مامعنى الجهاد عند فقهاء اهل السنّة؟

الأربعاء 3 مايو 2017 - 11:32 بتوقيت مكة
مامعنى الجهاد عند فقهاء اهل السنّة؟

القسم الثاني من مقال"المبادئ الفكرية للسلفية الجهادية "

ظهر في العصر الحديث ما يعرف بالسلفية الجهادية، وهو مصطلح أطلق منذ نهاية الثمانينيات على بعض جماعات الإسلام السياسي التي تتبنّى الجهاد منهجاً للتغيير. 

تعريف الجهاد عند السَّلَفية الجهادية

يعتقد عبد الله عزّام (وهو من كبار منظِّري السَّلَفية الجهادية) أن الفقهاء الأربعة عند المسلمين السنّة متَّفقون بأن الجهاد هو القتال والعَوْن فيه.

فالحنفية يرَوْن أن الجهاد هو «دعوة الكفّار إلى الدين الحقّ، وقتالهم إنْ لم يقبلوا»، وهو «بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عزَّ وجلَّ بالنفس واللسان وغير ذلك».

وأما عند المالكية فهو «قتال المسلم كافراً غير ذي عهدٍ؛ لإعلاء كلمة الله أو حضوره له أو دخوله أرضه».

وعند الشافعية هو «القتال في سبيل الله»، وأيضاً «بذل الجهد في قتال الكفّار».

وأما الحنابلة فيرَوْن أنه «القتال وبذل الوسع منه لإعلاء كلمة الله تعالى». وهو أيضا «بذل الوسع ـ وهو القدرة ـ في حصول محبوب الحقّ، ودفع ما يكرهه الحق».

وهكذا يظهر مما تقدَّم أن مصطلح الجهاد عند فقهاء السنّة الأوائل كان محصوراً بالقتال في سبيل الله. أما عند بعض المتأخِّرين منهم فهو «بذل الجهد والكفاح بالوسائل السِّلْمية أوّلاً، ثمّ عند اقتضاء الأمر للمحافظة على الدعاة، وتحصين البلاد، يُلْجَأ إلى القتال؛ لتحقيق السعادة الشاملة للبشرية في دنياهم وآخرتهم، كما ارتضاها الإله الحكيم. وكلُّ جهدٍ يُبْذَل في هذا المضمار فهو في سبيل الله وحده، ولإرضائه فقط».

كما أنهم يرَوْن أن الجهاد «فرضٌ على المسلمين لنصرة الإسلام بعد وجود مقتضياته من قبل العدوّ، بخلاف الحرب، فقد تكون للعدوان. ولهذا فضَّل الإسلام كلمة جهاد على كلمة حرب. فالجهاد إذن كلمةٌ إسلامية».

في المقابل فإن الدوائر الغربية تقوم بإطلاق معانٍ أخرى للجهاد؛ بسبب جهلها أو تجاهلها للمنظور الإسلامي. هذا ما يؤكِّده فهمي هويدي، إذ يقول: «هناك عبارات ومفردات محمَّلة في ذهن المسلم بأبعادٍ إيمانية يعجز غير المسلم ـ الغربيّون بوجهٍ أخصّ ـ عن إدراكها، بحيث إن استخدامها قد يعطي انطباعاً معيَّناً عند المسلم، وانطباعاً آخر ـ قد يكون سلبيّاً ـ عند أولئك الغرباء والمستغربين… ومن تلك المفردات التي لا يستطيع الغربي أن يستوعبها ويقرأها قراءةً صحيحة كلمة (الجهاد) أو (الفتح)… والجهاد عند العقل الغربي فكرة غريبة وغير مفهومة، وهو في أحسن الفروض لا يزيد عن كونه حرباً مقدّسة (Holy war)… إن كلمة جهاد، أو مجاهد، لا تجد ترجمة حقيقية لها في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، الأمر الذي حدا بالكتّاب المنصفين إلى أن يستخدموا الكلمة العربية ذاتها مكتوبةً بالحروف اللاتينية. فالجهاد يتميَّز عن القتال والنضال بتعدُّد صوره، وبأنه في سبيل الله. أما القتال أو النضال فقد يكون في أيّ سبيلٍ آخر، ولا ينتقص منه شيئاً، بينما الجهاد يفقد مضمونه، ويفقد مشروعيته، إذا لم يكن في سبيل الله».

