الرئيس دونالد ترامب كان المحرض الرئيسي على اشعال فتيل هذه الازمة، واستخدم التحالف السعودي الاماراتي البحريني المصري كورقة ضغط على دولة قطر لارهابها، ودفعها للرضوخ للمطالب الامريكية في دفع “الجزية” على شكل صفقات أسلحة، واستثمارات في البنى التحتية الامريكية تماما مثلما فعلت شقيقتها الكبرى السعودية، ولا نعرف ما اذا كان هذا التحالف الرباعي على علم بالنوايا الامريكية، ام انه جرى توظيفه وهو مفتوح الاعين.
بمجرد توقيع هذه الصفقة، وضمان الإدارة الامريكية 12 مليار دولار ثمنا للجزء الأول منها، بدأ الحديث يتصاعد عن حدوث انفراج، وتصاعدت وتيرة الوساطات مجددا، وكثر الوسطاء وتعددت جنسياتهم، وباتت قطر على حافة الخروج النهائي من “المصيدة”.
***
كلمة السر هي المليارات التي يطرب لرنينها “التاجر” ترامب، ويعرف كيف ينتزعها بالقوة والتهديد والإرهاب، وخلق الانقسامات والتوترات بين العرب، والخليجيين منهم على وجه الخصوص، ولم يخف الرجل هذه الحقيقة، فقد بشر شعبه الأمريكي بانه عاد لهم من زيارة الرياض بالمال والوظائف، وقال.. وظائف.. وظائف.. وظائف.
قيمة الصفقة الحقيقية تصل الى 21.1 مليار دولار، وتشمل 72 طائرة، وقالت شركة بوينغ المنتجة لها “انها صفقة مهمة جدا للحفاظ على خط انتاج هذا النوع من الطائرات، وخلق 60 الف فرصة عمل في 42 ولاية أمريكية”، أي انه بدونها كان سيتوقف الإنتاج، فشكرا للعرب.
التغريدات التي اطلقها الرئيس ترامب قبل بضعة أيام وقال فيها “ان قطر لها تاريخ حافل بدعم الإرهاب على اعلى المستويات ويجب ان تعاقب”، او أخرى اكد فيها “ان عزلة قطر هي بداية النهاية للارهاب”، هذه التغريدات تلاشت كليا، وحلت مكانها أخرى تشيد بدولة قطر كحليف قوي للولايات المتحدة، وتشدد على ان صفقة الطائرات هذه خطوة كبيرة نحو “تعزيز″ التعاون الاستراتيجي والأمني بين البلدين”، انها قطع شطرنج يحركها اللاعب الأمريكي بمهارة، في التوقيت والاتجاه الذي يريد.
بعد ساعات من توقيع جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي هذه الصفقة مع نظيره القطري خالد العطية صدرت الأوامر لسفينتين حربيتين امريكيتين بالتوجه الى ميناء حمد جنوب الدوحة في إشارة تؤكد ان أمريكا لن تتخلى عن دولة قطر، وعلى الآخرين فتح سرادق العزاء، واستقبال المعزين.
***
انها مسرحية جرى اعداد فصولها في البيت الأبيض، وتم توزيع الأدوار على الممثلين اثناء قمم الرياض الأخيرة في حضور البطل الرئيسي دونالد ترامب مع الحرص على حضور اكبر عدد من الكومبارس من 56 دولة عربية وإسلامية كشهود زور.
قطر لم تعد دولة داعمة للارهاب في الوقت الراهن على الأقل، وحتى تبدأ عملية تطبيق قانون “جستا”، ومحاكمة الدول الراعية للارهاب، وتعويض الضحايا، وقطعا ستكون قطر وخصومها من بينهم، وسيجد الجميع انفسهم في قفص الاتهام، وسيواجهون احكاما بالدفع مئات، وربما آلاف المليارات كتعويضات.
انها مسرحية من عدة فصول، وما زلنا في بداية احداث الفصل الأول فقط، والضحايا هم العرب، سواء كانوا بين الجمهور، او في أدوار ثانوية على خشبة المسرح.
هنيئا للرئيس ترامب والشعب الأمريكي بكل هذه المليارات، وكل هذه الوظائف ولا عزاء للاغبياء.
* عبد الباري عطوان/ راي اليوم