ذكرى مولد سيد شباب أهل الجنة الامام الحسن المجتبى (ع)

الأحد 11 يونيو 2017 - 11:43 بتوقيت مكة
ذكرى مولد سيد شباب أهل الجنة الامام الحسن المجتبى (ع)

في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك، من السنة الثالثة من الهجرة، اعلن البيت النبوي، نبأ مولد السبط الاول، وزفت البشري الى المصطفي (ص) فهب الى بيت الزهراء (ع) ليحمل لها تهانيه ويقضي لها بمسرَاته.

وما ان وصل الرسول الاكرم(ص) الى بيت الزهراء(ع) حتى تنزَل الوحي الالهي المقدَس على رسول الله (ص) يبلَغه بأن الله تعالى قد سمَي الوليد المبارك (حسنا).

فهو الامام أبو محمد الحسن بن على بن أبي طالب المجتبى، ثاني أئمة اهل البيت عليهم السلام بعد الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام، وسيد شباب اهل الجنة باجماع المحدثين، واحد اثنين انحصرت بهما ذرية رسول الله (ص)، وأحد الاربعة الذين باهي بهم رسول الله (ص) نصارى نجران، ومن المطهَرين الذين أذهب الله عنهم الرجس، ومن القربى الذين أمر الله سبحانه بمؤدتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسك بهما نجا ومن تخلَف عنهما ضلَ وغوى.

نشأ في أحضان جدَه رسول الله (ص) وتغذَى من معين رسالته وأخلاقه ويسره وسماحته، وظل معه في رعايته حيت اختار الله لنبيه دار خلده، بعد ان ورَثه هديه وأدبه وهيبته وسؤدده، وأهله للامامة التي كانت تنتظره بعد ابيه، وقد صرَح بها جدَه في أكثر من مناسبة حينما قال: (الحسن والحسين إمامان قاما او قعدا، اللهم إني احبَهما فاحبَ من يحبَهما).

لقد اجتمع في هذا الامام العظيم شرف النبوة والإمامة، بالاضافة الى شرف الحسب والنسب، ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدَه وابيه حتى كان يذكَرهم بهما، فأحبوه وعظَموه، وكان مرجعهم الأوحد بعد أبيه، فيما كان يعترضهم من مشاكل الحياة وما كان يستصعبهم من اُمور الدين، لاسيما بعد ان دخلت الامة الاسلامية حياة حافلة بالاحداث المريرة التي لم يعوفوا لها نظيرا من قبل.

وروي المفضَل عن الأمام جعفر الصادق عليه السلام عن ابيه عن جدَه: ان الحسن بن علي بن أبي طالب كان اعبد الناس في زمانه، وازهدهم وافضلهم وكان اذا حجَ حجَ ماشيا وربما مشي حافيا، وكان اذا ذكر الموت بكى، واذا ذكر القبر بكى، واذا ذكر البعث والنشور بكى، واذ ذكر الممر على الصراط بكى، واذا ذكر العرض على الله – تعالى ذكره – شهق شهقة يغشى عليه منها.

وكان اذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عزَ وجل، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السلم وسال الله الجنة تعوذ من النار... وكان الامام الزكي المجتبى في جميع مواقفه ومراحل حياته مثالا كريما للخَلق الاسلامي النبوي الرفيع في تحمل الاذى والمكروه في ذات الله والتحلي بالصبر الجميل والحلم الكبير، حتى اعترف له ألد أعدائه – مروان بن الحكم – بان حلمه يوازي الجبال.. كما اشتهر بالشجاعة والسماحة والكرم والجود والسخاء بنحو تميَز عن سائر الكرماء والاسخياء.

وشهد كل المحن، من فقده لمعلمة الاول جده المصطفى (ص) ثم امه الزهراء ثم تجرع النكبات التي حلت بابيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب والظلم الذي تعرض له وهو لايزال يافعا.

لقد كان الحسن في شبابه الى جانب ابيه عليه السلام في كل ما يقول ويفعل واشترك معه في جميع حروبه.. وكان يعاني ما يعانيه ابوه، ويتألم لآلامه وهو يرى معاوية يبث دعاته ويغري القادة من جيش ابيه بالاموال والمناصب حيت فرَق اكثرهم، واصبح الامام علي عليه السلام يتمنَي فراقهم بالموت أو القتل، فاستَشهد عليه السلام، وبقي الحسن ابن علي (ع) بين تلك الاعاصير.

وبعد ان نص أمير المؤمين (ع) على خلافه ابنه الحسن الزكي وسلَمه مواريث النبوة، اجتمع عليه اهل الكوفة وجماعة المهاجرين والانصار وبايعوه بالخلافة بعد أن طهَره الله من كل نقص ورجس، بالاضافة الى توفرَ جميع متطلبات الخلافة فيه من العلم والتقوي والشجاعة والحزم والجدارة.

وتسابق الناس الى بيعته في الكوفة والبصرة، كما بايعه اهل الحجاز واليمن وفارس وسائر المناطق التي كانت تدين بالولاء والبيعة لابيه عليه السلام، وحين بلغ نبأ البيعة معاويه واتباعه بدأوا يعملون بكل مالديهم من مكر وخداع لافساد امره والتشويش عليه.