الحال أن ثَمَّة اختلافات جوهرية بين الجهاد والإرهاب، من حيث المقصد والمفهوم والأسباب والحقيقة والمشروعية. فالجهاد يصبح ـ في بعض الأحيان ـ واجباً، في حين أن الإرهاب محرَّمٌ في كلّ حالاته وظروفه. فالإرهاب يتضمَّن معاني العدوان، وترويع المواطنين الآمنين، وتدمير المصالح ومقوّمات الحياة، والاعتداء على الأموال أو الأعراض والكرامات… إنه، باختصارٍ، فسادٌ في الأرض.

أما الجهاد فيسعى للدفاع عن المسلمين وحفظ كرامتهم الإنسانية، والدفاع عن أعراضهم وأموالهم وأوطانهم، وتوفير حياةٍ حرّة كريمة لهم، وإنقاذ المظلومين، وتحرير البلاد من أيدي الغاصبين والمحتلين… فالإسلام لم يُجِزْ لأتباعه الاعتداء على أحدٍ، ولم يسوِّغ للمسلمين ترويع الناس الآمنين، وأن يبدأوا غيرهم بحربٍ أو عدوان، أما إذا ما تعرَّضت بلادهم للاعتداء فقد أمرهم بالجهاد والقتال، ولذلك طلب منهم إعداد العدد والعدّة لمواجهة أيّ عدوانٍ، والدفاع عن مقدَّساتهم ومقدَّراتهم وأنفسهم.

إن الجهاد في الإسلام يعني مناصرة الحقّ، وقتال الظلم؛ لإقرار العدل واسترجاع الحقوق، وتحقيق السلام وتعميم الأمن والرحمة التي أرسل من أجلها النبيّ محمد| للعالمين، وإخراج الناس من ظلمات القهر إلى النور… وهذا كلّه يقضي على الإرهاب بكلّ صوره. فـ «الجهاد في سبيل الله فريضةٌ شرعية، وإرهاب الآمنين جريمةٌ ضدّ البشرية. الجهاد مشروعٌ، والإرهاب بمعنى العدوان ممنوعٌ. وشتّان ما بينهما. واللهُ جلَّ جلاله أعلم».

إذن فإن طبيعة الأفعال بأهدافها وأدواتها، وهي من المحدِّدات الأساسية لمعرفة وتصنيف الأعمال الجهادية المحمودة، وتمييزها عن تلك الإرهابية المذمومة، وذلك بغضّ النظر عن الجهة المنفِّذة لتلك الأفعال، وما إذا كان العنوان إسلامياً أو علمانياً، رسمياً حكومياً أو منظّمات مسلَّحة… فإذا استهدفت قوات عسكرية تابعة للاحتلال (في العراق وفلسطين وأفغانستان وجنوبي لبنان…) فإن العمل يدخل، بلا لبس، في خانة الجهاد… أمّا إذا كان الهدف تعمُّد تحقيق إصابات في صفوف المدنيين فهو، بلا شَكِّ، عملٌ إرهابي.

ومن نافل القول: إن أدبيات التيارات السلفية الجهادية زاخرةٌ بشرح مكانة الجهاد المتقدِّمة عندها، سواء في التنظير أو في الممارسات العملية. ويستند أتباع تلك التيّارات إلى أقوال ابن تيمية وابن القيِّم الجوزية. وينقل سيّد قطب في كتابه معالم في الطريق ما لخّصه ابن القيِّم عن سياق الجهاد في الإسلام في كتابه زاد المعاد.

