بوتين لن يترك الحكم إلا بعد إتمام هذه المهمة!

الأربعاء 29 مارس 2017 - 13:48 بتوقيت مكة
بوتين لن يترك الحكم إلا بعد إتمام هذه المهمة!

ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن الرئيس الروسي فلادمير بوتين حرص منذ توليه السلطة على أن يبدو أنه يعمل مديراً لدى الشعب الروسي الذي انتخبه إلا أن وظيفته بعد سنوات في الحكم إلى "قدر"، على حد وصفه، ساعده في ذلك شخصيته الفردية وسياساته العامة، ومع ذلك، يعتبر الشعب الروسي بوتين رمزاً للاستقرار بعد عقدٍ ونصف من الاضطرابات التي شملت سياسات الإصلاح الرديئة والمُضلّلة للنظام الشيوعي السوفيتي، ونهايته غير المتوقعة،

وصف ديمتري ترينين، مدير مركز مؤسسة كارينغي للسلام الدولي في موسكو، ورئيس مجلس البحث وبرنامج السياسات الأمنية والخارجية بأنه حاكمٌ مستبد بموافقة الشعب، فقد حافظ على الحريات الشخصية الأساسية التي اكتسبها الشعب الروسي لأول مرة بعد سقوط النظام الشيوعي وقيد في ذات الوقت الحريات السياسية بشكل محكم.

وقال ترينين في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن الرئيس الروسي حرص منذ توليه السلطة على أن يبدو أنه يعمل مديراً لدى الشعب الروسي الذي انتخبه إلا أن وظيفته بعد سنوات في الحكم إلى "قدر"، على حد وصف الرئيس الروسي.

ويحاول المقال إبراز الدور الذي لعبه بوتين في إعادة روسيا إلى الساحة الدولية من جديد، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ساعده في ذلك شخصيته الفردية وسياساته العامة، إذ وطدت شرعية حكمه للدولة الروسية في نظر الغالبية العظمى من شعبه.

وجاء في نصّ المقال الذي ورد في صحيفة "The Guardian":

حين سُئِل فلاديمير بوتين عن وظيفته، وذلك بعد عامين من توليه رئاسة الكرملين في ليلة رأس السنة عام 1999، قال عبارةً مفادها إنَّه يعمل مُديراً لدى الشعب الروسي الذي انتخبه للفترة التي يقتضيها منصبه. بينما حين سُئِل عن وظيفته الآن، قال إنَّها "قَدَر".

وشهد يوم 26 آذار، تجمَّع الآلاف في تظاهراتٍ حاشدة تُعَدُّ هي الأكبر من نوعها منذ عدة سنوات ضد بوتين، ورئيس وزرائه وتلميذه النجيب ديمتري ميدفيديف، وذلك وفقاً لما نشرته صحيفة "غارديان" البريطانية.

ومع ذلك، يعتبر الشعب الروسي بوتين رمزاً للاستقرار بعد عقدٍ ونصف من الاضطرابات التي شملت سياسات الإصلاح الرديئة والمُضلّلة للنظام الشيوعي السوفيتي، ونهايته غير المتوقعة، والمجيء المفاجئ للحرية التي أوحت في كثيرٍ من الأحيان بتلاشي كافة المبادئ والقوانين، والتفكك المؤلم للاتحاد السوفيتي، والإصلاحات السوقية، التي كثيراً ما وُصِفت بـ"صدمةٍ دون علاج"، وتفشّي الظلم التام كالنار في الهشيم، ونهاية الأيدولوجية، وتفسُّخ الأخلاق.

وكان بوريس يلتسن، أول رئيس لروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، قد عيَّن بوتين ليكون خليفةً له، ولكنَّ بوتين سرعان ما أثبت جدارته بمنصبه بعد نجاحه في ترويض الأقلية الحاكمة، وإنهاء حرب الشيشان التي كانت تبدو نهايتها ضرباً من الخيال، فضلاً عن كسر شوكة حزبٍ كان من أقوى الأحزاب الشيوعية، وتهميش الليبراليين.

لقد أعاد بوتين إرساء النظام الروسي التقليدي المتمثل في الحكومة الهرمية. وتمكنت الدولة التي خصخصتها هذه النخبة ذات النفوذ والقوة من العودة بقوة للساحة السياسية، لتؤكد مجدداً مدى قوتها.

وكان معظم ما يفعله بوتين مجرد تلبية لمطالب معظم الشعب الروسي، الذي فشل في الفترة التي تلت عصر الشيوعية، وهي مطالب في معظمها كانت تنبع من نظرة الشعب إليه كأبٍ وراعٍ يعمل لمصلحته.

ولم يقتصر الأمر على نجاحه بنزاهةٍ في الانتخابات، التي أصبحت في عهده وسيلةً لتثبيت القادة في مناصبهم وليس استبدالهم، بل كسر قاعدة البقاء في السلطة في دولةٍ نبذ شعبها سلفَيْه، ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلتسن، اللذين كانا يتمتعان بشعبيةٍ جارفة يوماً ما، ولكنَّها لم تشفع لهما، واندثرت بعد ذلك.

