في هذه العُجالة تكفي الإشارة إلى تصريح وزير الأمن الإسرائيليّ يوم الجمعة الفائت (21.04.2017) لدى استقباله وزير الدفاع الأمريكيّ في تل أبيب، حيث قال: نحن في إسرائيل سعداء برؤية توجه جديد في الإدارة الأمريكيّة ضدّ الجهات الإرهابية، ولدينا الصبر لانتظار خطوات عملية، في هذا الموضوع، على حدّ تعبيره.
من هنا، فإنّ تل أبيب باتت تُخفّض من سقف توقعاتها فيما يتعلّق بحلّ الأزمة السوريّة سياسيًا، وتُقّر بأنّها لن تكون دولةً مؤثرةً في هذا الحلّ بأيّ شكلٍ من الأشكال، وتكتفي اليوم بضرورة ضمان عدم فتح إيران وحزب الله جبهةً جديدةٍ ضدّها من مرتفعات الجولان، كما فعلت المقاومة اللبنانيّة إبّان الاحتلال الإسرائيليّ لجنوب بلاد الأرز، والذي أجبر الجيش الإسرائيليّ في أيّار (مايو) من العام 2000 على الهرب بسرعةٍ وخفيةٍ من الجنوب، لعدم قدرته على تحمّل الخسائر البشريّة والماديّة التي لحقت به جرّاء العمليات النوعيّة التي نفذّتها المُقاومة اللبنانيّة بقيادة حزب الله.
بكلماتٍ أخرى، تستغّل إسرائيل الفرص للدفع بالحليف الإستراتيجيّ الأمريكيّ، لمواجهة ما أمكن من تهديدات ترى إسرائيل أنّها قاصرة بذاتها عن مواجهتها منفردةً. وإذا كانت إسرائيل قد تلقت زيارة وزير الدفاع الأمريكيّ جيمس ماتيس بكثيرٍ من التفاؤل، فإنّه تفاؤل مشبع أيضًا بالحذر، مع إدراك تل أبيب أنّ المهمة صعبة جدًا ومحفوفة بالمخاطر التي من شأنها في نهاية المطاف أنْ تلجم الإدارة الأمريكيّة عن تحقيق مصالحها كاملة، رغم الاندفاعة المعبّر عنها من ماتيس نفسه، في خلال جولته في المنطقة، وإطلاقه سلسلة مواقف تصعيدية ضدّ إيران وسوريّا، وتأكيده ضرورة التصدّي للنفوذ الإيرانيّ في المنطقة.
وغنيٌ عن القول إنّ تل أبيب تُدرك، وكذلك واشنطن، محدودية الفعل الإسرائيليّ تجاه إيران، ومحدودية قدرتها على التأثير سلبًا في ما تسميه “تمدّدّها في المنطقة. من هنا، تحرص إسرائيل على لعب دور المستشار الذي يوفر المعطيات والتقديرات للشريك الأمريكيّ، المتصدي علنًا لإيران، مع محاولة التأثير تسللاً في توجهاته، لمزيد من الحدّة في المواقف، وربما أيضًا في الأفعال.
من جهة إسرائيل، باتت الآن أكثر ارتياحًا مُقارنةٍ بالماضي، لأنّها في حدٍّ أدنى تحظى بإدارة أمريكيّةٍ جديدةٍ لا تخشى ملامسة دوائر الخطر، على نقيض سياسة الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي انتهج سياسة أكثر واقعية من منظوره إلى موازين القوى والخيارات البديلة المتاحة أمامه فعليًا. وإذا كانت إسرائيل لا تؤمل بالمطلق أنّ إدارة ترامب ستُحقق ما تطمح إليه فعلاً، وبالكامل، فإنّ ما بين سياسة أوباما وما تطمح إليه، يعتبر خيار ترامب بالقياس للواقع، خطوة كبيرة جدًا إلى الأمام.
بالإضافة إلى ذلك، باتت إسرائيل مدركةً، بعد تجربة العدوان الأمريكيّ على مطار الشعيرات السوريّ وما أفضت إليه من انكفاء لاحق، أنّ ترامب الذي لا يخشى ملامسة دائرة المخاطر، هو في المقابل حريص على تجنب تخطي هذه الدوائر والقفز عنها والتسبب في مواجهات، لكنها سياسة مرحب بها إسرائيليًا، وتحديدًا تجاه إيران، لأنّها تحمل إمكانات معقولة، وربما أيضًا من ناحيةٍ عمليةٍ، بأنْ تسبب تصعيدًا وارتقاءً في التصعيد، وصولاً إلى مواجهة مطلوبة إسرائيليًا بقوة، بين إيران والولايات المتحدة، حتى إنْ لم يرد طرفا المواجهة ذلك.
وتستند تل أبيب في رهانها إلى خطأ حسابات إدارة ترامب، أولاً، وعلى يقينها بأنّ أخطاء الإدارة ستُواجه بتصلبٍ إيرانيٍّ وردود، تأمل أن يؤديّا معًا إلى مواجهةٍ واسعةٍ. الرهان الإسرائيلي “معقول ومطلوب”، وربمّا هو الرهان الوحيد في ظلّ انسداد الخيارات البديلة الموصلة إلى النتيجة نفسها، وقصور يد تل أبيب المباشرة عن تحقيق هذه النتيجة.
وكما هو واقع قصور يد إسرائيل عن مواجهة إيران مباشرة ومنفردة، هي أيضًا قاصرة عن مواجهة أعدائها في سوريّا، ولذلك تتشابه المصلحة الإسرائيلية في الملفين، بضرورة التدخل الأمريكيّ المباشر والعميق فيهما. وإنْ كان لا جدال في أنّ إسرائيل عاجزة عن التصدي لإيران منفردة، فهي كذلك في مواجهة تقاطع مصالح عميق بين روسيا وإيران وسوريّا وحزب الله، حيث لا يمكن أيّ قوة إقليمية إنتاج توازن في مواجهة هذا التحالف.
بالنسبة لإسرائيل، وبوجه مؤكّدٍ، في الساحة السورية، فإنّ أيّ تدّخلٍ أمريكيٍّ محدودٍ، يُفضي إلى حرب باردة في سوريّا بين واشنطن وموسكو، قد يكون أسوأ من الانكفاء الأمريكيّ. بكلماتٍ أخرى، الاشتباك المحدود بمعنى الحرب الباردة وتكريس وتعزيز التعارض بين المصالح بين القوتين العظميين في هذه الساحة، ستكون إحدى نتائجه هدر كلّ مصالح إسرائيل، وبما هو أوسع وأشمل من الساحة السوريّة. من هنا، فإنّه يُمكن القول والفصل أيضًا إنّ إسرائيل معنيةً إمّا بتدّخلٍ أمريكيٍّ واسعٍ، وإمّا بتوافقٍ واسعٍ مع روسيا، وما دونهما وبينهما سيبقى كارثةً إستراتيجيّةً على الدولة العبريّة.
ومن الأهمية بمكان الإشارة في هذه العُجالة إلى أنّ مُنظّر حزب (ليكود) الحاكم، عوديد ينون، كان قد رأى في ثمانينات القرن الماضي سوريّة مقسمة لـ4 دويلات: سنية في دمشق، وأخرى في حلب، ودرزية في الجنوب، وعلوية على الساحل، وعملت حكومات إسرائيل عل تحقيق هذه الرؤية، إلّا أنّ سوريّا اليوم أثبتت لإسرائيل وللرجعيّة العربيّة وللإمبرياليّة الأمريكيّة أنّها عصيّة على المؤامرات.
“رأي اليوم”- زهير أندراوس