بدوره يقول عبد الله عزّام: «إن الجهاد أعظمُ عبادةٍ. فإذا كان الجهاد فرض كفاية فلا يوجد في فروض الكفاية أفضل منه. ويقول الإمام أحمد: ليس من أعمال البرّ أفضل من الجهاد في سبيل الله. وإذا كان فرض عين فهو مقدَّم على كلّ الفروض، إلاّ الصلاة». ويضيف عزّام: «والجهاد إذا أصبح فرض عين لا يؤخَّر، أما الصيام فيباح الإفطار في رمضان من أجل الجهاد، ولقد أفطر رسول الله| يوم فتح مكّة، حتّى إذا بلغ كراع الغميم أو عند عسفان حمل كأساً من الماء ـ وكان الوقت بعد العصر ـ فشرب| أمام الناس، وقال: إنّكم مصبحو عدوّكم، والفطر أقوى لكم. وبلغه أن بعض الصحابة لم يفطروا، فقال: أولئك العُصاة… أولئك العصاة»… ولا شَكَّ أنه إذا تعارض الجهاد مع الصيام يقدَّم الجهاد. هذا باتّفاق الأئمّة».

ويضيف عزّام: «اتّفقت الأمّة على أن الجهاد إذا تعيّن، يعني: إذا أصبح فرض عينٍ، يقدَّم على حجّ الفريضة. وقال: والجهاد المتعيِّن مقدَّم على حجّ الفرض إجماعاً ـ يعني بالإجماع ـ، وهو مقدَّم على الصيام، ومقدَّم على الحجّ، ومقدَّم على الصلاة؛ لأنك إنْ أردْتَ معركةً في وقت الظهر تؤخِّر الظهر إلى وقت العصر، أو تقدِّم العصر إلى وقت الظهر، وتجمع الصلوات من أجل الجهاد. ولقد فات رسول الله| صلاة العصر يوم الخندق قال: ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى… والجهاد ـ فرض العين ـ مقدَّم على كلّ الفروض إذا تعارضَتْ معه».

بعد هذه المقدّمات يتساءل عزّام: متى وأين وكيف يصبح الجهاد فرضاً لا يمكن تأجيله، ويتقدَّم على غيره من الواجبات الدينية؟ هل الوضع الذي تمرّ به بلاد المسلمين من أفغانستان إلى فلسطين، ثمّ إلى الفليبين وغيرها، يقتضي اعتبار الجهاد فرض عين؟

وعن ذلك يجيب: «بقدر اطّلاعي في كتب الحديث والتفسير والفقه ـ منذ أن بدأتُ كتابة الحديث والفقه والتفسير ـ ما رأيْتُ كتاباً من الصدر الأول إلى يومنا هذا إلاّ وينصّ على أن الجهاد يصبح فرض عين في حالاتٍ، منها: إذا دخل العدوّ أرض الإسلام… اليهود دخلوا فلسطين، فالجهاد فرض عين… ودخل الروس أفغانستان، أو الشيوعيّون دخلوا أفغانستان، إذن الجهاد فرض عين في أفغانستان، بل ليس الجهاد فرض عين عندما دخل الروس أفغانستان، بل الجهاد فرض عين منذ أن سقطت الأندلس بيد النصارى، ولم يتغيَّر هذا الحكم إلى يومنا هذا».

وكما ورد سابقاً، كان ابن تيميّة من أهمّ المراجع المعتمدة لدى التيارات السلفية الجهادية، حيث استلهموا فتاواه بما يتعلَّق بشريعة الياسق64 التي كانت معتمدة من قبل المغول (التتار)، والدساتير الحالية في الدول الإسلامية، فتساءلوا عن الفرق بين ياسق التتار والياسق العصري، ورأَوْا أنّه «لا فرق بين دستور وقوانين البلدان المنتسبة للإسلام اليوم وبين ياسق التتار… وما أشبه الليلة بالبارحة، فها هو ياسق طغاة العصر… الدستور ومصادره نفس مصادر ياسق التتار… شرائع وقوانين النصارى واليهود والهوى والاستحسان والعرف الفاسد… وبعض ما يتخيَّرون من الشريعة الإسلامية…».

