هل نحن حقا على أعتاب عصر جليدي جديد؟

السبت 11 مارس 2017 - 11:46 بتوقيت مكة
هل نحن حقا على أعتاب عصر جليدي جديد؟

العالم مع العلم كل يوم في جديد وفي تطور مستمر، والعلم على هذا نعمة قائمة كبرى لم تحظ بها إلا المجتمعات الحديثة، لكن هناك مع ذلك بعض المعطيات والمستجدات العلمية، تفرض علينا من الحيرة والجدل وأحيانا البلبلة أكثر مما تحقق يقينا أو تجلي بصيرة. ولعل من أبلغ الأمثلة على هذا قضية ثقب الأوزون الذي بدأ يلتئم، بعد أن كان اتساعه يوازي مساحة أميركا الشمالية بأكملها أو قريبا من ذلك.

وتمثل قضية التغير المناخي فصلا جديدا من هذه النوعية من المسائل العلمية التي لم تخل أبدا تفاصيلها أو النقاش الدائر حولها من الجدل والغموض، إذ كان أغلب الحديث خلال السنوات الماضية يدور حول تداعي مشكلة الاحتباس الحراري واتجاه كوكب الأرض نحو التسخين، وتوقع تغير المناخ العالمي وحدوث تداعيات مستقبلية خطيرة، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وغرق بعض الأجزاء الساحلية وخلافه.

وبالطبع كان هذا ولا يزال محل نقاش مستفيض وجدل كبير بين العلماء والمتخصصين، مما أدى إلى انقسام المتابعين إلى فريقين: فريق مؤيد لهذه التقديرات، وفريق آخر مشكك فيها، عرف باسم "المتشككين البيئيين".

الآن، الحديث بدأ يدور عن الضد، وتحديدا عن خضوع كوكبنا الأزرق لموجة جديدة من التبريد، وقرب وقوعنا تحت عصر جليدي قادم. ترى هل هناك بالفعل بواعث علمية جدية لهذا التخمين؟ وهل نحن مقبلين حقا على عصر جليدي مصغر أو لنقل فترة تبريد جديدة؟ أم أنه فصل جديد من الحيرة وعدم اليقين؟!

بواعث التبريد
لكل قضية باعث ومحفز، وبالنسبة للتبريد العالمي فقد لاحظ بعض العلماء بدء انخفاض درجة الحرارة على سطح الأرض وتراجع متوسطاتها خلال السنوات القليلة الماضية، وهذا بالتزامن مع خبوت النشاط الشمسي مؤخرا بنسبة 60%، وتعاقب ظاهرتي "النينو" و"اللانينا" بالمحيط الهادي وتأثيرهما على المناخ وأحوال الطقس وغير ذلك، مما دفع بالاعتقاد بأن العالم قد بدأ يعاصر فترة تبريد جديدة، قد تشتد تدريجيا وقد تمتد حتى العام 2060، مما يعني أننا لسنا بصدد حالة مؤقتة أو تغير مناخي عارض.

وبالنسبة للنشاط الشمسي فهو يؤثر بشكل كبير على درجة الحرارة على سطح الأرض، وهذا من واقع تأثير الإشعاع الشمسي وأيضا من واقع عدد البقع الشمسية التي تظهر بين الفينة والأخرى على سطح ذلك النجم المضيء الهائل الحجم (الشمس).

فحينما يزيد الإشعاع الصادر من ذلك النجم -والذي تصل درجة الحرارة على سطحه إلى ستة آلاف درجة مئوية- يمتد ويتزايد بالتبعية تأثير اللفح الحراري الناتج عنه، مما يتسبب بدوره في ارتفاع درجة الحرارة. وحينما تقل شدة هذا الإشعاع أو يزيد عدد البقع الشمسية المظلمة نسبيا -أي البقع المظلمة التي تتميز بدرجة حرارة منخفضة نسبيا عن محيطها، ونشاط مغناطيسي زائد يمنع حمل الحرارة- يحدث العكس وتنخفض الحرارة على سطح الأرض بشكل لافت.

ويبدو أن هذا هو الحادث حاليا، حسبما يشير الباحثون والعلماء المتخصصون، حيث يرتبط النشاط الشمسي عموما، وعدد البقع الشمسية خصوصا، بدورات متعاقبة تسمى الدورات الشمسية، كل منها يستمر لمدة 11 عاما أو أزيد قليلا.

وبحسب ما يفيد هؤلاء الباحثون، فإن الأرض قد خرجت للتو من تأثير أطول دورة شمسية خلال المئة عام الأخيرة، وهي الدورة رقم 24 التي بدأت في العام 2004 والتي كان لها تأثير كبير في التسخين وزيادة درجة الحرارة على سطح الأرض خلال السنوات الماضية.

(كما ان عتقد العلماء أن للدورات التي تمر بها الشمس دورا في تسخين الأرض أو تبريدها)

وظاهرتا "النينو" و"اللانينا" لهما كذلك علاقة وثيقة بالمناخ، فهاتان الظاهرتان تنشآن وتتطوران في المنطقة الاستوائية في المحيط الهادي كل فترة، ويؤدي كل منها إلى التأثير على أنماط توزيع الغيوم ومتوسط درجة الحرارة بشكل مختلف، وإن كانت مدة هذا التأثير تعتبر أقل زمنيا مقارنة بمدة تأثير الدورات الشمسية.