وحين كان على بوتين الاختيار، في بداية حكمه، بين الانحياز للنُّخَب، بما في ذلك نخبة المثقفين، وبين الانحياز لطبقات الشعب العادي، ذهب إلى الاختيار الثاني.

عرف بوتين من أين تؤكَل الكتف، وأدرك أنَّ أفضل وسيلة لحكم روسيا هي الاحتفاظ بشعبيةٍ جارفة وصادقة بين "الجماهير"، وممارسة سلطته القوية على النُّخب من حينٍ لآخر، ليعتبره الشعب "قيصراً صالحاً" يكبح جماح "النخب الأرستقراطية" الطامعة.

وتُعَدُّ التقييمات الشعبية شيئاً مُهماً، فكي يكون حُكم المرء فعّالاً، يحتاج إلى تأييد نسبةٍ لا تقل عن 60% من شعبه، وكي يحكم بأريحية، يحتاج إلى تأييد 70% من شعبه، ومع أنّ الحصول على نسبة تأييد قريبة من 50% أمرٌ رائع جداً في الدول الغربية، فهو أمرٌ محفوف بخطر اندلاع حرب أهلية في روسيا.

ولذلك تمكَّن بوتين، بفضل شخصيته الفريدة، وسياساته العامة، ومواقفه، من توطيد شرعية حُكمه للدولة الروسية في نظر الغالبية العُظمى من شعبه.

استعاد بوتين هيبة روسيا كإحدى القوى العُظمى، بعد أن كانت قد فقدتها في أواخر عهد الاتحاد السوفيتي. وحاول أولاً إدماج روسيا مع الدول الغربية الكبرى حين حاول جعلها حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في حلف الناتو، وشريكاً مُقرَّباً للاتحاد الأوروبي في "أوروبا العُظمى".

وحين باءت مساعيه بالفشل، أدار دفة روسيا بعيداً عن فلك الدول الغربية، وأعاد تشكيل الجيش الروسي، واستخدمه لحماية مصالح الأمن القومي الروسي في أوكرانيا، على حد قوله، ولنشر النفوذ والقوة خارج الإمبراطورية السابقة، وإيصال رسالة إلى العالم مفادها أنَّ روسيا قد عادت إلى الساحة مرةً أخرى.

وقف بوتين علانيةً وبحزم أمام سعي الولايات المتحدة للسيطرة على العالم.

وانتهج بوتين، الذي تراه الدول الغربية شخصاً مُخرِّباً، سياساتٍ مُحافظة في وطنه. إذ سمح بوتين بإصلاحاتٍ اقتصادية في ولايته الأولى، ثم سمح بإجراء مناقشاتٍ عن التحديث، ولكن طريقته في الحكم تعتمد اعتماداً أساسياً على البيروقراطية.

ويعتنق بوتين الفكر الرأسمالي والدولاني. ويُدرك قوة السوق، ولكنَّه يقلق بشأنها كذلك، فيجعل الدولة دائماً على أهبة الاستعداد للنهوض واستعادة زمام الأمور إذا وقعت أي أزمة.

واستطاع ترويض الأقليات السابقة لحكمه، وحوّلها إلى خدم مُطيعين، وصاروا يتهافتون على الإحسان في معاملته. ورأى أصدقاءه القُدامى يكوّنون ثرواتٍ طائلة، وكان يُدرك أنَّ بإمكانه الاعتماد على ولاءهم الذي لا تُخالطه ذَرة شك، ويبدو أن بوتين يُقدِّر سمة الولاء تقديراً شديداً أكثر من غيرها.

ولا فائدة هنا من السؤال عن ثروة بوتين الشخصية، فبعد حدٍّ مُعيَّن، تتحول النقود إلى قوةٍ هائلة، وفي ضوء هذه النقاط، يبدو أنَّه ليس هناك سوى عدد قليل من الأنداد للرئيس الروسي، بل قد لا يكون هناك ندٌّ له على الإطلاق.

حاكمٌ مستبد بموافقة الشعب، لعل ذلك هو أبلغ وصف لبوتين، الذي حافظ على الحريات الشخصية الأساسية التي اكتسبها الشعب الروسي لأول مرة بعد سقوط النظام الشيوعي.

إذ تتوفر للشعب حرية اعتناق الأديان، وحرية السفر، فضلاً عن عدم حظر موقعي فيسبوك وتويتر، والسماح بقلةٍ قليلة من القنوات الإعلامية التي تُعارض سياسات الكرملين علانيةً.

ومع ذلك، فالحريات السياسية مُقيَّدة تقييداً مُحكماً، وذلك لعدم ترك أي فرصة لاحتمالية اندلاع "ثوراتٍ مُلوّنة"، وغلق كافة المنافذ في وجه الأقليات التي تحمل طموحاتٍ سياسية. ومن وجهة نظر مُعظم الشعب، فلا أهمية تُذكر لهذا الأمر، إذ يتوفر للناشطين القليلين نسبياً خيار خوض غمار المعترك السياسي، أو تركه.

وكان بوتين قد وصف نفسه ذات مرة بأنه أكثر شخص وطني في تاريخ روسيا. وأعلن أنَّ حب الوطن هو فكرة روسيا الأولى. وتأتي روسيا في مقدمة قائمة أولوياته.