واعتبروا أن الأنظمة السائدة في الدول الإسلامية مثيلٌ لنظام التتار، بل أشدّ، والقوانين المطبَّقة مثل (الياسق)، بل أدهى وأمرّ. وفي هذا المجال يقول محمد عبد السلام فرج في كتابه «الفريضة الغائبة»: «…وفي سؤالٍ موجَّه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية من مسلمٍ غيور… يقول السائل، واصفاً حالهم للإمام: «هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة، وقد تكلَّموا بالشهادتين، ولم يبقوا على الكفر الذي كانوا عليه في أول الأمر، فهل يجب قتالهم؟

وما حكم مَنْ قد أخرجوه معهم كرهاً، أي إنهم يضمّون المسلمين إلى صفوف جيشهم كرهاً… (التجنيد الإجباري)؟ وما حكم مَنْ يكون مع عسكرهم من المنتسبين إلى العلم والفقه والتصوُّف ونحو ذلك؟ وما يقال في مَنْ زعم أنّهم مسلمون والمقاتلون لهم مسلمون، وكلاهما ظالمٌ، فلا يقاتل مع أحدهما…». وهي نفس الشبهة الموجودة الآن، وسوف يتمّ توضيحها إنْ شاء الله.

ويقول ابن تيمية في وصف التتار: «ولم يكن معهم في دولتهم مولى لهم إلاّ مَنْ كان من شرّ الخلق؛ إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام في الباطن ـ أي إنه يظهر الإسلام ـ؛ وإما من هؤلاء مَنْ هو شرّ أهل البِدَع، كالرافضة والجهمية والاتجارية ونحوه ـ وهم أصحاب البدع ـ؛ وإما من أفجر الناس وأفسقهم، وهم في بلادهم مع تمكُّنهم لا يحجّون البيت العتيق، وإنْ كان فيهم مَنْ يصلّي ويصوم، فليس الغالب عليهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة… أليس ذلك هو الكائن؟!

وهم يقاتلون على ملك جنكيز خان (اسم ملكهم)، فمَنْ دخل في طاعتهم جعلوه وليّهم وإنْ كان كافراً، ومَنْ خرج عن ذلك جعلوه عدوّاً لهم وإنْ كان من خيار المسلمين، لا يقاتلون على الإسلام، ولا يضعون الجزية والصغار، بل غاية كثير من المسلمين منهم من أكابر أمرائهم ووزرائهم أن يكون المسلم عندهم كمَنْ يعظِّمونه من المشركين من اليهود والنصارى…. ملحوظة: أليست هذه الصفات هي الصفات نفسها لحكّام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم؟».

ويتابع فرج حول ما يتعلَّق بحكم قتال الحكام: «يقول ابن تيمية في ص 298 مسألة 217: قتال التتار الذين قدموا إلى بلاد الشام واجبٌ بالكتاب والسنّة؛ فإن الله يقول في القرآن: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾، والدين هو الطاعة، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال؛ حتّى يكون الدين كله لله. ولهذا قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ (البقرة: 278 ـ 279). وهذه الآية نزلت في أهل الطائف لما دخلوا في الإسلام، والتزموا الصلاة والصيام، وامتنعوا عن ترك الرِّبا… بيَّن الله أنهم محاربون لله ولرسوله، فإذا كان هؤلاء محاربين لله ولرسوله يجب جهادهم فكيف بمَنْ يترك كثيراً من شرائع الإسلام أو أكثرها، كالتتار؟!

