والواقع ان مجرد التمرد على الجلاد في سجن من سجون نظام كنظام البحرين لهو موقف يحتاج الى كثير من التأمل لما يحمل من معاني الثبات والتحدي ورفع كلمة الحق بوجه الحاكم الظالم، لان هكذا انظمة تعتقد ان الإتيان بالمواطنين الى السجون وإنزال اقسى وأبشع صور البطش والتعذيب بحقهم هو سبيلها لاسكات الصوت المعارض لها والرافض لكل ما تقوم به من ممارسات، فكيف يمكن لهكذا أنظمة ان تتحمل بقاء الصوت هادرا رغم الاعتقال وما تفعل بها تلك الرؤوس الشامخة والقلوب النابضة بالثورة رغم تذوقها ما لا يخطر على بال عاقل من صنوف الظلم والتفنن بها.
أما قمة التحدي هو ان يتمكن عدد من الشبان المعتقلين من كسر ارادة السجان وفك القيد والخروج من سجن كسجن جو وإظهار ضعف وهزالة الاجراءات الامنية للنظام الذي يحكم البحرين بالحديد والنار بدعم معروف من دول اقليمية وغربية في مقدمتها السعودية وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، فقبل فترة تمكن عشرة شبان من الخروج من السجن من بينهم الشهداء الثلاثة رضا الغسرة ومحمود يوسف ومصطفى يوسف الذين تم اغتيالهم خارج المياه الاقليمية للبحرين في محاولة من النظام لاثبات وجوده وانه ما زال يملك القدرة على القتل بعد اهتزاز صورته امام داعميه.
الثورة يصنعها الشهداء..
وبالعودة الى انتفاضة سجن جو، فقد احتج عدد من الاسرى في 10 مارس/آذار 2015 على اعتداء قوات الامن بالضرب المبرح ضد احد السجناء في المبنى 1، بعد منع أسرته من لقائه في الزيارة المخصصة له حيث جرى الاعتداء ايضا على عائلته بعد اخذهم الى غرفة مجاورة، كما قامت قوات الأمن باستخدام الغاز المسيل للدموع عبر تسريبه لداخل المبنى لفترة من الزمن ما أدى إلى اختناقات بين السجناء، وقد تطورت الامور يومها ما أدى الى حصول مواجهات بين الطرفين قامت على اثرها قوات أمن مدججة بالسلاح بمحاصرة مبنى رقم 4 في السجن، حيث استخدمت الغازات السامة وشتى انواع الاعتداء بالادوات الحادة المختلفة على المعتقلين الذين عملوا للدفاع عن انفسهم وواجهوا الاعتداءات بالصدور العارية واللحم الحي، واللافت ان من بين هؤلاء الابطال الذين واجهوا الاعتداءات في تلك الانتفاضة المباركة الشهداء: عباس السميع، علي السنكيس، سامي مشيمع ورضا الغسرة، الذين اغتالهم النظام في العام الجاري.
واليوم تعود قضية سجن جو الى الواجهة من جديد مع ما يتم تسريبه بصورة يومية من اعتداءات بحق السجناء، وإنزال العقاب الجماعي بحقهم وحرمانهم من أبسط الحقوق، وحتى الاعتداء على المساجين بالضرب بعد سؤال كل سجين عن اسمه ومنطقته وبمجرد معرفتهم أنه من طائفة معينة ينهالون عليه بالضرب بالهراوات والأحذية والسب والشتم لمذهبه.
وتشير المعلومات الى ان قوات الامن قامت مؤخرا بالتفنن بنماذج التعذيب البدني والنفسي للسجناء، كمثال على ذلك تقوم العناصر الامنية بحلق نصف شعر رؤوس السجناء ونصف لحاهم من أجل الإنتقاص من قيمتهم المعنوية والإيذاء النفسي لهم، ما دفع السجناء للتفكير الجدي بالقيام بالاضراب عن الطعام إحتجاجا على ما تعرضوا له من ضرب مبرح وإهانات وتعرض للمذهب بلا سبب يذكر.
حقوق الانسان.. والدعم الخارجي لنظام البحرين؟!
