في الواقع، أثبت الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدم تردّده في إستخدام القوّة العسكريّة، حيث أنّه أعطى أوامره بقصف مواقع للجيش السوري في مطار الشعيرات بصواريخ Tomahawk، مُتجاوزًا الكثير من الخطوط الحمراء التي كانت كبّلت قرارات سلفه باراك أوباما. وفي أفغانستان، أعطى الرئيس ترامب الأوامر لإستخدام أكبر قنبلة تقليدية غير نوويّة، وهيGBU – 43/B ، المعروفة أيضًا بإسم MOAB أو "أم القنابل"، الأمر الذي أدّى إلى تدمير مجموعة من المغاور والأنفاق المحفورة عميقًا تحت الأرض.
وحتى في علاقته مع روسيا التي كُتب وقيل الكثير عن دور ومصلحة لها في إنتخابه رئيسًا، لم يتردّد الرئيس الأميركي في إتخاذ مواقف حازمة بوجه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي أسفر عن تراجع العلاقات الأميركيّة-الروسيّة بشكل كبير.
وبالتالي، من الناحية المَبدئيّة لا شيء يحول دون وُصول التوتّر الحالي بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشماليّة إلى أقصى درجات التدهور، مع العلم أنّ نائب الرئيس الأميركي مايك بينس يُواصل حاليًا جولة آسيوية يبحث خلالها مع كبار القادة في كل من كوريا الجنوبيّة واليابان وإندونيسيا وأستراليا، سُبل الردّ على إستفزازات الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون".
وليس سرًا أنّ كوريا الجنوبيّة أطلقت تهديدات بردّ بلا رحمة على أيّ هجوم أميركي، بالتزامن مع تنفيذها إختبارًا صاروخيًا وعرضًا عسكريًا ضخمًا، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة الأميركية تُعزّز حُضورها العسكري في المنطقة عبر حاملة الطائرات "كارل فينسن" برفقة ثلاث سفن قاذفة للصواريخ، على أن يليها وُصول المزيد من السفن والبوارج والغوّاصات، مع إطلاق تعهّدات باتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء التهديد الذي تُشكّله كوريا الشماليةلأميركا.
لكن وعلى الرغم من بلوغ التوتّر بين واشنطن و"بيونغ يانغ" مُستوى غير مسبوق منذ إستلام "كيم جونغ أون" الحُكم خلفًا لوالده في أيلول من العام 2011، فإنّ أسبابًا عدّة تحول دون حُصول مُواجهة عسكريّة بين الطرفين-أقلّه في المرحلة الحاليّة، أبرزها بحسب مُحلّلين عسكريّين غربيّين:
أوّلاً: لا يُمكن توجيه ضربة عسكريّة أميركيّة محدودة لكوريا الشماليّة من دون التعرّض لردّ عسكري من قبلها، بسبب قيادتها المتهوّرة المُستعدّة للتعامل بانفعال وعشوائيّة مع أيّ عمليّة عسكريّة ضُدّها حتّى لو كانت رمزيّة أو محصورة الأضرار، ما يعني أنّ واشنطن لا يُمكن أن تلجأ إلى هكذا خيار، لأنّه سيزيد من عدائيّة "بيونغ يانغ" ومن تهوّرها.
ثانيًا: على الرغم من الوُجود العسكري الأميركي القوي في آسيا عبر مجموعة من القواعد العسكريّة الثابتة، وعلى الرغم من التحالفات المتينة التي تربطها بدول قويّة عسكريًا ومُناهضة لكوريا الشمالية، وفي طليعتها كوريا الجنوبيّة واليابان، فإنّ الدخول في معركة عسكريّة مع "بيونغ يانغ" يعني تلقائياً الدخول في حرب مُدمّرة، بسبب الترسانة العسكريّة الكبيرة لكوريا الجنوبيّة والتي لا يُمكن سحقها ببعض الغارات أو الضربات الصاروخيّة.
ثالثًا: لا يُمكن المُخاطرة بالقيام بأيّ عمليّة عسكريّة خاطفة ومُباغتة لتدمير القُدرات الصاروخيّة لكوريا الجنوبيّة، لأنّ إمتلاك "بيونغ يونغ" لترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية ولقدرات نوويّة، في ظلّ وجود قيادة عسكريّة مُتهوّرة، يُمكن أن يعني التعرّض لردّ صاروخي ونووي، بأضرار لا يُمكن تحمّلها.
رابعًا:على الرغم من عدم وُجود حلفاء كُثر لنظام "بيونغ يانغ" في آسيا والعالم أجمع، وعلى الرغم من عدم مُوافقة أي جهة أو دولة على تصرّفاته العُدوانيّة المُتصاعدة، فإنّ الكثير من الدُول الآسيويّة، وفي طليعتها الصين وروسيا الإتحادية وكوبا، لا ترغب بحُصول أي مُواجهة عسكريّة كبرى في المنطقة، لما لها من آثار مُدمّرة على القارة الآسيويّة قبل غيرها. وهي لا ترغب في الوقت عينه بحُصول أيّ إنتصار عسكري أميركي على كوريا الشمالية، لما لهذا الأمر من تداعيات في غير صالحها على مُستوى التوازنات الدَوليّة.
وإنطلاقًا ممّا تقدّم، فإنّ التوقّعات الغربيّة بشأن التوتّر الحالي بين واشنطن و"بيونغ يانغ"، تستبعد حُصول أي مُواجهة عسكريّة قريبة بين الطرفين، لا محدودة ولا شاملة، وتتحدّث في المُقابل عن ضغوط أميركيّة مُتصاعدة مُرتقبة بهدف زيادة العزلة الدَوليّة التي تُعاني منها كوريا الشماليّة، وبهدف خنق "بيونغ يانغ" إقتصاديًا وماليًا، إضافة إلى حثّ الصين على التحرّك للجم تهوّر "كيم جونغ أون" وردعه عن التمادي في تحدّي واشنطن. والخطّة الأميركيّة البعيدة عن الأضواء تتركّز على تحضير الأرضيّة لانقلاب عسكري على نظام الزعيم الكوري الشمالي، خاصة وأنّ النقمة الداخليّة عليه في تصاعد مُستمرّ بسبب قساوته المُفرطة وإجراءاته القمعيّة غير المَسبوقة، من دون إستبعاد حُصول عمليّة إغتيال مُنظّمة ضًد "كيم جونغ أون" في حال إنتقاله من حال العداوة الشكليّة القديمة لأميركا إلى حال التهديد الفعلي لأمنها.
بقلم:ناجي س. البستاني
المصدر:النشرة