فمنذ أول يومٍ له في الرئاسة وهو يُنفَّذ وصية الوداع التي طلبها منه الرئيس السابق بوريس يلتسن، حين قال له: "اعتنِ بروسيا". ولأنَّ الاتحاد السوفيتي كان واحداً من الأسماء التاريخية لروسيا، فلا عَجَب من أن يقول بوتين إنَّ انهيار هذا الاتحاد كان كارثةً كُبرى.

ويتمثل إطاره المرجعي الأساسي في تاريخ روسيا الغني. وقال بوتين ذات مرةٍ ساخراً إنَّه لا يوجد شخصٌ في العالم يستحق التحدث عنه بعد موت الزعيم الهندي مهاتما غاندي. صحيحٌ أنَّ بوتين يتحدث مع العديد الشخصيات، ولكن لا تربطه صلةٌ قوية إلا بالحُكام السابقين لروسيا، سواءً القياصرة، أو الأباطرة، أو قادة الأحزاب. وليس بوتين سوى الاسم الأخير في قائمةٍ طويلة من حُكام روسيا.

يُشكِّل عدم امتلاك أنداد داخل الوطن، وامتلاك عدد قليل جداً من الأنداد خارجه عبئاً نفسياً ثقيلاً. إذ يحتاج المرء إلى التأمل في السُّلطة الأعلى منه.

ومع ذلك، يرى بوتين أنَّ الدين أكثر من مجرد أمرٍ شخصي. ومن وجهة نظره، فالمسيحية الأرثوذوكسية تُعَدُّ نبراساً روحياً وأخلاقياً، وهي جوهر الحضارة الروسية الفريدة، ودون وجودها، لا يُمكن فهم تاريخ روسيا وأدبها الكلاسيكي وفنونها فهماً كاملاً. ويرى بوتين أنَّ التحالف بين الدولة وبين مؤسساتها الدينية، وأبرزها الكنيسة الروسية الأرثوذوكسية، هو لُب الوحدة الوطنية.

ومن المقرر أن تشهد روسيا انتخاباتٍ رئاسية العام المُقبل. وعلى أرض الواقع، يتوقع الجميع ترشّح بوتين، ولا يساورهم أي شكٍّ حيال فوزه.

ولكن يتمثل السؤال الوحيد في كم عدد الناخبين الذين سيذهبون إلى مراكز الاقتراع، وكم منهم سيصوتون لصالح بوتين. ويهدف الكرملين الآن إلى وصول كلتا النسبتين (نسبة المصوتين الإجمالية، ونسبة مؤيدي بوتين) إلى 70%.

وقد تكون هذه الولاية الرابعة لبوتين في الكرملين، أو الخامسة إذا حسبنا ولاية ديمتري ميدفيديف، التي كان بوتين فيها هو الحاكم الفعلي، هي الأخيرة له داخل القصر، وليس السبب أنَّ عمره سيتجاوز 72 عاماً بعد انقضاء ولايته الرئاسية المُقبلة التي ستمتد إلى 6 أعوام، ولكن السبب هو عدم رغبته في تعديل الدستور قبل حلول هذا التاريخ.

ومع ذلك، من غير المُرجَّح أنَّ بوتين سيترك الساحة السياسية حتى في عام 2024، أي بعد قضائه حوالي رُبع قرنٍ في السلطة، ففي حقيقة الأمر، تُعَدُّ وظيفة بوتين مَهمةً يحاول إكمالها ما دام حياً.

ويتمثل التحدي الذي يواجهه على المدى البعيد في نقل سبل القيادة الحكيمة لجيلٍ جديد من القادة الروس، والتأكد من جدوى هذا الأمر.

وينصبُّ اهتمام بوتين حالياً على تحديد هؤلاء الأشخاص الجديرين بخلافته، معظمهم في الأربعينيات والثلاثينيات أيضاً من عمرهم. وقد عيَّن بوتين بعضهم بالفعل في مناصب بارزة، ومنهم وزراء، ومُحافظون، وشخصياتٌ أخرى تشغل مناصب حكومية بارزة.

سيُجرِّبهم بوتين، ويختبرهم مراراً وتكراراً، ويُكلِّفهم بأداء مهماتٍ مُعيَّنة. وقد يُصبح بوتين نفسه، الذي يُعَدُّ الأب الروحي لتلاميذه النُّجباء، فيما بعد الأب الروحي لروسيا، أو لنَقُل، بصيغةٍ سنغافورية، مرشد الرؤساء.

ولا يزال من المبكر جداً إصدار حكمٍ نهائي على بوتين. لقد حافظ بوتين على وحدة بلده واستعاد مكانتها العالمية. ويستمر حالياً في سياساته التي جعلت الجميع يخشونه ويهابونه، وهو مستعدٌّ دائماً لمفاجأة غيره. لقد أحدث تأثيراً عميقاً في بلده. إنَّها روسيا بوتين، ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أنَّه يُكرّس حياته لروسيا.

المصدر: هافينغتون بوست

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 29 مارس 2017 - 12:58 بتوقيت مكة