والسؤال هو بأي حق تقوم القوات الامنية التابعة للنظام بكل هذه الاعتداءات سواء في سجن جو اوغيره؟ علما ان هذا السجن ما هو إلا نموذجا عما يجري في باقي السجون البحرينية التي لا يتم تسليط الضوء عليها، فأي قانون او دين او عرف يبيح للامن البحريني استباحة حقوق المساجين بهذه الطريقة؟ وهل كل هذه الانتهاكات التي ترتكب لا تستحق اي تحرك من قبل المنظمات الحقوقية والانسانية الاقليمية والدولية؟ وهل يكفي فقط إعلاء الصوت في بعض المؤتمرات الحقوقية والصحفية؟ ألم يحن الوقت كي نرى تدخلات فعلية من قبل كل من يدعي التغني بحقوق الانسان على امتداد هذا العالم؟ ام ان الحماية السعودية والبريطانية والاميركية للنظام القائم في المنامة تمنع اي احد من قول كلمة الحق التي لا يتوانى الاسرى في سجن جو عن قولها تحت سياط الجلاد وبوجه رصاص الغدر والاغتيال؟
وهنا لا بد من الاشارة الى ان اسماء الكثير من الجلادين والسجانين(من جنسيات مختلفة: بينهم عرب واجانب) الذين يرتكبون الاعتداءات اليومية على الاسرى داخل السجن باتت معروفة لدى العديد من الجهات السياسية البحرينية وغير البحرينية وملاحقتهم باتت واجبة كما ملاحقة رأس النظام وكل الادوات التي تنغمس في قمع الناس في السجون وفي كافة ارجاء البحرين، عبر القتل والاعتداء اليومي على الشعب البحريني بكل فئاته وشرائحه، والنظام عندما يمارس كل هذه الجرائم يحاول اتباع اسلوب التفرقة المذهبية لاحداث الشرخ بين البحارنة والتمييز بينهم والايحاء أنه يفضل طائفة على طائفة او مذهب على مذهب الا ان الحقيقة ان هذا النظام لا يريد سوى مصلحته وهو يحاول التلطي وراء البُعد المذهبي كي يحمي نفسه معتقدا انه بهذه الطريقة قد يكسب ود وتعاطف بعض الدول والتيارات في العالمين العربي والاسلامي.
ومن المناسب الاشارة لما طالبت به منظمة “هيومن رايتس ووتش” حول ضرورة إجراء تحقيق مستقل لما يجري في سجن جو، خاصة بعد نقلها لشهادات بعض المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب في داخل السجن، وفي تقريرها السنوي لعام 2016 لفتت المنظمة الى “السلطات لم تحقق تقدما يُذكر في محاسبة الشرطة وقوات الأمن على تعذيب المحتجزين وسوء معاملتهم”، وتحدثت في تقريرها عن “.. أعمال تعذيب ومعاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة بحق المحتجزين ومحاكمتهم واجبارهم على الاعتراف بارتكاب جرائم…”.
وفي الذكرى السنوية الثانية لانتفاضة سجن جو المركزي أصدرت “وكالة أنباء البحرين اليوم” يوم الأربعاء 8 آذار/مارس الجاري كتابا توثيقيا يحمل عنوان “زفرات” يتناول أحداث الانتفاضة في سجن جو المركزي في البحرين، ويتضمن الكتاب إفادة من أكثر من ٧٠ سجينا كانوا من ضحايا الأحداث التي وقعت في سجن جو وبينهم من الشهداء، أمثال الشهيد عباس السميع، والشهيد رضا الغسرة الذي أدلى بشهادة خاصة ومطولة لصالح الكتاب بعد تحرُّره من سجن جو وقبيل أيام على استشهاده مع اثنين من رفاقه أثناء نجاحهم في الخروج من البحرين بحرا، وبعد أن رصدتهم قوات النظام المدعومة بالأجهزة الإقليمية والدولية وأطلقت القوات الرصاصَ على الشهيد الغسرة واثنين آخرين الذين كانوا قد قرروا عدم الاستسلام والمقاومة حتى الشهادة.
يذكر ان النظام البحريني يحظى برعاية مباشرة من النظام السعودي حيث تتواجد في الاراضي البحرينية قوات سعودية تحت مسمى “درع الجزيرة” للايحاء انها قوات تابعة لـ”مجلس التعاون الخليجي”، كما يوجد ايضا قوات اماراتية تعمل بإمرة القوات السعودية، كما يوجد في البحرين قوات بريطانية واميركية حيث يوجد قواعد عسكرية لكل من البلدين في الجزيرة الخليجية التي اسس لها دولة وجيش واجهزة امنية مهمتها الاولى والاخيرة قمع شعبها وقتلهم كما جرى ويجري في سجن جو وغيره من السجون.
المصدر: موقع المنار