هل وردت السلفية في القرآن والسُّنة ؟

الخميس 30 مارس 2017 - 14:12 بتوقيت مكة
هل وردت السلفية في القرآن والسُّنة ؟

لا يُمكن فهم الأدلة الشرعية إلا بفهم اللغة العربية. وفي هذا السياق، لا بُدَّ مِن فَهم المعنى اللغوي لكلمة”السَّلَف”.(سَلَفَ)سُلُوفاً، وسَلَفاً: تَقَدَّم وسَبَق ومضى وانقضى، فهو سالف [انظر المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ص 318].

وَلْنَقُم الآن باستعراض الجذر ” سَلَفَ ” ومشتقاته في الكتاب والسُّنة لنُكوِّن فهماً دقيقاً عن الأساس الفكري ” للسلفية الوهابية ” البعيدة عن الكتاب والسُّنة.

1) قالَ اللهُ تعالى: (فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن ربِّه فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) [البقرة: 275].

معنى (مَا سَلَفَ) ما مضى. والآيةُ تتحدث عن أكل الرِّبا. فأكلُ الربا قبل تحريمه معفوٌّ عنه، فهو في حُكم الماضي. قال الطبري في تفسيره (3/ 101) عن معنى (فَلَهُ مَا سَلَفَ): (( ما أكل وأخذ فمضى قبل مجيء الموعظة والتحريم مِن ربِّه في ذلك )) اهـ. وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 436): (( قال سعيد بن جُبَير والسُّدي: (فَلَهُ مَا سَلَفَ) فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم )) اهـ .

2)قالَ اللهُ تعالى: (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ) [النِّساء: 22].

معنى (مَا قَدْ سَلَفَ) ما قد مضى. فاللهُ تعالى عفا عمَّا مضى في جاهليتهم، حيث كانوا يَنْكِحُون ما نَكَحَ آباؤهم. وقال الطبري في تفسيره (3/ 659): (( وعفا لهم عمَّا سلف منهم في جاهليتهم وشِركهم مِن فِعل ذلك )) اهـ .

3) قالَ اللهُ تعالى: (وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ) [النِّساء: 23] .

معنى (مَا قَدْ سَلَفَ) ما قد مضى. والآيةُ تتحدث عن حُرمة الجمع بين الأختين، ومَن فَعلَ ذلك فيما مضى (الجاهلية)، فقد تجاوزَ اللهُ عنه، وعفا عنه. قال الصابوني في صفوة التفاسير (2/ 90): (( أي وحُرِّم عليكم الجمع بين الأختين معاً في النِّكاح، إلا ما كان منكم في الجاهلية، فقد عفا اللهُ عنه )) اهـ.

4) قالَ اللهُ تعالى: (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) [ المائدة: 95].

المعنى: عفا اللهُ عما مضى وانقضى، فلا يُؤاخذكم به. والإسلامُ يَهْدِمُ ما قَبْلَه. وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 134): ((عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) أي في زمان الجاهلية لِمَن أحسنَ في الإسلام، واتَّبعَ شَرْعَ اللهِ، وَلَم يرتكب المعصية )) اهـ.

5) قالَ اللهُ تعالى: (قُل للذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال: 38].

المعنى: إن الكافرين إذا انتَهَوا عن كفرهم وضلالهم وأسلَموا، فإن الله يغفر لهم ما مضى أيام كفرهم، ويتجاوز عنهم، فالإسلام يَجُبُّ ما قَبْلَه، أي: يَمحوه. وقال الواحدي في الوجيز(1/ 440): ((إِن يَنتَهُوا) عن الشِّرْك وقتالِ المؤمنين (يُغْفَرْ لَهُم ما قَدْ سَلَفَ) تَقَدَّمَ مِنَ الزِّنا والشِّرْكِ، لأن الحربِيَّ إذا أسلمَ عَادَ كَمِثْلِ يَوم وَلَدته أُمُّه)).

6) قالَ اللهُ تعالى: (هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) [يُونُس : 30].

فكلُّ نَفْسٍ تَعلم ما سلفَ مِن عملها، أي ما قَدَّمَتْه مِن خير أو شر. قال القرطبي في تفسيره (8/ 301): (( تَختبر كُلُّ نفْسٍ ما أسلفت أي جزاء ما عملت وقَدَّمتْ )) اهـ. وقال ابن كثير (2/ 546): (( في موقف الحساب يوم القيامة تَختبر كُلُّ نفْسٍ، وتعلم ما سَلَفَ مِن عَملها مِن خَير وشر )) اهـ.

7) قالَ اللهُ تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة: 24] .

