اهتمام النبي الاعظم بفاطمة الزهراء عليها السلام دون سائر النساء أثار استغراب أم المؤمنين عائشة فسألته عن سر ذلك فكشف لها النبي سراً لم يطلع عليه أحد، وكان الغرض هو أن يبين النبي الاعظم المكانة الرفيعة التي تحظى بها السيدة فاطمة الزهراء، فماذا كان السر الذي كشفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
سندع هنا زوجته تتحدث عما جرى في تلك الحادثة لتقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لها: {يا عائشة، إنّي لَمّا أُسرِيَ بي إلى السماء أدخَلَني جبرئيلُ الجنّة، فناولني منها تُفّاحةً فأكلتُها فصارت نطفةً في صُلْبي، فلمّا نزلتُ واقعتُ خديجة.. ففاطمةُ مِن تلك النطفة، وهي حَوراءُ إنسيّة، كلّما اشتَقتُ إلى الجنّة قَبّلتُها}.
العبارة الأخيرة من الرواية تكشف أن علاقة النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن علاقة عادية بفاطمة الزهراء وخاصة بعد وفاة زوجته خديجة الكبرى فقد كان يأنس بها ليخفف عن نفسه آلام فراق السيدة خديجة والصبر على الأوجاع التي تكبدها في طريق تبليغ الرسالة.
ولما أسري بالنبي الاعظم الى السماء كان واحدا من أهداف تلك الرحلة هو تثبيت قلبه وشحن طاقته لما سيلقاه من العذاب والألم والأذية على يد قريش فكان بحاجة إلى قوة هائلة في داخله تصبره على جميع تلك الآلام والاحزان وكانت رحلته الى الجنة تمنحه القوة والثبات في مهمة تبليغ الرسالة السماوية.
وبعد عودته من رحلة السماء ومشاهداته لعالم الغيب والملكوت والعجائب التي رآها في الطريق اكتسب النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم طاقة سماوية كان بحاجة الى تجديدها باستمرار بعد عودته الى الارض ولاسيما بعد معاناته العظيمة مع قريش، والفرصة الوحيدة التي كان النبي يملكها لاستعادة تلك الطاقة هي من خلال رؤية فاطمة الزهراء وكلما اشتاق الى الجنة قبّلها لأن عطرها تفوح منه رائحة الجنة وكلما قبّلها تذكر الأوقات الجميلة التي قضاها في الجنة، فكانت فاطمة بلسماً لجراح النبي ولولاها لما استطاع نبي الاسلام تحمل كل تلك الآلام والاوجاع التي لقيها في طريق تبليغ الرسالة، فكانت فاطمة الزهراء هي جنة النبي الأعظم ولهذا السبب أيضا أصبحت أم بيها.
هنا صورة تقدمها زوجة الرسول أم المؤمنين عائشة وهي ترمز إلى العلاقة الكبيرة بين نبي الاسلام وبين ابنته فاطمة وهي في نفس الوقت تكشف عن المنزلة العظيمة لسيدة نساء العالمين لكنها لاتتوقف عند هذا المستوى من الوصف بل تتجاوز ذلك إلى مستوى تشبيه فاطمة الزهراء بالنبي الأعظم.
وقالت : {ما رأيتُ أحداً كان أشبَهَ كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله، وكانت إذا دخَلَت عليه رحّب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبّلها، وأجلَسَها في مجلسه }. وفي رواية ثانية نجد عن المنهال بن عمرو، ينقل عنها في حديث طويل أوّله: قالت: { ما رأيتُ أحداً أشبَهَ سَمتاً ودَلاًّ وهَدْياً برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله}.
تشبیهها للسيدة فاطمة الزهراء في مشيها وجلوسها وحركتها أمر مفهوم ومعقول لكن تشبيهها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بمستوى كلامه ومنطقه ودله وهديه فهذا شيء عظيم لأنه ربما يتشابه الأشخاص بالصفات الجسدية لكن من الصعب أن يتشابهوا بالصفات النفسية والعقلية إلا إذا كانوا بنفس المستوى من العلم والدراية.
وبعد مضي مايفوق الأكثر من ألف وأربع مائة عام على رحلة النبي الأعظم إلى بارئه لم نسمع على طول التاريخ أن يأتي شخص ويحدث الناس بما يشبه حديث النبي الأعظم لأن الذي يريد أن يتحدث بما يشبه حديث النبي الاكرم او بمستواه يجب ان يملك خزيناً من الكلام ومن العلم ما يؤهله الى هذا المستوى من الحديث.
كلام ام المؤمنين عائشة وبشكل غير مباشر يبين المنزلة العالية والمقام الرفيع للسيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وهو بلا شك كلام ليس بغريب لاننا سمعنا ما يشبهه من المهاجرين والانصار عندما استمعوا الى خطبتها بعد رحلة النبي الاعظم والتي وصفوها بأنها ذكّرتهم بخطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا أتساءل كم كانت تملك السيدة فاطمة من الفهم والعلم والمعرفة لكي يكون كلامها ومنطقها وحديثها مشابهاً لحديث رسول الاسلام؟
وتساهمت بالجدل الدائر بخصوص واحدة من أهم القضايا التي اختلفت بشأنها الفرق الاسلامية: وللاجابة عن الاستفهام الكبير من هم أهل البيت المذكورين في القرآن الكريم؟ (إنَّما يُريد اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيراً( الاحزاب -33- فبعضهم ذهب إلى أن الآية تعني نساء النبي بينما هناك رواية واضحة لعائشة زوجة الرسول تنفي فيها اشتمال نساء النبي لهذه الآية وهي تبين بشكل دقيق ومفصل فيمن نزلت الآية وتقول {عن صفيّة بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبيّ صلّى الله عليه وآله ذات غداةٍ وعليه مِرْطٌ مُرجَّل من شَعرٍ أسود، فجاءه الحسن بن عليّ فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمّ قال: إنَّما يُريد اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيراً }. وهذه الرواية التي نقلناها عن مصادر اخواننا اهل السنة لاتدع مجالا للشك في ان الآية نزلت في الاشخاص الذين ذكرتهم أم المؤمنين عائشة وبالطبع هي تشير إلى حديث الكساء المعروف وهو من الأحاديث المعتبرة لدى الشيعة ونقل المسلمون رواياته بصور مختلفة في مصادرهم.
وبشأن اعترافها بكون فاطمة هي سيدة نساء العالمين فهناك روايات كثيرة بشان ذلك وليس هذا الامر بغريب في تلك الفترة الاسلامية وهناك روايات اخرى عن كبار الصحابة وهم يصفون السيدة فاطمة بانها سيدة النسوان واما الروايات فننقلها من مصادر اهل السنة والجماعة ونقتطف منها {عن عائشة أنّها قالت لفاطمة عليها السلام: « ألا أُبشّرُكِ ؟! إنّي سمعتُ رسولَ الله يقول: « سيّداتُ نساء أهل الجنّة أربع: مريمُ بنتُ عِمران، وفاطمةُ بنت رسول الله، وخديجة بنت خُوَيلد، وآسية}. وعن عمران بن حصين: {أن نبي الله(ص) عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها : كيف عيناك يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين قالت : فأين مريم بنت عمران قال: تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك والله لقد زوجك سيداً في الدنيا}.
المصدر:شفقنا