ويتمثل تأثير "النينو" في زيادة درجة حرارة المياه السطحية في تلك المنطقة بشكل لافت، خاصة في فصلي الصيف والخريف، مما ينتج عنه تولد تيارات مائية بحرية دافئة، وتحركها شرقا لمسافات طويلة، وهو ما يؤدي بدوره إلى تغيرات مناخية وبيئية قاسية، أبرزها ارتفاع درجة الحرارة وزيادة موجات الجفاف واضطراب المناخ بشكل عام بالقرب من سواحل أستراليا الشرقية وإندونيسيا، وتأثيرات مماثلة لكنها أقل حدة على سواحل الهند وشرق أفريقيا وبقاع أخرى بنصف الكرة الجنوبي.

وتتعاقب مع ظاهرة "النينو" في نفس المنطقة بالمحيط الهادي، ظاهرة بحرية أخرى هي ظاهرة "اللانينا"، والتي تؤدي إلى تأثيرات معاكسة تتمثل في انخفاض درجة حرارة المياه السطحية وبرودة الطقس نسبيا في أكثر منطقة عبر العالم.

والواقع أن العالم قد خرج أيضا للتو من تأثيرات ظاهرة "النينو" التي بدأت منذ عامين، وهناك بوادر قوية على تعاقب موجة جديدة من "اللانينا" بعدها، مما يمثل بدوره علامة على انخفاض درجة الحرارة على سطح الأرض بشكل إضافي خلال المستقبل القريب.

التأثيرات المستقبلية
بطبيعة الحال يمكن أن يؤدي الانخفاض المتوقع في درجة الحرارة إلى حدوث تأثيرات مستقبلية كثيرة وتداعيات عديدة في أكثر من منحى ومجال. وبداية لا شك أن هذا الانخفاض سوف يؤدي حتما إلى زيادة استهلاك الطاقة بشكل ملحوظ، وبالتالي زيادة الضغط الواقع على محطات إنتاج الطاقة وتحلية المياه وبقية المرافق المماثلة.

كما يمكن أن يؤدي هذا الانخفاض إلى تقصير موسم النمو الزراعي والتأثير سلبا على معدلات إنتاج الحبوب خاصة في المنطقة المعروفة باسم حزام القمح في كل من الولايات المتحدة وكندا، وهي من أكثر المناطق إنتاجا للمحاصيل الغذائية، مما يعني تزايد احتمالات حدوث المجاعات بسبب النقص الحاد المتوقع في إنتاج الغذاء.

ووفقا لدراسة لإدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)، فإن إنتاجية الأراضي الصالحة للزراعة وغلة المحاصيل يمكن أن تقل بنسبة 10-30% إذا ما انخفضت درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة.

كما يمكن أن تؤثر موجة التبريد المحتملة تلك على معدل إنتاج الفرد والعمل الحرفي والمهن الأخرى التي تتأثر بشكل ما بأحوال الطقس، مثل أعمال الصيد والبيع والشراء وخلافه.

"إن الحديث عن النتائج أو عن تأثير الدورات الشمسية والعصور الجليدية السابقة أو غيرها، لا يعني بالضرورة تحقق تلك التوقعات أو حدوثها يقينا بنفس تلك السيناريوهات المخيفة"

وعموما فإن لنا في العصور الجليدية المصغرة التي حدثت سابقا -وأبرزها ما يعرف باسم "دالتون الدنيا" (Dalton Minimum) الذي حدث خلال الفترة من 1790 إلى 1830 أثناء فترة الخمول الشمسي الكبير، وأيضا العصر الجليدي المصغر السابق له المعروف باسم "موندير الأدنى" (Maunder Minimum) الذي حدث خلال الفترة 1645 إلى 1715- وفي تأثيراتها أسوة ومثلا. فلقد أدى الطقس البارد الذي كان سائدا وقتئذ إلى تدمير غلة المحاصيل في شمال أوروبا وشمال شرق الولايات المتحدة وشرق كندا بدرجة كبيرة، مما تسبب آنذاك في أزمة غذائية واقتصادية كبيرة في العالم الغربي.

والواقع أن التوقعات والتكهنات الخاصة بهذا الشأن كثيرة ومتعددة، وجلها مبني على نتائج النماذج الرياضية ومستمد من تقييم الأحداث المشابهة، وتحديدا العصور الجليدية المصغرة التي مر بها العالم من قبل.

لكن الحديث عن النتائج أو عن تأثير الدورات الشمسية والعصور الجليدية السابقة أو غيرها لا يعني بالضرورة تحقق تلك التوقعات أو حدوثها يقينا بنفس تلك السيناريوهات المخيفة. فسمة المناخ هي التغير والتقلب، من احترار إلى تبريد والعكس، أما مقدار هذا التغيير، فلم يستطع العلم ولا العلماء تقديره حتى الآن بشكل دقيق أو بدرجة يقين كاملة.

لذا دعونا نعش الحاضر بحس بيئي مرتفع ونمط معيشة مستدام بعيد عن الإسراف والاستهلاك المفرط، اتباعا لتعاليم الإسلام الحنيف وبقية الأديان السماوية الأخرى، ولندع الغد للخالق، يدبره لنا كيف يشاء.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 11 مارس 2017 - 10:49 بتوقيت مكة