السيد حسن نصر الله: توجهات خاطئة وأخرى مشبوهة في مقاربة علامات آخر الزمان

السبت 13 مايو 2017 - 10:00 بتوقيت مكة
السيد حسن نصر الله: توجهات خاطئة وأخرى مشبوهة في مقاربة علامات آخر الزمان

مناسبة ولادة صاحب الزمان، مناسبة طيبة وعطرة وعظيمة بالنسبة إلينا جميعاً. بل هي من أعظم المناسبات على الإطلاق. وهي تعبّر عن هذا الأمل العظيم الذي يملأ قلوبنا بالوعد الإلهي الآتي.

روايات "الآتي من الأيام" في كتب المسلمين

أ ــ روايات حول أحداث تحققت

عندما نذهب لكتب المسلمين نجد لدينا روايات كثيرة وأحاديث كثيرة تتحدث عن أحداث المستقبل. يعني؛ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بالمسجد يحدّث أصحابه (رضوان الله عليهم) عن أحداث المستقبل ــ ليس مستقبل آخر الزمان، بل حتى المستقبل القريب . ويقول لهم: سيكون بعدي كذا وسيكون بعدي كذا وسيكون بعدي كذا؛ وصولاً إلى أحداث آخر الزمان، وإلى قيام المهدي وتحقق أهدافه. وكذلك إلى إرهاصات القيامة ومقدمات القيامة.

هذا كله تحدث عنه النبي والصحابة نقلوه. أهل البيت تحدثوا عنه ونقلوه. وموجود في كتب المسلمين السنّة والشيعة؛ أيضاً بأعداد كبيرة من الروايات. جزء كبير من هذه الأحداث الموجودة عندنا في الكتب، تحقق عبر التاريخ. وهذا لم يكن يحكى عنه كعلامة من علامات "المهدي"، أو أنه على صلة بخروج المهدي أو قيام المهدي (عجل الله فرجه الشريف(.


ب ــ روايات حول أحداث لم تتحقق إلى الأن

  1. ما لا صلة لها بالإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف(

حسنا؛ بقي لدينا بقية الأخبار التي تتحدث عن المستقبل والتي لم تتحقق. يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء:

القسم الأول، أخبار تتحدث عن أحداث في المستقبل الآتي. لكن لا تقول أنها مرتبطة بالإمام المهدي (عليه السلام). وبعضها قد يتحقق أمامنا.


2- ما تتصل بظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)

القسم الثاني، هي التي ترتبط بظهور المهدي (عليه السلام) ولكنها لا تتحدث عن ارتباط زماني محدد وإنما تقول هذه علاماتٌ على ظهوره.

القسم الثالث؛ ويتضمن جدولاً زمنياً للأحداث: مثل الذي يحكى عن اليماني والسفياني والخراساني والصيحة من السماء والخسف في البيداء وما هو موجود في كتب المسلمين عامةً.

طبعاً القسم الثالث هو الأهم على الإطلاق. هو الذي يقول لك: تأهب؛ كن جاهزاً كن مستعداً. هذه القصة جدولها الزمني بدأ بالتحقق.


أ ــ التوجهات الخاطئة

  1. إعتماد روايات لا وجود لها في المصادر الإسلامية

حسنا؛ هذا موضوع على درجة عالية جداً من الحساسية. نريد أن نحدد كيف نتعاطى معه، ونقول للناس أيضاً كيف يجب أن يتعاطوا معه.

اليوم هناك موضة: أشخاص يتحدثون عن علامات للظهور وعن أحداث وعن وقائع وعن أمور، لا أساس لها في الروايات الإسلامية.

طبعاً، لا أرغب بعرض أمثلة لإني لا أريد أن أتحدث عن أشخاص محددين الآن. لكن ربما يأتي يوم ما ونتحدث بالأسماء. هذا ما يجب الانتباه إليه أولاً.

وذلك؛ ما هو إلا اجتهادات شخصية وتكهنات شخصية: هذا رأى منام، وهذا سمع من فلان أو علان. وهذا رأى أحدهم وهو مار بالشارع فنقل له كلاما ما. هذا ليس له أي قيمة على الإطلاق. ما له قيمة: أن تكون هذه الحادثة أو العلامة أو أو؛ أن تستند إلى روايةٍ تعود إلى مصدر الوحي ومعدن العلم وتتصل بالغيب الإلهي.
هذه أول نقطة: أن نكون حذرين؛ وإلا فهناك الآن ضخ في مواقع الإنترنت، ومؤلفات تصدر.

