمانيين.
وأضاف سالين، أن الحرب الأخيرة مطلع تسعينيات القرن الماضي(ما عرفت بحرب الاستقلال)، اضطرت عدداً كبيراً من سكان القرية إلى النزوح واللجوء إلى مناطق أخرى، قائلاً: "عدد قليل ممن هاجروا عادوا إلى القرية، واليوم الصمت يخيم على أزقة القرية بعد أن هجرها الكثير من سكانها".