(أَسْلَفْتُمْ)، أي: قَدَّمْتُم في الأيام الماضية (أيام الدنيا). قال القرطبي في تفسيره (18/ 236): (( بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)، أي قدَّمتم في أيام الدنيا )) اهـ.

8) قالَ اللهُ تعالى: (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً للآخِرِين) [الزُّخْرُف: 56].

إن اللهَ تعالى قد جعلهم عِبرةً لِمَن جاءَ بَعْدَهم، ومَثَلاً للاعتبار والاتِّعاظ لئلا يُصيب المتأخرين ما أصاب المتقدِّمين (السَّلف) من العذاب. قال ابن كثير في تفسيره (4/ 165): (( قال أبو مِجْلَز: سَلَفاً لِمِثْلِ مَن عَمل بعملهم، وقال هو ومجاهد: ومَثَلاً أي عِبرة لِمَن بَعْدَهم )) اهـ.

هذه الآياتُ الشريفةُ هي التي وَردت في القرآن الكريم، وتتضمن كلمة ” سلف ” وما يتفرع عنها، وهي واضحة لمن له أدنى معرفة باللغة العربية، ومعناها واضحٌ في تحديد الفترة الزمنية السابقة الماضية لا تحديد مذهب إسلامي أو منهجية عَقَدية أصولية فقهية. فمعناها لا يخرج عن الإطار اللغوي المعروف.

وعبثاً حاول البعض إخراج المعنى إلى المجال الديني ، فهذا مضاد لسياق الآيات الكريمة، وقواعد اللغة العربية. والذين ينادون بما يُسَمُّونه السلفية ليس لهم أي حُجَّة أو بَيِّنة من القرآن الكريم لتثبيت مصطلحهم وانتزاع الشرعية الدينية له، فالقرآنُ أوردَ لفظةَ ” سلف ” وما يتفرع عنها ليُظهِر المعنى الزمني لهذه اللفظة وما يتفرع عنها، فالمعنى القرآني حصرَ هذه اللفظة في المجال اللغوي فقط لا الدِّيني أو التَّعبدي. فمن ينادون بالسلفية لا دليل لهم من القرآن الكريم، واللهُ أجلُّ وأعلمُ.

وأولئك الذين كوَّنوا مذهباً وأسْمَوْهُ السلفية مرجعهم في ذلك إلى أهوائهم، فالسلف الصالح لم يكن لهم مذهب محدَّد لهم. والصحابة  رضوان الله عليهم اختلفت اجتهاداتهم ومذاهبهم، والتابعون كذلك، ومن تبعهم بإحسان كذلك، والإسلام يتَّسع لاجتهادات مختلفة ويعترف بها ما دامت ضمن المنهج الإسلامي المبنيِّ على الكتاب والسُّنة ضمن قواعد العربية.

أمَّا المعاني الواردة في السنة النبوية الشريفة حول لفظة السلف فمختصة بالمعنى اللغوي فَحَسْب، وهو معنى التقدم والسَّبْق دون وجود أية إشارة لمعنى ديني أو مذهب إسلامي. والذين لم يجدوا في القرآن الكريم ما يُؤيِّد السلفية كمذهب ديني ، انطقلوا إلى السُّنة النبوية فلم يجدوا سوى المعنى اللغوي المعروف في لغة العرب ، لكنهم احتجوا بهذا الحديث النبوي الذي يُعتبَر عُمدتهم في هذا السياق بعد أن فهموه فهماً خاطئاً ، فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وآله للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام: ((فإني نِعْمَ السَّلفُ أنا لكِ)) [متفق عليه] .

ومن العجيب أن يُحمَل هذا الحديث الشريف على شرعنة السلفية استناداً إلى فهم مغلوط لمعنى كلمة ” السلف “، ولنعد إلى تفسير الحديث فقد قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (16/ 7): ((والسَّلف الْمُتقدِّم، ومعناه أنا مُتقدِّم قُدَّامك فَتَرِدين عليَّ)).

وقد تبيَّن لك عدم وجود مرجعية من القرآن أو السُّنة لما يُسمَّى بالسلفية، فليست هي بأكثر من مذهب حزبي غير منقَّح، فلا أصول مُعتمَدة له ولا فروع. يستند إلى أفكار ابن تيمية قديماً ومحمد بن عبد الوهاب حديثاً، ومن هنا كانت التسمية الحقيقية لهذه الفئة” السلفية التَّيمية النجدية”، فابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب هُما سَلَف مَن يَقول بهذا المذهب الجديد. والأمر لا علاقة له بالسلف الصالح رضوان الله عليهم.

ابراهيم ابو عواد

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 30 مارس 2017 - 14:12 بتوقيت مكة
المزيد