وقد اتّفق علماء المسلمين على أن الطائفة الممتنعة إذا امتنعت عن بعض الواجبات الإسلامية الظاهرة فإنه يجب قتالهم، وإذا تكلَّموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة أو صيام شهر رمضان أو حجّ البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنّة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو استحلال ذوات النفوس والأموال بغير الحقّ أو الرِّبا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجِزْية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام… فإنهم يُقاتَلون عليها؛ حتّى يكون الدين كلُّه لله. وقد ثبت في الصحيحين أن عمر لما ناظر أبا بكر في مانعي الزكاة، قال له أبو بكر: كيف لا أقاتل مَنْ ترك الحقوق التي أوجبها الله ورسوله وإنْ كان قد أسلم، كالزكاة؟

وقال له: فإنّ الزكاة من حقِّها، واللهِ لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدّونها لرسول الله| لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فما هو إلاّ أنْ رأيْتُ قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال، فعلمْتُ أنّه الحقّ. وقد ثبت في الصحيح غير مرّةٍ أن النبيّ| ذكر الخوارج، وقال فيهم: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإنّ في قتلهم أجراً عند الله لمَنْ قتلهم يوم القيامة. لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد».

وقد اتّفق السَّلَف والأئمة على قتال هؤلاء، وأول مَنْ قاتلهم عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وما زال المسلمون يقاتلون في صدر خلافة بني أميّة وبني العباس مع الأمراء وإنْ كانوا ظلمةً ـ كان الحجّاج ونوابه ممَّنْ يقاتلونهم ـ، فكلّ أئمة المسلمين يأمرون بقتالهم. التتار وأشباههم (أمثال حكّام اليوم) أعظم خروجاً عن شريعة الإسلام من مانعي الزكاة والخوارج من أهل الطائف الذين امتنعوا عن ترك الرِّبا. فمَنْ شك في قتالهم فهو أجهل الناس بدين الإسلام. وحيث وجب قتالهم قوتلوا، وإنْ كان فيهم المكره».

وهكذا استحضر فرج التاريخ، وأسقطه على الحاضر، فرأى أن أيّ فئةٍ اجتماعية لا تمارس الشعائر الإسلامية، من صلاةٍ وصوم وزكاة وحجّ، فإنه يجب قتالها، حتّى وإنْ نطق أفرادها بالشهادتين؛ لأن التلفُّظ فقط لا يعني شيئاً إذا ما اقترن مع إهمال الواجبات الدينية وارتكاب الموبقات. كذلك فإنه لا يكفي القيام بالطقوس الدينية الظاهرة فقط لاعتبار المجتمع مسلماً يعيش حالةً إيمانية، فالامتناع عن تطبيق الأحكام الشرعية الإسلامية في ظلّ الدولة الحديثة يجعل المجتمع مجتمعاً جاهليّاً، لا بُدَّ من العمل لإعادته إلى جادّة الصواب عن طريق الجهاد.

وفي هذا المجال يقول عبد القادر بن عبد العزيز في كتابه المعروف «رسالة العمدة في إعداد العدّة»: «الجهاد في سبيل الله لمَنْ عاند وأبَى قبول دعوة الإسلام». ويستشهد ابن عبد العزيز بقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ (التوبة: 5). ويستحضر حديثاً مرويّاً عن مسلم يقول فيه: «قال الله تعالى لنبيِّه|: إنّما بعثتُك لأبتليك، وأبتلي بك… إلى قوله: استخرجهم كما أخرجوك، واغْزُهم يُغْزَ بك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله: وقاتل بمَنْ أطاعك مَنْ عصاك». وينقل حديثاً آخر عن ابن عمر ذكر فيه: «قال رسول الله|: أمرت أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله تعالى».

ويخلص ابن عبد العزيز إلى الاستنتاج بأن الرسول الأكرم| مأمورٌ بقتال الناس كافّة ما لم يؤمنوا بالله حقّ الإيمان. كما يؤكِّد ابن عبد العزيز على حتمية هلاك الكافرين.

ـ يتبع ـ

 

د. السيد أحمد سادات*

*حائزٌ على دكتوراه في الدراسات الإسلامية (الفكر السياسيّ)، وأستاذٌ محاضِر بكلّية دراسات العالم ـ جامعة طهران. من إيران.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 3 مايو 2017 - 11:19 بتوقيت مكة