ويبدو أنّ هذه المقولة، التي تؤكّد مدى عنجهية دولة الاحتلال، ما زالت مُترسّخةً في عقول السواد الأعظم من "الإسرائيليين"، الذين يعتقدون أنّ العرب ما زالوا نفس العرب، وبالإمكان الانتصار عليهم بالضربة القاضية، وحسم المعركة في غضون أيّامٍ وأنْ تدور رحاها في أرض العدو فقط، مُتناسين عن سبق الإصرار والترّصد أنّ الشرق الأوسط تغيّر، وأنّ حزب الله في الشمال وحماس في الجنوب، باتا يُشكّلان، وباعتراف القادة السياسيين والعسكريين في تل أبيب، تهديدًا إستراتيجيًا على الأمن القوميّ "الإسرائيليّ".
وبحسب "راي اليوم" يقترح الإسرائيليون نظريات عدّة، بهدف النيل من حزب الله في أي عدوان قد تشّنه "إسرائيل"، والذي تمّ اختيار اسمه “حرب لبنان الثالثة”، ولكن على الرغم من سيل الاقتراحات والنظريات التي تُطرح تقريبًا بشكلٍ يوميٍّ ، فإنّ الإجماع "الإسرائيليّ" يؤكّد بما لا يترك مجالاً للشكّ: التعادل الإستراتيجيّ بين حزب الله و"إسرائيل" يمنع صنّاع القرار في تل أبيب من الإقدام على مغامرةٍ عسكريّةٍ ضدّ حزب الله، وفي المُقابل، تُشدّد المصادر الإسرائيليّة الرفيعة، على أنّ حزب الله، مثل "إسرائيل"، ليس معنيًا في الوقت الحاليّ بالدخول في حربٍ جديدةٍ مع "إسرائيل".
أمّا السيناريو الجديد الذي تمّ اقتراحه ونُشر بقلم الأكاديميّ الإسرائيليّ أميتاي عتصيوني في صحيفة هآرتس: هو كيفية القضاء على حزب الله وأسلحته في المخازن؟.
كتب الأكاديميّ الإسرائيليّ، والذي كان سابقًا في الجيش، نقلاً عن أحد الضباط في جيش الاحتلال، إنّه يجب اجتياح بيروت برًا للتخلّص من قوّات حزب الله والبحث عن سلاحه في الأنفاق والمخازن، وفرضية إطلاق الجيش القنابل. واجتياح بيروت، شدّدّ، يجب أنْ يكون في وضح النهار، وهو مقترح أمريكيّ والجيش الإسرائيليّ سيقوم بإنذار السكان لإخلاء المناطق التي ينوي اقتحامها وتمشيطها بحثًا عن أسلحة حزب الله.
وقد عارض الأكاديميّ الإسرائيليّ هذا الرأي، ولكنّ مستشارين أمريكيين عسكريين وافقوا على فكرة الاجتياح البريّ واستعمال القنابل الفراغيّة في الجوّ من أجل حجب الرؤية عن قناصة حزب الله، مُشيرًا إلى أنّه لا بدّ من دخول بيروت وتطهير معقل حزب الله منزلاً منزلاً، على حدّ تعبيره. وبحسب مقترحهم، فإنّ هذه الخطوة هي الطريقة الوحيدة للتخلّص من حزب الله.
وتابع التقرير إنّ عمليات الدخول إلى المباني يجب أنْ تكون عبر النوافذ وليس الأبواب تفاديًا للأجسام المتفجرّة التي قد يزرعها حزب الله، أمّا الأنفاق فقد تكون عائقًا إذْ ربمّا عاد مقاتل حزب الله إلى المباني بعد عملية التمشيط عبر الأنفاق وهذا سيكون صدمة للجيش الإسرائيليّ.
أمّا القنابل التي تحدثوا عنها، فهي محرمة دوليًا، تدمر الهدف، وتستعمل لتدمير الأنفاق والمخازن والمخابئ تحت الأرض ويطلق عليها في لغة العسكر اسم “القتل الوظيفي”، بحيث تمتص الأكسجين من المناطق التي تنفجر بها مما يسبب اختناقًا، أضف إلى عدم الرؤية، وهو ما ركّز عليه المستشارون العسكريون للحدّ من مواجهة رجال المقاومة للجيش "الإسرائيليّ"، وبالتالي يستطيعون التوغل في المناطق وبين الأبنية السكنيّة، ولكن السؤال: كيف سيدخل هؤلاء إلى بيروت؟ وهل سينتظر حزب الله كي يجتاحوا مناطقه؟. وكما قال أحد الضباط الذين شاركوا في مناقشة هذه الفكرة بأنّه قرارٌ غبيّ، بحسب تعبيره.
ولكن في المُقابل، شدّدّ رئيس لجنة الخارجيّة والأمن البرلمانيّة، آفي ديختر، وهو الرئيس الأسبق لجهاز (الشاباك الإسرائيليّ)، خلال زيارة أعضاء اللجنة للحدود الشماليّة على أنّه ممنوع أنْ تتحول الجبهة الداخليّة في أيّ مواجهةٍ مع حزب الله إلى جبهة قتالٍ أماميّةٍ، وهو ما يُفسّر ربمّا أنّه حتى الآن تردد وامتنع صنّاع القرار في "إسرائيل" عن المبادرة إلى خيارات عملانية واسعة على مستوى المنطقة.
وتابع ديختر، كما أفادت صحيفة هآرتس بأنّ التهديد الذي يُمثله حزب الله في الشمال، لا يشبه ما حصل في 2006، مُشيرًا إلى أنّه رغم سقوط المئات من مقاتليه في سوريّا، لا يزال الجهة التي تتعلّم القتال هناك بشكلٍ مغايرٍ، مُوضحًا أنّ الأمر لا يرتبط فقط بتعاظم الأسلحة، وإنما أيضًا، تعاظم الأفكار والرغبة في تنفيذ عملياتٍ هجوميّةٍ.
من ناحيته قال رئيس منتدى “خط المواجهة”، سيفان يحيئيل، نحن اليوم مستعدون لما كان في عام 2006، لكن لا للسيناريوهات الجديدة، التي تتحدث عن هجماتٍ بريّةٍ وأنواع التسليح الجديدة والدقيقة لدى حزب الله، والتي ستحدث دمارًا كبيرًا في "إسرائيل"، لافتًا إلى أنّ المناعة العسكرية مرتبطة بالمناعة المدنية والمناعة المدنية مرتبطة بازدهار المنطقة.
أمّا عضو اللجنة، ايال بن رؤوبين، فرأى أنّ فرضية العمل التي تنطلق منها "إسرائيل" هي أنّ المعركة في الجبهة الشماليّة أمر حتميّ، في إشارةٍ إلى أنّ المسألة مسألة وقت طال أوْ قصر. ولكنّه أقرّ بأنّ مشكلة الجهوزية والتحصين بشكلٍ خاصٍّ، لا تتلاءم مع حجم التهديد، بشكلٍ واضحٍ، بحسب تعبيره.
المصدر: راي اليوم