واستلم الامام الحسن السلطة بعد ابيه، وقام بأفضل ما يمكن القيام به في ذلك الجوَ المشحون بالفتن والمؤمرات.. فامر الولاة على اعمالهم واوصاهم بالعدل والاحسان ومحاربة البغي والعدوان ومضي على نهج ابيه عليه السلام الذي كان امتدادا لسيرة جده المصطفى (ص).

وبالرغم مما كان يعلمه الامام الحسن عليه السلام من معاوية ونفاقه ودجله وعدائه لرسالة جده وسعيه لاحياء مظاهر الجاهلية.. بالرغم من ذلك كله، ابي ان يعلن الحرب الا بعد ان كتب اليه المرة بعد المرة يدعوه الى جمع الكلمة وتوحيد امر المسلمين فلم يبق له في ذلك عذرا او حجة.

من ناحية اخرى اطمأن معاوية الى ان الامور ممهمدة له باعتبار علاقته المتينة مع اكثر قادة الامام الحسن.. من هنا اعد معاوية العدة لمحاربة الامام المجتبى عليه السلام واطمأن بان المعركة ستكون لصالحة وسيكون الحسن والمخلصون له من جنده، بين قتيل واسير، ولكن هذا الاستيلاء سوف يفقد الصيغة الشرعية التي كان يحاول ان يتظاهر بها لعامة المسلمين، ولذلك حرص معاوية ان لا يتورط في الحرب مع الامام الحسن معتمدا المكر والخداع والتموية وشراء الضمائر وتفتيت جيش الامام.

ولم يكن للامام بد من اختيار الصلح بعد ان تخاذل عامة جيشه واكثر قادته ولم يبق معه الا فئة قليلة من اهل بيته والمخلصين من اصحابه، فتغاضى عن السلطة دفعا للافسد بالفاسد في ذلك الجو المحموم، فكان اختياره للصلح في منتهي الحكمة والحنكة السياسية الرشيدة تحقيقا لمصالح الاسلام العليا واهدافه المثلى.

فلقد تعرّض الإمام الحسن السبط (عليه السلام) للنقد اللاذع من شيعته وأصحابه الذين لم يتّسع صبرهم لجور معاوية، مع أنّ أكثرهم كان يدرك الظروف القاسية التي اضطرّته الى تجنّب القتال واعتزال السلطة، كما أحسّ الكثير من أعيان المسلمين وقادتهم بصدمة عنيفة لهذا الحادث لِما تنطوي عليه نفوس الاُمويّين من حقد على الإسلام ودعاته الأوفياء، وحرص على إحياء ما أماته الإسلام من مظاهر الجاهلية بكلّ أشكالها.

ولكنّ الإمام بصلحه المشروط فسح المجال لمعاوية ليكشف واقع اُطروحته الجاهلية، وليعرّف عامة المسلمين البسطاء مَن هو معاوية ؟ ومن هنا كان الصلح نصراً ما دام قد حقّق فضيحة سياسة الخداع التي تترّس بها عدوّه.

ونجحت خطّة الإمام حينما بدأ معاوية يساهم في كشف واقعه المنحرف، وذلك في إعلانه الصريح بأنّه لم يقاتل من أجل الإسلام، وإنّما قاتل من أجل المُلك والسيطرة على رقاب المسلمين، وأنّه سوف لا يفي بأيّ شرط من شروط الصلح.

بهذا الإعلان وما تلاه من خطوات قام بها معاوية لضرب خط الامام علي (عليه السلام) وبنيه الأبرار وقتل خيرة أصحابه ومحبّيه كشف النقاب عن الوجه الاُموي الكَريه، ومارس الإمام (عليه السلام) مسؤولية الحفاظ على سلامة الخط بالرغم من إقصائه عن الحكم، وأشرف على قاعدته الشعبية فقام بتحصينها من الأخطار التي كانت تهدّدها من خلال توعيتها وتعبئتها، فكان دوره فاعلاً إيجابياً للغاية، ممّا كلّفه الكثير من الرقابة والحصار، وكانت محاولات الاغتيال المتكرّرة تشير الى مخاوف معاوية من وجود الإمام (عليه السلام) كقوة معبّرة عن عواطف الاُمّة ووعيها المتنامي، ولربّما حملت معها خطر الثورة ضد ظلم بني اُمية، ومن هنا صحّ ما يقال من أنّ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان تمهيداً واقعياً لثورة أخيه أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

ولهذا قرّر معاوية التخلص من الإمام الحسن، ووضع خطّته الخبيثة بالاتفاق مع جعدة ابنة الأشعث بن قيس التي دسّت السم لزوجها الإمام (ع)، واستشهد من جراء ذلك الإمام الحسن (ع).

وكان الامام عليه السلام قد أوصي ان يدفن الى جوار جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن بني أمية، وعلى راسهم مروان بن الحكم منعوا من ذلك وحالوا بين ان يجمع بين رسول الله (ص) وريحانته ووحبيبه وسبطه الحسن سيد شباب اهل الجنة، فاضطر اهل البيت عليهم السلام لدفنه في البقيع.

فسلام عليك يا أبا محمد الحسن بن على مظلوما: حيَا وميتا.

* شفقنا

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 11 يونيو 2017 - 11:43 بتوقيت مكة