 

  1. روايات تحتاج إلى تحقيق العلماء المختصين

الأمر الثاني، أنه؛ حتى في الروايات الموجودة في الكتب، نحن ـ حقيقةً ـ في هذا الأمر نحتاج أن نعود إلى العلماء المحققين المدققين المتخصصين ليقولو لنا ما هو المقبول منها وما هو المرفوض.

حسنا؛ أنت تعلم أنه فعلا يوجد جزء من الروايات موضوع ومكذوب على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). فكيف تريد أن تبني عليه ؟ عليك أن تحقق، تدقق، تميز حتى تبني عليه.

وبالتالي يجب أن نتعاطى مع هذا الأمر قليلاً باحتياط. هذا موضوع يترتب عليه مصائر ويترتب عليه مستقبل ويترتب عليه حروب ويترتب عليه مواقف ويترتب عليه معنويات عالية وانهيارات نفسية. هذا موضوع يترتب عليه آمال وإحباطات.

 

  1. إسقاط العلامات على الأشخاص والوقائع بغير علم

ثالثاً، جزء من مساحة الابتلاء الموجودة؛ مشكلة تطبيق العلامات. عندما يبدأ العالم يقول: فلان هو الخراساني وفلان الآخر هو اليماني وذاك هو السفياني، وتلك هي الحادثة الفلانية. أو يقول لك: هذا الأمر سيحصل بعد ستة أشهر، وذاك بعد سبع أشهر وذلك بعد سنة وهكذا. هذا طبعاً، خطير جداً.

أولاً، التطبيق بهذا المعنى هو غير جائز شرعاً لأنه قولٌ بغير علم. ولأنه بتعبير أوضح كذب. وهذا فيه تضليل وفيه تشويه.

أضف إلى ذلك أنه : عندما يمر الوقت ولا تحصل هذه العلامات أو تحصل ولا يأتي ما بعدها؛ هذا سيؤدي إلى الإحباط وإلى الشك في أصل هذه العقيدة المهدوية المسلّمة عند المسلمين.

نعم، نحن لا نريد أن نسد باب الاحتمال.

قد يأتي أحدهم ويقول: يا أخي هذا احتمال، والاحتمال لا يسبب مشكلة. لأن المحتمل يُبقي باب الأمل مفتوح ويحفظ خط رجعة. لكن حتى في الاحتمال يجب أن يكون الإنسان محتاطاً وحذراً ولا يكثر من الاحتمالات حتى لا تكبر الآمال، تأتي بعد ذلك النتائج معاكسة.


ب ــ التوجهات المشبوهة

  1. الزعم بالانتساب إلى الإمام المهدي أو الارتباط به

الأمر الرابع، وهو الأشد خطورة بناءً على الثالث والثاني والأول. الأمر الرابع وهو يحتاج إلى وعي وإلى حذر شديدين. في هذه المرحلة بدأت تُفتح دكاكين ــ الآن بدأت تفتح دكاكين وأنا أشرت إليها قبل عدة أيام ــ يعني الآن تجد لهم صفحات على مواقع الإنترنت وعندهم منشورات يوزعونها. ولا أعرف إن كان لديهم فضائيات أيضاً.

أحدهم يخرج علينا ويدعي أنه النائب الخاص للإمام المهدي (عليه السلام). طبعاً، هذا يجب أن يُكذّب. يجب أن يُكذّب ولا نسكت عنه ونقول له: أنت كذّاب. لأن هذه هي وصية الإمام (عليه السلام). مع انتهاء الغيبة الصغرى وبداية الغيبة الكبرى لا وجود لنائب خاص للإمام. لا وجود لسفير خاص للإمام (عليه السلام). يطل علينا آخر ويدعي أنه سفير الإمام المهدي (عليه السلام) إلى اللبنانيين أو إلى العراقيين أو إلى سواهم. الإمام المهدي (عليه السلام) يقول لكم: افعلوا كذا وافعلوا كذا، لا تفعلوا كذا لا تفعلوا كذا. هذا كذب. هذا دجل. وهذا يجب أن يُكذّب ويجب أن يُنهى عن هذا المنكر وعن هذا الضلال وعن هذا الفساد.

أسوأ من ذلك: يخرج علينا مدعٍ ثالث يزعم أنه ابن الإمام المهدي (بعد ابن الإمام المهدي لم يقل ماذا يريد أن يفعل وأنت بدك تعمل. يعني إنك ابنه فبقول لك نعم أنا الإمام المهدي أبي). يزعم أنه ابن الإمام مع أن أباه معروف وإمه معروفة ونسبه معروف وكذلك عشيرته وعائلته وسلالاته؛ أبّاً عن جد. أو يأتي آخر و يقول: أنا حفيده الثالث أو الرابع أو الخامس أو السادس. أنا حفيده وأنا نائبه وأنا سفيره وأنا الإمام بعده وأنا وأنا وأنا. هذا الآن موجود.

