كانت تركيا تبتغي من تدخلها المباشر التعويض عن خسائرها الإستراتيجية في سورية عبر احتلال أرض فيها وإقامة ما تدعيه من منطقة آمنة بإشرافها والتي لم تلق آذاناً مصغية لدى واشنطن والتصدي للتمدد الكردي على حدودها والذي باتت تنظر اليه كخطر إستراتيجي يهددها، لكن تركيا التي سعت لتحقيق هذه الأهداف اصطدمت في الميدان بعقبات وعوائق تتجاوز ما كانت تتصور، فعجزت عن تحقيق شيء أساسي من أهدافها، وهي رغم علاقتها الحميمية مع داعش واطمئنانها إليها، لم تستطع أن تتجاوز تلك الصعوبات التي فاجأتها وخاصة من الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة، ثم من أميركا التي تدعم الأكراد خلافا للرغبات التركية من جهة أخرى.
ورغم أن تركيا بعد معاناة وخسائر دخلت إلى مدينة الباب السورية، دخولا أرادت أن تجعله منطلقا لتحقيق أهداف عدوانها، لكنها عجزت عن تطوير أو استثمار هذا الإنجاز بعدما نفذ الجيش لعربي السوري حركة التطويق الذكي ومنع القوات التركية الغازية من التمدد جنوبا ثم شدد الجيش الطوق عليها في الباب إلى الحد الذي جعلها تشعر بأنها شبه محاصرة لا تجرؤ على الاحتكاك بوحدات الجيش العربي السوري العاملة في المنطقة لتحريرها من الإرهاب.
ثم كانت الصفعة الأميركية التي أكملت المأزق التركي عندما تقدمت قوات من الجيش الأميركي تمارس العدوان على الأرض السورية ودخلت إلى منبج لتؤمن الحماية الميدانية المباشرة لقوات «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، وبذلك حرمت تركيا من حلم احتلال منبج والاندفاع إلى الشاطئ الغربي للفرات، ومنع الأكراد من تجاوزه كما كانت تخطط.
لقد حاولت تركيا مع أميركا وجربت أكثر من وسيلة وخطة من أجل أن تتراجع عن دعمها للأكراد لكن كل محاولات تركيا ذهبت أدراج الرياح، وانتظرت زيارة وزير الخارجية الأميركي إليها آملة أن تحصل منه على وعد أو تعهد يريحها، واستبقت وصوله بقرار وقف عملية درع الفرات في رسالة تريد منها الضغط على أميركا وابتزازها، لكن الوزير الأميركي رد على الابتزاز أو التهويل التركي بما زاد من قلق تركيا وراكم خيباتها، فأعلن من على منبر تركي موقفا صاعقا لأنقرة ولكل المكونات الإقليمية للعدوان عندما حدد أولويات أميركا في سورية بأنها محاربة داعش، أما موقع الرئيس بشار الأسد فإنه شأن سوري يحدده الشعب السوري مستقبلا، موقف سيكون له من التداعيات والمفاعيل ما لا تستطيع تركيا وشركاؤها في العدوان تحمله.
والآن نستطيع القول إن تركيا عبر إعلانها وقف عملية درع الفرات من دون أن تحقق أهدافها، بدأت بالاعتراف وتقبل الخسارة في سورية، ورغم الطبيعة الانقلابية والغادرة للقيادة التركية، فإننا نأخذ ما بدا يطفو على السطح من مواقف وتصرفات تركية على محمل الجد هذه المرة لنقول: إن سورية التي واجهت العدوان بدأت تسمع اعتراف المعتدين بخسارتهم بدءا بتركيا وغداً سواها والبقية تأتي.
بقلم:ميسون يوسف