بتصوري كانت هناك توصيات او اتفاقات ضمنية على عدم التصعيد بين الجانبين أمام عدسات القناة العامة (الأولى) في التلفيزيون الإيراني الذي يتبع معنويا واداريا لقائد الثورة.. ولربما تركوا ذلك لتجمعاتهم الانتخابية وقنوات التواصل الاجتماعي التي يسيطرون عليها ويديرونها.. علما ان اسبوع فقط اويقل يفصلهم عن كشف المستور والـ 24 ساعة صمت قبل بداية التصويت.
ليس ما يهمني هذا التراشق المتبادل بين الغريمين القديمين على الساحة الايرانية، اليمين واليسار الثوريين وفيما البعد المدئيون والاصلاحيون، بل المهم هومن سيكون الرئيس ومن سيجلس على عرش "باستور".. اي لمن سيكون المُلك بعد اسبوع على وجه التحديد، ما لم ينتقل التنافس الى الدور التالي وهو ما يرجحه البعض.. وبالتالي ما هوتاثير ذلك داخليا واقليميا وعالميا؟
استطلاعات الرأي الى الآن ترجح ثلاثة من المرشحين هم: الرئيس الحالي روحاني، عمدة طهران الجنرال قاليباف وسادن الحرم الرضوي السيد رئيسي.. مع تقدم للرئيس يليه العمدة ثم السادن.. مع التذكير بان مجموع اصوات المبدئيين تفوق صوت المعتدل!
روحاني بيده أكثر من ورقة وفي الوقت ذاته يفتقد لكثير أخريات كما هم منافسوه.. نقاط قوته:
- الاتفاق النووي والغاء الحظر الدولي والقرارات الدولية (غير الاميركي في قضايا أخرى).
- تثبيت واستقرار الوضع الاقتصادي والنفسي في السوق الإيرانية مقارنة بالحالة التي سبقته.
- الانفتاح الثقافي والفني والاجتماعي الذي يدعواليه.
- السياسة الخارجية النشطة وسياسة الحوار وتصفير الازمات التي ينتهجها .
- امتلاكه برنامج عمل وخطة واضحة، بغض النظر عن صحتها اوخطأها.
- خبرته وفريقه في المجال الحكومي والتنفيذي.
في المقابل، نجد ان ارتفاع حجم الضرائب على الموظفين والطبقة المتوسطة وحجم البطالة وبالتالي المشاكل الاقتصادية التي لايزال المواطن الإيراني يعاني منها، وايضا التعويل الزائد على الحلول الخارجية والدبلوماسية في تحسين الوضع الاقتصادي الداخلي، وكذلك الوعود التي اطلقها وعجز عن الايفاء بها.. كانت هي نقاط الضعف التي أكّد عليها خصومه..والأهم من كل ذلك كونه على رأس السلطة التنفيذية ( الحكومة) اليوم يعني أنه المسؤول عن كل ذلك!.
المرشحان الآخران رئيسي وقاليباف، ليس لهما سجل وتاريخ تنفيذي بالمعنى الحكومي، حتى الدكتور (الجنرال) قاليباف، فأن تجربته في الادارة يمكن اختصارها بأدارة بلدية طهران منذ 12 سنة..ورغم كل الاشكالات المطروحة على البلدية الّا انه كان موفقاً الى كثير ما في ادارته..
لكن هذه البراءة من تبعات العمل التنفيذي والحكومي.. ليست كافية لكسب قلوب الناخبين، لذلك استخدم المرشحان تكتيك الوعود الأخّاذةومحاولة استقطاب المجتمع بين اقلية (4%) وأكثرية (96%) وهذا استقطاب خاطئ برأيي، لأن الحكومة يجب ان تكون للجميع ومنهم الـ 4%، ان صح التقسيم بالطبع..
وهذا لايعني ان روحاني لم يستخدم هذه اللغة، بالعكس وبشكل أخطر على نطاق قومي والمذهبي والإثني.
الوعود التي اطلقها المرشحان المبدئيان يمكن وصفها بالرومانسية وهذه كانت نقطة ضعف رغم وجود ماكنه اعلامية قوية خلفها لتسويقها.. كما ان المرشحان المبدئيان يملكان قاعدة شعبية ثابتة لاتخضع لتأثيرات الدعاية المضادة، قاعدة أكثر ما يهمها هوالهاجس الديني، الذي يرون في الاصلاحيين تهديداً له.
وفيما تركز استراتيجية الاصلاحيين على نسبة عالية من المشاركة، لاعتقادهم انها السبيل الوحيد لأيصالهم الى كرسي الرئاسة، يرى البعض ان استراتيجية المبدئين أكثر تعقيداً وتقوم على "التشتيت والتجميع" رغم فشلها لاسباب داخل البيت المبدئي في الانتخابات السابقة..
التشتيت والتجميع يقوم على طرح أكثر من مرشح لكسر هيمنة المرشح المنافس،وتشتيت اصوات الناخبين من خلال طرح أكثر من خيار أمامهم، ثم احالة المسار الانتخابي نحوالمرحلة الثانية من الانتخابات التي يقومون خلالها بجمع اصواتهم خلف مرشح واحد..
صحيح ان الاصلاحيين ـ المعتدلين يستخدمون نفس هذا الاسلوب، لكن الانتقال للمرحلة الثانية سيزيد من حظوظ المبدئين بالفوز.. لاندفاع انصارهم المبدئي ولانهم يرون المشاركة واجباً دينياً وفريضة..
ومع ان المدن الكبرى هي القاعدة الاعرض للمعتدلين ـ الاصلاحيين، الّا ان للقرى والارياف كلمتها في تحديد الفائز، فلايزال المجتمع القروي والعشائري قوياً في إيران.. وهؤلاء اولياتهم الدين والاقتصاد، فهم بالتالي ورقة رابحة بيد المبدئين الذين ركزوا على هاتين المقولتين.. في حين ان خطاب المعتدلين ـ الاصلاحيين كان بالدرجة الاولى موجهاً نحوالطبقة الحضرية وأهل المدن الكبرى من خلال التأكيد على السياسة والحريات والمرأة.
أعتقد ان الرئاسة في إيران لمن يستطيع ان يخلق تياراً في الشارع او يكون تياره الاقوى.. التجمعات بدأت تطفوعلى السطحوكلمة الفصل ستخرج من صناديق يوم 19 مايو ـ أيار الجاري..ونحن وإياكم من المنتظرين!
- استدراكان: 1. موضوع التأثيرات الداخلية والاقليمية والدولية سأتركها لمقال آخر. 2. الريّ التاريخية تشكل القسم الجنوبي من مدينة طهران اليوم وقد عرفت في بداية الفتوحات الاسلامية بجمال طبيعتها ووفرة محاصيلها وكثرة خراجها!
بقلم: علاء الرضائي