أيها الإخوة والأخوات: هذا موضوع موجود بالفضائيات وعلى مواقع الإنترنت وفي الشارع. وطبعاً، هذه الادعاءات كلها ادعاءات واهية لا تستند إلى أي دليل ولا إلى أي منطق ولا إلى أي عقل، لكن تتلاعب بعواطف الناس وبعقول الناس وبقلوب الناس. لماذا يجب أن نثير هذا الموضوع في مثل هذه المناسبة لأننا نتوقع مع قادم الأيام أن يكثر هؤلاء المدّعون.

وكثير من هؤلاء المدّعين أيضاً هم ليس لديهم حتى مستوى علمي. عندما يتحدث هؤلاء يستطيع الإنسان أن يكتشف بكل بساطة، أنهم فارغون؛ لا يملكون لا علما ولا فكرا ولا فقها. عندهم فقط إدعاءات زائفة. هذا الأمر يجب أن نحذر منه في ما نحذر. لأن الساحة اليوم متلاطمة، وكلما اقتربنا من ذاك الزمن كلما كثرت الفتن.

الفتن ليست هي الفتن العسكرية والسياسية. ما هو أخطر من الفتن العسكرية والسياسية هي الفتن العقائدية والفكرية والثقافية وهذا النوع من التضليل والدجل الذي يضيّع الناس ويضيّع حياتهم مستقبلهم وآخرتهم.

 

  1. الزعم بمعرفة وقت ظهور صاحب الزمان

والنقطة ما قبل الأخيرة في القسم الثقافي هو موضوع التوقيت. هناك عندنا في الروايات أمر حازم جازم حاسم قاطع لا مجال للنقاش فيه، وهو المنع من التوقيت وتحريم التوقيت. التوقيت يعني أن يأتي أحدهم ويقول لكم يا جماعة: إن شاء الله مع حلول عيد الفطر لشهر رمضان القادم الإمام المهدي (عليه السلام) سيظهر في المكان الفلاني ويبدأ الظهور وتبدأ الدنيا تتغير. من أين لك هذا يا أخي؛ من أين لك هذا؟ هناك نقاش عند بعض العلماء والمحققين فيقولون: حتى النبي (صلى الله عليه وآله) بل حتى صاحب الزمان نفسه لا علم لديه عن وقت الظهور، وأن هذا من الغيب الذي اختص الله به نفسه.

هذا أيضا حرام. هذا غير جائز. هذا تضليل. هذا كذب. هذا تزوير. هذا لعب بعقول الناس، بقلوب الناس، بمشاعر الناس، بعواطف الناس. ولا يجوز بأن يُسمح بهذا على الإطلاق.


التوجه الصحيح في انتظار الإمام المهدي

أولاً: أن يكون لدينا الأمل أولاً؛ أن نثق؛ أن يكون لدينا اليقين بهذا الوعد الإلهي. لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد. هذا وعدٌ إلهيٌ قاطعٌ وجازم لا يخضع لقوله تعالى ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.

ثانياً: أن نتطلع إلى هذا المستقبل بأمل.

ثالثاً: أن نترقب وننتظر ونتربص بهذا المستقبل ننتظره بكل آفاقه الآتية.

رابعاً: أن نتحمل المسؤولية: أن نعمل لا أن ننتظر الأحداث. أن نصنع الأحداث؛ أن نهيء الأرض؛ أن نمهدها.
خامسا: أن ندعو الله سبحانه وتعالى هذا الدعاء الذي دائماً يُؤكَد على أهميته واستحبابه في كل المناسبات والأوقات: "اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن" (عليه السلام(


الدعاء النافع دعاء العاملين المضحين والصابرين

نعم، هذا المطلوب. هذا هو الانتظار الصحيح. لكن أي دعاء هو الذي ينفع؟ دعاء المجاهدين دعاء العاملين دعاء الصابرين دعاء المضحين دعاء المتحملين للمسؤولية دعاء الذين يمهدون الأرض دعاء الذين يقفون في وجه الطواغيت والظلم والفساد. أما دعاء الكسالى والتنابل والمتخاذلين والمخذّلين والمثبطين والخانعين؛ هؤلاء لا يعبأ الله بدعائهم أصلاً. لا ينظر إليهم فضلاً أن يعبأ بدعائهم.

السيد حسن نصرالله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 13 مايو 2017 - 09:39 بتوقيت مكة